قرار قضائي بمنع التحويلات المالية للإقليم يستفز أكراد العراق

قرارات المحكمة الاتحادية تثير غضب القيادات الكردية التي ترى أن تلك القرارات مسيسة، وتحمل استهدافا للإقليم.
الجمعة 2023/01/27
بارزاني يتهم المحكمة الاتحادية بتنفيذ أجندة مشبوهة

أربيل - أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا في بغداد إلغاء التحويلات المالية إلى إقليم كردستان جدلا واسعا في الإقليم الذي يحظى بحكم ذاتي في شمال العراق، وسط مطالبات بانسحاب القوى الكردية من العملية السياسية وتقديم الاستقالة من حكومة محمد شياع السوداني.

وقضت المحكمة الاتحادية، وهي أعلى هيئة قضائية في العراق، الأربعاء، بعدم دستورية إرسال مجلس الوزراء الاتحادي مبالغ مالية لتمويل المرتبات الشهرية للموظفين والعاملين في القطاع العام في إقليم كردستان.

واعتبر الخبير القانوني أمير الدعمي في تصريحات صحافية أن “قرار المحكمة الاتحادية الأخير استند على قرار 59 بخصوص الأموال التي تُجبى من تصدير نفط إقليم كردستان دون الرجوع إلى الخزينة المركزية”، مشيرا إلى أن “هذا القرار اشترط على أن تكون هذه الأموال ترجع إلى خزينة الدولة بالحكومة الاتحادية مقابل إرسال الأموال من الحكومة الاتحادية إلى كردستان”.

محمد الحاج محمود: على القوى الكردية الانسحاب من السلطة المركزية
محمد الحاج محمود: على القوى الكردية الانسحاب من السلطة المركزية

وسبق وأن أصدرت المحكمة الاتحادية في فبراير الماضي قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلا عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.

وتثير قرارات المحكمة الاتحادية غضب القيادات الكردية التي ترى أن تلك القرارات مسيسة، وتحمل استهدافا للإقليم. وردا على القرار الأخير الصدر بالمحكمة، وجه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني رسالة إلى الرأي العام اتهم فيها المحكمة الاتحادية بتنفيذ أجندات مشبوهة.

ودعا بارزاني الحكومة الاتحادية والأطراف المكونة لائتلاف إدارة الدولة إلى بيان مواقفهم حيال ما وصفه بانتهاكات المحكمة ضد مصالح العراق وإقليم كردستان، وذلك بعدما ألغت المحكمة كل قرارات مجلس الوزراء بتحويل الأموال إلى الإقليم.

وأشار في رسالته إلى أن المشاركة في ائتلاف إدارة الدولة وتشكيل الحكومة الجديدة كانت قائمة على برنامج واضح ومفصل متفق عليه بين جميع الأطراف، مشددا على أن استحقاقات الإقليم هي حق مشروع لشعب كردستان، وجزء من البرنامج الذي تم الاتفاق عليه.

ولفت زعيم الحزب الديمقراطي إلى أنه كلما سنحت الفرصة نحو جو إيجابي بين إقليم كردستان وبغداد، وظهرت فرصة لحلحلة المشاكل، عملت المحكمة الاتحادية على الفور على إجهاض تلك الفرصة بقرار عدائي، مما أدى إلى تعقيد المشاكل.

واعتبر آوات الشيخ جناب، وزير المالية في حكومة إقليم كردستان، في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية أن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني لم يكن لديه أي علم مسبق بخصوص قرارات المحكمة الاتحادية التي وصفها بقرارات مجحفة.

وأكد جناب أن مثل تلك القرارات هي بمثابة قنبلة موقوتة في العلاقات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، حيث أجرى الطرفان مفاوضات وحوارات لمعالجة القضايا والمشكلات العالقة. ويهدد قرار المحكمة الاتحادية بعجز حكومة الإقليم عن صرف رواتب الآلاف من الموظفين، والمتقاعدين كاملة ومن دون استقطاعات.

