كيف يمكن للأردن سد الثغرات في أزمة المياه

مشاكل السباكة من أكبر المساهمين في ندرة المياه بالمملكة.
الجمعة 2023/02/17
سرقة الأنابيب تفاقم أزمة المياه

في وقت تحذر فيه المنظمات ومراكز البحوث والدراسات الدولية الأردن من تفاقم عجزه المائي جراء تغيّرات المناخ، تحذّر أوساط داخلية من أن الأزمة تتجاوز البعد البيئي، أين تلعب السرقة دورا كبيرا في الأزمة. فالمملكة تعاني من عمليات سرقة لأنابيب نقل المياه إضافة إلى سوء الإدارة الكبير لهذا القطاع الحيوي.

عمان – تتراجع المياه التي توفرها الصنابير في الأردن الذي يعتبر من أكثر البلدان التي تعاني من نقص المياه في العالم. ويواجه البلد اليوم أزمة مياه معطلة يغذيها النمو السكاني، وتغير المناخ، والجفاف، ونضوب طبقات المياه الجوفية.

لكن الصحافية الأردنية سها المعايه ترى أن السباكة تبقى من بين أكبر المساهمين في ندرة المياه في الأردن. وتُستنزف البلاد بسبب المياه غير المدرة للدخل، أي المياه التي تخسرها المملكة بسبب تسرب الأنابيب، والسرقة، والقياس غير الدقيق، والإدارة غير السليمة.

حازم ناصر: السرقة والإضرار بشبكة المياه هما المسبب الأكبر للخسائر
حازم ناصر: السرقة والإضرار بشبكة المياه هما المسبب الأكبر للخسائر

وتقول الصحافية في تقرير نشره موقع “سنديكيشن بيورو” للرأي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والأدنى، إن المملكة تشهد خسارة 50 في المئة من موارد المياه الصالحة للشرب في الأردن لصالح المياه غير المدرة للدخل، مما يكلف البلاد مئات الملايين من الدولارات من العائدات سنويا.

وتضيف “أخبرني وزير المياه والري الأسبق حازم ناصر أن معظم هذه الخسائر ترجع إلى سرقة المياه والأضرار المتعمّدة التي تطال شبكات المياه”.

وأجبرت سرقة المياه وتقلص الموارد المائية بذلك السلطات في السنوات الأخيرة على تقنين الإمدادات.

ويشير تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” إلى أن موارد المياه المتجددة في الأردن تبلغ أقل من 100 متر مكعب للفرد، وهي أقل بكثير من حصة الفرد عالميا والتي تبلغ 500 متر مكعب وتدل على نقص شديد في المياه.

وفي حين أن أكثر من 98 في المئة من السكان لديهم إمكانية الوصول إلى مصادر مياه محسّنة، فإن 93 في المئة فقط منهم يمكنهم الوصول إلى مصدر مُدار بأمان و86 في المئة متصل بشبكات المياه. وفي المناطق الحضرية، يتم تزويد المواطنين بالمياه مرة واحدة في الأسبوع، وأقل من مرة واحدة كل أسبوعين في المناطق الريفية، مع انخفاض هذه المعدلات خلال فصل الصيف. 77.3 في المئة فقط من أنظمة الصرف الصحي الحالية تتم إدارتها بأمان، وثلث المدارس فقط لديها خدمات الصرف الصحي الأساسية.

وتتوفر المياه العامة اليوم مرة أو مرتين في الأسبوع. واضطرت الحكومة في 2021 إلى شراء المياه من إسرائيل لتعويض النقص.

ويصعب فهم سبب حالة البنية التحتية المائية في الأردن بالنظر إلى المبالغ الضخمة التي خُصصت على شكل منح وقروض لقطاع المياه خلال العقود الأخيرة، ويتعسّر فهم سبب استمرار السرقة دون رادع.

وأكّد تقرير صادر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في مايو 2022 عدم استبدال أنابيب المياه القديمة، وأن طرق اكتشاف التسرّب غير كافية. وخلص إلى أن العديد من أصول أنظمة المياه تبقى في حالة سيئة، وهو ما قد يمثل مشكلة حتى في ظل الإمداد المستمر.

الأردن لا يزال في وضع حرج، حيث تبلغ الموارد المائية المتجددة السنوية في البلاد 64 مترا مكعبا فقط للفرد

ويحاول المانحون الدوليون (بما في ذلك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وبنك الاستثمار الأوروبي، وبنك الائتمان لإعادة الإعمار الألماني) سد الثغرات بالدعم الفني والمالي. ومنحت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في العام الماضي، على سبيل المثال، الأردن منحة قدرها 22.6 مليون دولار لتقليل خسائر المياه وتجديد شبكاته في عمان والزرقاء.

ورغم إحراز بعض التقدم في تحسين البنية التحتية وتقليل الفاقد من المياه، لا تزال التحديات قائمة، ولا تزال سرقة المياه متفشية.

