تعديلات قانون القضاء في إسرائيل: إصلاح أم انقلاب؟

القدس - أثار اتجاه الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ ما تسميه “إصلاحات” في الجهاز القضائي جدلا واسعا في تل أبيب، فيما تصفه المعارضة بأنه محاولة لـ”الانقلاب على الديمقراطية”.
وتعتمد الحكومة على أغلبيتها البرلمانية، في محاولة لتمرير تعديل قانون السلطة القضائية، لكن المعارضة ترى في التشريعات محاولة لإضعاف القدرة الرقابية للسلطة القضائية على السلطتين التنفيذية والتشريعية.
والتشريعات التي تدفع بها الحكومة تشمل 4 بنود، تقول المعارضة إنها ستؤدي في نهاية الأمر إلى تركيز السلطة القضائية في يد السلطة التنفيذية، التي تسيطر بدورها على السلطة التشريعية بحكم الأغلبية البرلمانية.
والبنود الأربعة هي: الحد من المراجعة القضائية لتشريعات الكنيست، وسيطرة الحكومة على تعيينات القضاة، وإلغاء تدخل المحكمة العليا في الأوامر التنفيذية (فقرة التغلب)، وتحويل المستشارين القانونيين بالوزارات إلى معينين سياسيين.
وقال الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) إنه “بموجب مشروع القانون، فإن لجنة انتخاب القضاة ستتكون من 9 أعضاء، وهم رئيس المحكمة العليا واثنان من القضاة المتقاعدين الذين سيقوم وزير العدل بتعيينهم بموافقة رئيس المحكمة العليا”.
وتشمل اللجنة “وزير العدل ووزيرين ستحدد الحكومة هويتهما، و3 من أعضاء الكنيست، بينهم رئيس لجنة الدستور وعضو عن الائتلاف (الحاكم) وعضو من المعارضة”.
ولفت التصريح إلى أنه “لأول مرة ستدعو لجنة الدستور المرشحين للتعيين في المحكمة العليا إلى المثول أمامها قبل مثولهم أمام لجنة تعيين القضاة التي ستبت نهائيا في التعيينات ثم تمرر بيانا إلى لجنة الدستور بخصوص المرشحين”.
وعن “فقرة التغلب” ينص مشروع القانون، وفق تصريح الكنيست، على “عدم إمكانية التقاضي بشأن القوانين الأساسية، وأن المحكمة بما في ذلك المحكمة العليا، لن تتناول بشكل مباشر أو غير مباشر مسألة تتعلق بصحة قانون أساسي”.
وإسرائيل بلا دستور رسمي مكتوب، لكن تحكمها مجموعة “قوانين أساس” تنظم تقسيم السلطات وحقوق الإنسان والحقوق المدنية، وعند تناقض قانون يقره الكنيست مع قانون أساس يتم الاحتكام إلى المحكمة العليا التي تنظر في مدى دستوريته.
وعن تعيين المستشارين القانونيين في الوزارات يتضمن مشروع القانون تعيينهم مباشرة من قبل الحكومة، وأن يكونوا خاضعين للوزراء، بدلا من تبعيتهم للمستشارة القضائية للحكومة.
وترأس المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية الجهاز القانوني للسلطة التنفيذية والخدمة القانونية العامة، وتتولى عدة مهام، من بينها رئاسة النيابة العامة وتمثيل الدولة في المحاكم وتقديم الاستشارات القانونية للحكومة والجهات التابعة لها.
وبند تعيين المستشارين جزء من اتفاق تشكيل الحكومة بين حزبي الليكود والصهيونية الدينية، الذي نص على أن المديرين العامين للوزارات سيعينون أو يعزلون المستشارين القانونيين وفقًا لتقدير المدير العام المعين سياسيا للوزير.
ونالت الحكومة الإسرائيلية ثقة الكنيست في 29 ديسمبر الماضي، بعد اتفاق أبرمه حزب الليكود اليميني الذي يقوده نتنياهو، مع الأحزاب الشريكة له في الحكومة، ومن بينها الصهيونية الدينية.
وتدافع الحكومة الإسرائيلية عن مشروع قانون السلطة القضائية بأنه “محاولة لاستعادة التوازن الصحيح بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وتقوية الديمقراطية”.
وقال نتنياهو في 8 يناير الماضي “تم انتهاك التوازن بين السلطات في العقدين الماضيين، وبشكل أسرع خلال السنوات القليلة الماضية، هذه ظاهرة غير عادية لا مثيل لها في العالم”.
ولدى إعلانه عن الخطة في الرابع من الشهر نفسه قال وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين “الكثير من قطاعات الجمهور تنظر إلى النظام القضائي ولا تجد أصواتها مسموعة، هذه ليست ديمقراطية”.
وذكر وزير العدل الإسرائيلي، خلال مؤتمر صحفي بالكنيست، أن “المشروع يستهدف تقييد قدرة المحكمة العليا على إلغاء القوانين والقرارات الحكومية”.
وأضاف ليفي، وهو أحد أقطاب حزب الليكود، أنه يستهدف أيضا “تمرير ‘فقرة التغلب’ لتمكين الكنيست من إعادة تشريع القوانين ما لم يقرر جميع قضاة المحكمة العليا بالإجماع إسقاطها”.
وفي المقابل ترى المعارضة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، أن هذه التعديلات تمثل “انقلابا قضائيا” و”نهاية للديمقراطية”.
وقال لابيد في 9 يناير “عندما يكمل (نتنياهو) انقلابه السلطوي ستتوقف إسرائيل عن أن تكون ديمقراطية. لن يكون للضعفاء مكان يذهبون إليه”، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.
انتقاد التعديلات ليس بسبب المخاوف على الديمقراطية فقط وإنما أيضا للسرعة القياسية التي يتم تقديمها بها
وذهب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق عضو الكنيست بيني غانتس إلى أن “الإصلاحات في الجهاز القضائي على كل درجاته يجب أن تسد احتياجات الدولة وليس احتياجاتنا كسياسيين”.
وأضاف غانتس، بحسب موقع الكنيست، أن “الإصلاحات المتداولة حاليا على ما تحتويه وما لا تحتويه، هي أولا وقبل كل شيء تسد احتياجات السياسيين وليس احتياجات الدولة نفسها”.
يأتي هذا في ظل تظاهرات مستمرة منذ نحو شهرين في إسرائيل، ضد نتنياهو، لرفض “تدخل الحكومة الإسرائيلية في جهاز الشرطة والقضاء، ومحاولات تقويضهما وفقا لسياساتها”.
ويقول معهد ديمقراطية إسرائيل عن مشروع القانون، إنه “يضعف قدرة القضاء على الإشراف على السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويركّز السلطة في أيدي الائتلاف المسيطر على السلطة التشريعية”.
وأضاف المعهد التابع لجامعة تل أبيب (حكومية)، في دراسة حديثة، أن “أنصار التغييرات (الحكومة والائتلاف في الكنيست) يبررون بأنها ضرورية لكبح جماح القضاء غير الخاضع للمساءلة”.
وتابع المعهد في دراسته أن معارضي التغييرات “يتخوفون من أن إزالة الرقابة الفعالة الوحيدة على السلطة التنفيذية في إسرائيل ستعرض الحريات المدنية والازدهار الاقتصادي والمكانة الدولية في إسرائيل للخطر”.