ووفق وزارة المالية والاقتصاد في إقليم كردستان، فإن الرواتب الشهرية الإجمالية لموظفي إقليم كردستان تتطلب نحو 616 مليون دولار، ويتم توفيرها بشكل عام على النحو الآتي: الإيرادات النفطية 350 مليون دولار، والإيرادات الداخلية 128 مليون دولار، والأموال التي ترسلها الحكومة الاتحادية (200 مليار دينار) 138 مليون دولار.

ودعا رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني محمد الحاج محمود القوى الكردية إلى الانسحاب من السلطة المركزية، مشيرا إلى أن “المحكمة المسماة اتحادية ليست اتحادية، وهي غير دستورية وقراراتها لن تنفذ في إقليم كردستان”.

وحث الحاج محمود في تصريحات لـ”العرب” الأطراف الكردستانية على “عدم تسليم أمتهم والكيان السياسي للإقليم تحت رحمة المحكمة الاتحادية التي أصدرت عددا من القرارات الجائرة ضدهم”، حسب وصفه.

قرار المحكمة الاتحادية من شأنه أن يخلط أوراق المفاوضات الجارية بين أربيل وبغداد، ويشكل ضغطا إضافيا على حكومة الإقليم التي تخوض هذه المفاوضات وهي منقسمة على ذاتها

وتابع رئيس الحزب الاشتراكي أن على الكتل والأحزاب الكردستانية الانسحاب من السلطة المركزية وقطع العلاقات معها، مشيرا إلى أن العراق يحتاج إلى محكمة دستورية، لافتا إلى أن المحكمة الحالية تأسست بموجب قانون إدارة الدولة المؤقت ولا تتمتع بالشرعية.

في المقابل، انتقد محمود رضا، النائب السابق عن كتلة التغيير في مجلس النواب العراقي، في تصريحات صحافية، ردود الأفعال للأحزاب الكردية إزاء قرارات المحكمة الاتحادية بالقول “إن اتهام المحكمة الاتحادية وتسميتها بمحكمة الثورة إهانة كبيرة للسلطات القضائية”، مشددا على أن المحكمة الاتحادية لها مكانة كبيرة ومقدسة لدى العراقيين، وأن المواطنين في إقليم كردستان لن يستفيدوا من مثل هذه الخطابات المتشنجة.

وقالت عالية نصيف، النائب عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي، في بيان صحافي، “نستغرب من ازدواجية حكومة الإقليم في التعامل مع المحكمة الاتحادية التي قبل أيام أصدرت قرارات أنصفت متقاعدي الإقليم، فهل عندما أنصفتهم كانت عادلة واليوم تصبح محكمة الثورة بحسب وصفهم؟ وهل عندما تصدر قرارات لمصلحة الشعب العراقي بكل مكوناته تصبح محكمة الثورة؟”.

ولفتت إلى أن “الأكراد كان لهم القرار الأكبر في كتابة الدستور العراقي، ونصت المادتان 14 و16 منه على أن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، وبالتالي فإن المحكمة الاتحادية من خلال قرارها هذا طبقت الدستور بحذافيره وحققت العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى مساهمتها غير المباشرة في إجبار حكومة الإقليم على اعتماد مبدأ الشفافية في ما يخص المال العام مستقبلا”، مشيرة إلى أن “من المعيب إطلاق مثل هكذا أوصاف عليها لأن فيها قضاة يشهد لهم كل رجال القانون بمهنيتهم وعصاميتهم”.

ويرى مراقبون أن قرار المحكمة الاتحادية من شأنه أن يخلط أوراق المفاوضات الجارية بين أربيل وبغداد، ويشكل ضغطا إضافيا على حكومة الإقليم التي تخوض هذه المفاوضات وهي منقسمة على ذاتها، في ظل مقاطعة وزراء الاتحاد الوطني الكردستاني لأعمالها.

3