أي سبل لتعزيز تنفيذ وثيقة الأخوة الإنسانية

يتناول الدكتور جمال سند السويدي في كتابه “وثيقة الأخوة الإنسانية، نحو تعايش سلمي وعالم خال من الصراعات” بالتحليل الجهود المبذولة من قبل دولة الإمارات لتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي ويقترح رؤية شاملة لتعزيز تنفيذ وثيقة الأخوة الإنسانية.
أبوظبي - يؤكد الدكتور جمال سند السويدي في كتابه الصادر مؤخرا “وثيقة الأخوة الإنسانية، نحو تعايش سلمي وعالم خال من الصراعات” أن الإمارات طرحت رؤيتها للتعايش السلمي بين الأديان من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية كتصور يقترح طريقاً لتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب والبشر وتحقيق حلم الإنسان بأن يعيش في “عالم خالٍ من الصراعات”.
ويقدم جمال السويدي في كتابه المؤلف من ستة فصول رؤية شاملة لتعزيز تنفيذ وثيقة الأخوة الإنسانية، تتناسب مع كونها تعالج أموراً حساسة تصطدم بأفكار وسلوكيات قديمة وموروثة، بسبب أفكار الجماعات الدينية والسياسية المتطرفة، ويوضح أن تغيير هذه الأفكار ينطوي على العديد من التحديات، ويحتاج إلى فترة زمنية طويلة.
ووثيقة الأخوة الإنسانية هي بمثابة إعلان مشترك وقعه البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب سنة 2019 في أبوظبي.
ويؤكد الكتاب على ضرورة التأني في تنفيذ الإستراتيجية، عن طريق تقسيم الأهداف إلى عاجلة وقصيرة المدى وبعيدة المدى، ووضع الخطط والبرامج على هذا الأساس، سواء كانت دولية أو إقليمية، وذلك لتحقيق الهدف بعيد المدى على النحو الذي تضمنته الوثيقة، والمتمثل في تجذير ثقافة وقيم الأخوة الإنسانية في الوعي الجمعي لشعوب العالم.
ويكشف السويدي أن نص وثيقة الأخوة الإنسانية يتضمن معاني ومبادئ سامية تعكس جوهر الديانات والرسالات السماوية وتركز على الأهداف السامية التي جاءت من أجلها، وهي نشر السلام والتعايش بين البشر، بدلاً من التصورات الجامدة والمتشددة والمتطرفة التي بدلت جوهر الديانات ورسالتها، وحولتها من رسالة لتحقيق السلام بين البشر وإرساء التعايش والتعاون والإخاء فيما بينهم إلى ركيزة لدعاوى التعصب والكراهية والتنابذ والصراع والحروب.
ويسلط الكتاب الضوء على المبادئ الأساسية التي تضمنها نص وثيقة الأخوة الإنسانية بشكل مُدمج ومكثف، ويعمل على إظهار البعد العملي والتطبيقي لهذه المبادئ. ويشرح كيف يمكن أن تصبح الوثيقة إحدى الركائز المهمة في الحوار العالمي من أجل التعايش والسلام.
ويتناول المؤلف التجارب والتحديات التي تواجه فرص التعايش والحوار بين الأديان، إذ يؤكد أن التعايش السلمي يعد أحد أهم الملامح السياسية والاجتماعية والإنسانية التي تؤشّر على تقدم أي مجتمع من المجتمعات واستقراره، خاصة المجتمعات التي تتشكل من تجمعات عرقية ودينية متنوعة، كما يؤكد على ضرورة سعي الدول والمجتمعات المختلفة إلى تنظيم شأنها داخلياً وخارجياً، من أجل الوصول إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتوجيه جهودها وقدراتها نحو التنمية الاقتصادية وتطور العمران وبناء الدول والمجتمعات الحديثة.
ويحذر الكتاب من ظاهرة الغلو والتطرف الناتجة عن الفهم الخاطئ للدين، لأنها ترسي التوترات والصراعات بين أبناء الوطن والمجتمع الواحد، الأمر الذي يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي للدول والشعوب؛ إذ ينعكس هذا الغلو على العلاقات البينية بين أبناء الوطن بدياناتهم المختلفة، ناهيك عن علاقاتهم بالمجتمعات العالمية المختلفة عنهم من حيث العقيدة والمذاهب الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، كذلك يتصدى الكتاب لمسلمات الغلو ويعزز مفاهيم تقبل الآخر ويبرز الفوائد المجتمعية لقيم التعايش السلمي.
