نهضة العلماء تظهر مجددا الحركة الإسلامية الأكثر اعتدالا في العالم

سورابايا (إندونيسيا) – ظهرت حركة نهضة العلماء مجددا بفكرة تؤكد أنها باتت الحركة الإسلامية الأكثر اعتدالا في العالم. ودعت نهضة العلماء لإقامة الدولة القومية أو الدولة الأمة عوض الخلافة، وتضمين ميثاق الأمم المتحدة في الشريعة الإسلامية. وجاء النداء الذي أطلقته الجماعة الإندونيسية الأسبوع الماضي في تجمع حاشد في مدينة سورابايا الإندونيسية لإحياء الذكرى المئوية لتأسيسها، وكذلك في تجمع نظمته قبلها بيوم وحضره علماء مسلمون من جميع أنحاء العالم، ليضع تحديا أمام الحكومات في العالم الإسلامي.
فمن شأن ترسيخ ميثاق الأمم المتحدة في القانون الديني إلزام الأنظمة غير الديمقراطية قانونيا باحترام حقوق الإنسان. ويُلزم الميثاق الدول باحترام “حقوق الإنسان الأساسية، كرامة الإنسان، والمساواة بين الرجال والنساء”. ويبدو أن الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو قد أيد الدعوة من خلال التحدث مباشرة بعد أن قرأها كبار قادة نهضة العلماء باللغة العربية والإندونيسية.
ويرى الكاتب الأميركي جيمس دورسي أن هذه الدعوة تشكل أحدث خطوة في جهود نهضة العلماء المستمرة لإحداث إصلاح في الفقه الإسلامي وإلهام الأديان الأخرى كوسيلة لمواجهة التطرف والعنف بدوافع دينية.
وقالت نهضة العلماء إنها “تؤمن أنه من الضروري لرفاهية المسلمين تطوير رؤية جديدة قادرة على استبدال النظرة الراسخة والمتأصلة في الفقه الإسلامي لتوحيد المسلمين في جميع أنحاء العالم في دولة عالمية واحدة، أو خلافة. ليس من المجدي ولا المرغوب فيه إعادة إنشاء خلافة عالمية توحد المسلمين في جميع أنحاء العالم في مواجهة غير المسلمين. ومثلما أظهر مؤخرا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، أو داعش، فإن محاولات القيام بذلك ستكون حتما كارثية ومخالفة لمقاصد الشريعة، أي حماية الدين، والحياة البشرية، والمنطق السليم، والأسرة، والممتلكات”.
وصاغ رئيس المجلس التنفيذي لنهضة العلماء يحيى شليل ستاقف اقتراح المجموعة في أسئلة حول الحاجة إلى الإصلاح الفقهي الذي طرحه في مؤتمر العلماء.
وترتكز أسئلة ستاقف على وثيقة عمل غير منشورة تؤكد أن الرأي القائل إن المسلمين “يجب أن يكون لديهم موقف عدائي مبدئي تجاه غير المسلمين، وأن الكفار يجب أن يخضعوا لتمييز هو موقف راسخ في التراث الفقهي الإسلامي”.
إن الموقف من غير المسلمين الذي تتحدث عنه الوثيقة هو في مركز إجابة العالم الإسلامي على التطرف الديني والجهادية. وكُتبت رسالة مفتوحة إلى أبوبكر البغدادي الزعيم الراحل للدولة الإسلامية، بعد أن أعلن الخلافة في 2014 ونصب نفسه على رأسها. ووقعها 126 عالما إسلاميا بارزا، بمن فيهم المشاركون في المؤتمر. وكانت تؤكد على أن “هناك اتفاقا من العلماء أن الخلافة فرض على الأمة”.
وكانت الرسالة نموذجية للقادة المسلمين، ورددها نظراؤهم الغربيون الذين أصروا على مدى أكثر من عقدين منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر على أن الإسلام والفقه الإسلامي لا يحتاجان إلى إصلاح. ويؤكدون بدلا من ذلك أن الجهاديين يحرفون العقيدة ويسيؤون فهمها.
ويرى دورسي أنه بذلك تتجاوز الحكومات الاستبداد الذي لا يحتمل أي معارضة وربما يثير العنف. ويضيف “كما أن تصوير الجهاديين على أنهم منحرفون وليسوا نتاج أصول الفقه التي تبرر العنف يعيق نقد تبرير الاستبداد كوسيلة ضرورية لمكافحة العنف وتعزيز الإسلام المعتدل”. ويضرب تحدي نهضة العلماء صميم معركة من أجل روح الإسلام تتضمن منافسة على القوة الناعمة والقيادة الدينية في العالم الإسلامي وكذلك من سيحدد ما يشكل الإسلام المعتدل.
