معرض سوري يستعيد الأعمال القديمة والمعاصرة لعبدالكريم فرج

دمشق- تلخص أربعون لوحة متنوعة الاختصاصات والأحجام تجربة الفنان التشكيلي الراحل عبدالكريم فرج من خلال المعرض الاستعادي لأعماله، والذي يستضيفه المركز الثقافي العربي في أبورمانة بدمشق، حتى آخر الأسبوع الجاري.
ويجمع المعرض العديد من الأعمال والتجارب الخاصة للفنان السوري الراحل، والتي تنوعت ما بين الغرافيك والطباعة على الحجر والمعدن والخشب وفن الكولاج الحديث، مزينة أروقة المركز بالألوان الأبيض والأسود والبني وبالحبر المتناثر على الورق، والزخارف المحفورة على الخشب والنحاس.
كما تجسد لوحات أخرى الطبيعة الريفية بمكنوناتها وعناصرها على لوحات الكولاج الملون، لتختصر مسيرة فنية مشبعة بالدراسات الأكاديمية وتجارب أغنت الحياة التشكيلية السورية.
◙ أعمال الفنان حملت على الدوام طموحات انسانية بالسلام وخلق الجمال في الأرض بأسلوب عفوي وفطري لصياغة اللون والتقنية في خدمة الفكرة
خلاصة تلك التجارب قدمت في المعرض كتحية محبة لروح الفنان التشكيلي الراحل عبدالكريم فرج بمناسبة ذكرى رحيله الأولى، هذا ما أوضحته مديرة المركز الثقافي العربي الفنانة التشكيلية رباب أحمد، مشيرة إلى أن المعرض يهدف إلى تعريف الجمهور وخاصة الجيل الجديد بذلك الإرث الثقافي الغني، والذي تفرّد في مزج الخامات التشكيلية على سطح اللوحة الواحدة.
وأكد أمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين غسان غانم أن المعرض يمثل رؤية داعمة لفن الحفر على الخشب والمعادن والورق، وفن الكولاج الذي تميزت به لوحات الفنان الراحل، والتي تشكل كنزاً فنياً يثري الحركة التشكيلية ويعرّف الجيل الشاب بأساليب مبتكرة للمزج بين اختصاصات متنوعة من فنون الحفر والغرافيك، ويقدمها لأوسع شريحة مجتمعية ممكنة لتنغرس في الذاكرة التشكيلية السورية.
أما الفنان التشكيلي محمد غنوم فرأى أن الفنان الراحل خسارة لا تعوض في الحركة التشكيلية السورية، وأن منجزه الثقافي مؤثر لما قدّمه من أعمال متعددة، إضافة إلى أنه أستاذ مخضرم في كلية الفنون الجميلة وأغنى المكتبة العلمية للفن التشكيلي السوري بأبحاثه ودراساته، ناهيك عن كونه كاتباً له كتب وترجمات وأبحاث ونقد ودراسات نشرت في عدد من الصحف والمجلات، وله تجربة فريدة في مجال التصوير.
وأوضح الفنان التشكيلي نشأت الزعبي أن تجربة الدكتور فرج بدأت من بيئته الريفية في السّويداء، التي كان يعشقها حتى صنع من روحها لوحات طباعية مليئة بالحوار اللّوني ما بين الأبيض والأسود، والتي شحنت بوسائل استخلصها بحدسه من قريته ومكوّناتها البازلتية الصمّاء، حيث فجّر ضمن الأسود ألواناً زاهية، ترجم فيها شهيته اللونية باستخدامه قطع القماش الملوّن في لوحات الكولاج، كما عبّر عن مكنونات نفسه بطريقة معاصرة مزجت ما بين ارتباطه بأرضه ومواكبته للحداثة، وهو ما أعطاها الغنى والتنوع.
وما بين القديم والمعاصر تتباين الألوان في لوحات الفنان، حيث طغى الأبيض والأسود والبني في السبعينات والثمانينات، وتراقصت الألوان في أعماله المعاصرة وتحديدا ما بعد عام 2004 عبر مشروعه بفن الكولاج.
يذكر أن الفنان التشكيلي عبدالكريم فرج (1943 – 2021) من مواليد السويداء، خرّيج كلية الفنون الجميلة قسم الحفر من جامعة دمشق نال درجة الدكتوراه في التخصص ذاته من بولندا.
شغل الراحل العديد من المناصب العلمية منها عميد كليتي الفنون الجميلة بدمشق والسويداء كما حصل على عدة جوائز محلية وعالمية منها وسام الاستحقاق بمرتبة فارس من بولندا إلى جانب مشاركاته في فعاليات فنية محلية وعالمية.
أعماله مقتناة من المتحف الوطني بدمشق، المركز القومي للفنون التشكيلية في القاهرة، متحف شمالييه فرنسا، الأميرة وجدان علي الأردن، صالة لانشستر، جامعة كوفنتري بريطانيا، المركز الثقافي البريطاني دمشق، سفارة بولونيا في دمشق، وزارة الثقافة سوريا، حائز على وسام الاستحقاق البولوني برتبة فارس عام 2004.
عيّن رئيساً لقسم الحفر والطباعة 2004 ثم عميداً لكلية الفنون الجميلة بدمشق 2005. ثم عميداً ومؤسساً لكلية الفنون الجميلة السويداء 2009.
◙ المعرض يمثل رؤية داعمة لفن الحفر على الخشب والمعادن والورق، وفن الكولاج الذي تميزت به لوحات الفنان الراحل
للراحل فرج كتب تدرس في كلية الفنون منها “تقنيات في الحفر والطباعة اليدوية” و”فن الحفر والطباعة في أوروبا في القرن العشرين” و”نزوات غويا” وغيرها.
حملت أعمال الفنان على الدوام طموحات انسانية بالسلام وخلق الجمال في الأرض بأسلوب عفوي وفطري لصياغة اللون والتقنية في خدمة الفكرة وتقديم مشهد فني جديد بعيدا عن الحيادية وأكثر التصاقاً بهموم الوطن والإنسان.
وكان للفنان التشكيلي رؤيته الفنية الخاصة فيما يتعلق بتأثير الحرب على سوريا وتحديدا على الحراك التشكيلي السوري حيث رأى أن تحديد هذا التأثير بشكل علمي يحتاج إلى فترات طويلة من الدراسة والتأمل لأن الفنان التشكيلي السوري لم يتوقف عن الإبداع رغم الحرب ولكن ظهرت حالات قلق في الرؤية التشكيلية عند الاتجاهات الفنية وخاصة لدى جيل الشباب.
كما كانت للفنان تجربة طويلة قطعها في ميدان تدريس الفن في كلية الفنون الجميلة في دمشق، وكانت بدورها واحدة من الأسباب الجوهرية وراء تبلور أفكاره النقدية ونضجها، وبرزت في العديد من مؤلفاته ومن بينها كتابه المعنون بـ“تحولات فن التشكيل في أوروبا نحو الحداثة” والذي عبّر فيه عن امتنانه للناقد الإنجليزي هربرت ريد، ووضع فيه أمام القارئ مفاهيمه النقدية للعمل التشكيلي ورؤيته الفلسفية التي يؤكد فيها على حقيقة الوعي الإنساني الفطري وأهمية فهم الطبيعة المخلوقة في النظام الكوني.