ويؤكد الكتاب على أن “توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية وإقرار الأمم المتحدة لها كيوم عالمي لم يأت من فراغ، لكنه جاء كثمرة مستحقة لدور إماراتي مخلص ومصحوب بنبل القصد وحسن النية في المجال الإنساني، على مدار فترة طويلة من الزمن، امتدت من 1971 إلى 2021، ومُقرر لهذا الدور، بتوجيهات رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وبالتعاون مع حكام الإمارات، الاستدامة طويلة الأمد لحين تنفيذ بنود الوثيقة وتحقيق كل أهدافها”.
ويشرح الكتاب كيف أن هذا الدور كان مدروساً بعناية وله بُعد إستراتيجي عالمي منذ البداية، بدليل أن وسائله وفعالياته الرامية إلى تحقيق أهدافه قد تنوعت بين الذكاء الدبلوماسي والحضور الدولي الفعَّال، واستغلال مقومات القوة الناعمة للدولة، والمساعدات الإنسانية والاقتصادية والمبادرات الأخلاقية، وكان له مردود إيجابي ومؤثر في الضمير الجمعي للأمم والشعوب، إلى درجة جعلت معظم الدول والمنظمات والهيئات الدولية تنظر، عن قناعة، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بعين التقدير والاحترام، وتشهد، عن طيب خاطر، بأنها صانعة للسلام ورائدة للأخوة الإنسانية في العالم.
ويستعرض الكتاب بيت العائلة الإبراهيمية حال استكمال إنشائه، كمبادرة غير مسبوقة، ويوضح دوره المحوري المخطط له، لدعم التسامح الديني والتآخي الإنساني والتعايش السلمي وتجذير قيمة قبول الآخر في قلوب الناس من كل الأديان، ويؤكد أن بيت العائلة الإبراهيمية يمثل قوة دفع كبيرة لتنفيذ بنود وثيقة الأخوة الإنسانية ودعم مسيرة انتقالها من النظرية إلى التطبيق، إذ يعد بيت العائلة الإبراهيمية إحدى الآليات المهمة لتنفيذ بنود وثيقة الأخوة الإنسانية.
ويقدم الكتاب صورة حقيقية لبيت العائلة الإبراهيمية، إذ يؤكد أنه يضم كنيسة ومسجداً وكنيساً (ديراً) يهودياً، تحت سقف صرح واحد، ورُوعي في تصميمه أن يكون معاصراً وأن يشارك فيه معماريون معروفون في العالم وينتمون إلى أديان مختلفة. وتم اختيار تصميم المعماري العالمي الشهير، السير ديفيد اجايي أوبي، في 19 سبتمبر 2019 لإنشاء بيت يكون مكاناً مناسباً لتعزيز ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات الثلاث، وتعزيز قيمة قبول الآخر، على مستويات العقيدة والجنس والثقافة، إذ يضم البيت أماكن عبادة منفصلة لكل ديانة، ومكاناً مشتركاً للتعاون، تُقام فيه تجمعات غير رسمية.
ويشير الكتاب إلى أن مبادرة إنشاء بيت العائلة الإبراهيمية قد طالتها افتراءات كاذبة، أغربها الزعم بأنه دعوة إلى دين جديد يدمج الأديان السماوية الثلاثة في دين جديد أطلقوا عليه اسم “الدين الإبراهيمي”، ويصف هذا الكلام بأنه افتراء زائف كاذب لا يمت للحقيقة بأي صلة، بدليل أن البيت يضم كنيسة قائمة بذاتها ومسجداً قائماً بذاته، وكنيساً قائماً بذاته، بحيث يكون لكل فرد الحرية في ممارسة عبادته وطقوسه الدينية، مما يؤكد أن بيت العائلة الإبراهيمية يدعو إلى تعايش الأديان وليس انصهارها ويكرس لحرية الاعتقاد لا دمج المعتقدات.