وتدرك السلطات خطورة الوضع على الورق. وتعتبر المياه أحد مجالات التركيز الرئيسية في رؤية التحديث الاقتصادي للمملكة للسنوات العشر المقبلة برعاية العاهل اﻷردني الملك عبدالله الثاني، وهي إستراتيجية طموحة بُعثت العام الماضي لتحويل اقتصاد البلاد. وتهدف الحكومة ضمن الخطة إلى تقليل المياه غير الملوثة بنسبة 2 في المئة سنويا، وخفضها إلى 25 في المئة أو أقل من إجمالي الخسائر بحلول 2040.

كما أن لعمان خططا لإطلاق مشاريع وطنية لتحلية المياه لتوفير إمدادات مياه مستقرة وخلق فرص للقطاع الخاص لتحسين توصيل المياه.

وسيوفر المشروع الوطني لنقل المياه المتوقع أن يكتمل في غضون أربع سنوات، على سبيل المثال، 300 مليون متر مكعب من مياه الشرب سنويا إلى العاصمة والمناطق المحيطة بها، وربما المناطق الواقعة على طول خط الأنابيب. ويساهم بنك الاستثمار الأوروبي بمبلغ 200 مليون يورو لهذا المشروع لمساعدة الحكومة الأردنية في التنفيذ.

سها المعايه: لا بد من تعزيز البنية التحتية ومعاقبة السرقة وتوعية الناس
سها المعايه: لا بد من تعزيز البنية التحتية ومعاقبة السرقة وتوعية الناس

كما وافق الأردن على صفقة المياه مقابل الطاقة مع إسرائيل. وسيقدم الأردن 600 ميغاوات من الطاقة الشمسية لإسرائيل بموجب الاتفاقية التي تم التوصل إليها بوساطة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وستزود إسرائيل الأردن في المقابل بـ200 مليون متر مكعب من المياه سنويا.

وأثار هذا التعاون حفيظة الكثير من الأردنيين الذين يشعرون بأن بلادهم أصبحت تعتمد على إسرائيل. لكن الأردن في وضع حرج. حيث تبلغ الموارد المائية المتجددة السنوية في البلاد 64 مترا مكعبا فقط للفرد، أي أقل بكثير من الـ500 متر مكعب للفرد التي تحدد ندرة المياه الشديدة.

وتشدد الصحافية الأردنية على أن المشاريع الضخمة وحدها لا تستطيع حل مشاكل الأردن. ويجب أن يكون الحد من سرقة المياه أولوية وطنية، ويجب التعامل معها بنفس إلحاح قضايا الأمن القومي الأخرى، مثل الإرهاب.

وتؤكد المعايه أن أكثر ما يحتاج إليه الأردن هو التطبيق الصارم للأطر القانونية القائمة.

وكانت السلطات مترددة في إنفاذ القوانين الصارمة خشية أن يؤدي ذلك إلى رد فعل شعبي عنيف، حيث يُعاقب على استخراج المياه بشكل غير قانوني بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامات تصل إلى 10 آلاف دولار. وأفضت الحملات السابقة على سرقة المياه إلى اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن وأولئك الذين يواصلون حفر آبار بشكل غير قانوني.

وكان من الممكن أن تكون الخطة الأخيرة التي وضعتها وزارة المياه لاستخدام الطائرات دون طيار لمراقبة الممارسات غير القانونية على نطاق طبقة الديسي الجوفية أكثر فعالية. لكنها واجهت نكسات. وكانت إحدى الطائرات دون طيار معيبة، وحتى بعد استخدام عدة طائرات في وقت لاحق، أوقفت الوزارة المراقبة عندما ثبتت صعوبة مراقبة خط الأنابيب البالغ طوله 325 كيلومترا الذي يربط طبقة الديسي الجوفية بعمان.

الأردن أكثر الدول معاناة من نقص المياه
الأردن أكثر الدول معاناة من نقص المياه

وليس الأردن وحده في هذا الصراع. حيث تواجه العديد من البلدان في المستقبل صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة الصالحة للشرب، وسيؤدي تغير المناخ إلى تفاقم هذه التحديات. لكن على عكس العديد من المناطق المنكوبة بالجفاف، وُضعت مخططات لمعالجة الأزمة الأردنية. وما ينقصها هو إرادة التنفيذ.

وتشدد الصحافية، المقيمة في عمان وتنشر أعمالها في مجلة “فورين بولسي” و”سي تي سي سينتنل”، كما تكتب تقارير لصحيفة وول ستريت جورنال، على أنه يجب إعطاء الأولوية لتعزيز البنية التحتية وإدارة المياه، ومعاقبة السرقة، وإطلاق المزيد من حملات التوعية العامة لتشجيع الناس على توفير المياه. كما يجب توعية أطفال المدارس بأهمية الحفاظ على المياه منذ سن مبكرة.

وتفشل المجتمعات، مثل الأجسام، في العمل دون ماء. وشدد ناصر على أن “الماء هو كل شيء”. لكن السؤال هو متى ستبدأ الحكومة الأردنية في التصرف على هذا النحو؟

7