ويضع التنافس الأيديولوجي مفهوم نهضة العلماء للإسلام الإنساني، الذي يدعو إلى الإصلاح الديني ويؤيد بشكل لا لبس فيه التعددية وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضد التعريف الاستبدادي للإسلام المعتدل الذي يرفض الإصلاح الديني والسياسي ولكنه يدعم شكلا احتفاليا للحوار بين الأديان وتخفيف القيود الاجتماعية التي طالما دعا إليها الإسلام الأرثوذكسي. وكان من بين الموقعين على الرسالة أنصار الأشكال الاستبدادية للإسلام المعتدل.
وكان من بينهم مفتي الديار المصرية شوقي علام، ومفتي مصر السابق علي جمعة الذي أباح دينيا قتل حوالي 800 متظاهر من جماعة الإخوان المسلمين على يد قوات الأمن في ميدان بالقاهرة في 2013، وعلماء في الأزهر. وكان من الموقعين أيضا عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإفتاء الشرعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأحد أعضائه، الداعية المسلم الأميركي الشهير حمزة يوسف.
قوة تحدي نهضة العلماء تجلت في حقيقة أن بعض أبرز المعارضين في العالم للإصلاحية الإندونيسية شعروا بالحاجة إلى أن يكونوا ممثلين في مؤتمر هذا الأسبوع بطريقة أو بأخرى
وتجلت قوة تحدي نهضة العلماء في حقيقة أن بعض أبرز المعارضين في العالم للإصلاحية الإندونيسية شعروا بالحاجة إلى أن يكونوا ممثلين في مؤتمر هذا الأسبوع بطريقة أو بأخرى، حتى لو انسحب البعض من المؤتمر بعد إعلان المشاركة فيه. واختار بن بيه وجمعة عدم الحضور. واعتمد علام تصريحات بالفيديو للتعبير عن معارضته لدعوة نهضة العلماء لاستبدال الخلافة بفكرة الدولة القومية وتأييد الأمم المتحدة.
واختار محمد العيسى رئيس رابطة العالم الإسلامي التي تعدّ وسيلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لنشر رؤيته للإسلام المعتدل، تجاهل اقتراح نهضة العلماء. وأدلى بتصريحاته بالفيديو بعد إلغاء حضوره.
وأصرت نهضة العلماء على أن المسلمين أصبحوا بحاجة إلى الاختيار بين الحفاظ على الالتزام بإقامة الخلافة أو إصلاح الفقه الإسلامي بحيث “يتبنى رؤية جديدة ويطور خطابا جديدا في ما يتعلق بالفقه الإسلامي، مما سيمنع التسليح السياسي للهوية، والحد من انتشار الكراهية الطائفية، وتعزيز التضامن والاحترام بين مختلف الشعوب والثقافات ودول العالم، ودعم ظهور نظام عالمي عادل ومتناغم”.
وأكدت نهضة العلماء في ورقتها غير المنشورة أن “على المسلمين أن يعترفوا بأن البناء الاجتماعي والسياسي القادر على تفعيل هذه الآراء المعيارية عبر العالم الإسلامي لم يعد موجودا”، وأن “نتيجة اختيار الاحتفاظ بالفقه الراسخ والأعراف المرتبطة بها سيكون واجبا دينيا تلقائيا يقع على عاتق المسلمين لإحياء الإمبراطورية”.
ومع إعلان ثلث سكان إندونيسيا البالغ عددهم 270 مليون نسمة أنهم من أنصار نهضة العلماء وأنهم يعترفون بسلطتها الدينية، فإن من المرجح أن تعلن الجماعة رسميا إصلاحها للفقه الإسلامي ذي الصلة. ويحتمل أن يلقى هذا دعما من العديد من العلماء غير الإندونيسيين وأئمة المساجد وغيرهم من الجمعيات المسلمة، بغض النظر عن معارضة تحركاتها.
وفي حين لن تكون الخطوة القانونية للجماعة ملزمة في العالم الإسلامي حيث أن السلطة القضائية لامركزية، فإنها تضع لبِنة حيث لن تكون السلطات القضائية الإسلامية الأخرى قادرة في النهاية على تجاهل محاولتها الاعتراف بها كرافعة لراية الإسلام المعتدل الحقيقي.