شركات الجيش في مصر تحت مراقبة صندوق النقد والمستثمرين

حلفاء السيسي يتجنبون الانجراف إلى ضخ الأموال في الاقتصاد المصري الهش.
الأربعاء 2023/01/25
الضغوط جاءت هذه المرة من السعودية

يزداد قلق المقرضين الذين يمولون نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولاسيما دول الخليج، حيث أن مشاكل العملة المصرية والديون المتزايدة تشيران إلى أن الانهيار الاقتصادي يلوح في الأفق، كما أن المؤسسة العسكرية تبدو منقسمة ويعارض جزء مهم منها الإصلاحات التي يتبناها النظام وقد تقف عائقا أمام تحقيقها.

القاهرة - يتعرض النظام المصري لضغوط غير مسبوقة لإصلاح ما يعرف برأسمالية الدولة العسكرية حيث يسيطر الجيش على عدد من القطاعات، وهو الأمر الذي يقلق الجهات الدولية المانحة بما في ذلك دول حليفة للنظام.

وصرح وزير المالية السعودي محمد بن عبدالله الجدعان في الثامن عشر من يناير ضمن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن المملكة لن تقدم لحلفائها مساعدات "بلا قيود".

ويأتي تصريح وزير المالية إثر تقرير مفصل صادر عن صندوق النقد الدولي بشأن شروط القرض البالغ 3 مليارات دولار الذي تمت الموافقة عليه في ديسمبر.

وفصّل صندوق النقد الدولي في تقريره شروط القرض التي تشير لأول مرة صراحة إلى الحاجة في مصر إلى تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص، وإدراج الشركات المملوكة للجيش علنا بموجب تعريف القطاع العام.

ماجد مندور: الفترة المقبلة ستكون مضطربة بالنسبة إلى النظام والمصريين
ماجد مندور: الفترة المقبلة ستكون مضطربة بالنسبة إلى النظام والمصريين

كما أشار إلى ضرورة تحسين الحوكمة والشفافية من خلال نشر البيانات المالية نصف السنوية للشركات المملوكة للدولة، والأهم من ذلك، إزالة جميع الإعفاءات الضريبية للمؤسسات الحكومية، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش.

ورغم أن الضغوط جاءت هذه المرة من السعودية التي تعد واحدة من أهم الدول الحليفة التي دعمت النظام العسكري على مدى عقود، إلا أن مراقبين يقللون من جدوى تلك الضغوط أمام قوة المؤسسة العسكرية ونفوذها.

ويقول ماجد مندور في مقال له في مؤسسة عرب دايجست الاستشارية "تبدو الخيارات المتاحة أمام حلفاء السيسي لممارسة الضغط محدودة. فالنخب العسكرية راسخة للغاية وتعتقد أنه بإمكانها الصمود في وجه العاصفة، في الوقت الحالي على الأقل".

وتابع "في الواقع، من الأفضل تصنيف ردود فعل النظام المصري على الأزمة بأنها معرقلة ومراوغة. فعلى سبيل المثال، على الرغم من تعهد الرئيس السيسي بتعويم الشركات المملوكة للجيش في مناسبات متعددة في الماضي، فإن هذا لم يحدث بعد".

وكان أول تصريح أدلى به السيسي في هذا الخصوص في عام 2018، وبات يُنظر على نطاق واسع إلى المقاومة العسكرية لعمليات البيع على أنها السبب الرئيسي لتباطؤ تفعيل التعهدات.

ويُظهر الجنرالات براعة في التهرب من جهود السيسي الباهتة، كما يتضح من حالة الوطنية، وهي سلسلة من محطات الوقود التي يملكها الجيش. وكانت هذه السلسلة محل اهتمام المستثمرين الخليجيين.

ومع ذلك يبدو أن السلسلة تعرضت لعملية تجريد من الأصول من أجل تثبيط البيع، حيث نُقلت معظم أصولها ومواقعها الرئيسية إلى سلسلة محطات بنزين أخرى، تشيل أوت، المملوكة للجيش أيضا. وهذا ما سيجعل الوطنية بدورها أقل إثارة لاهتمام المستثمرين الخليجيين.

ومن المتوقع أن تستمر مثل هذه المقاومة من النخبة العسكرية مع عرقلة الجنرالات لمحاولات الإصلاح، بغض النظر عن أي مزاعم أطلقها النظام لكبح جماحها. وتشير تصريحات السيسي الأخيرة في الواقع إلى عكس ذلك تماما.

فعلى سبيل المثال، صرح السيسي في السادس والعشرين من ديسمبر أن سياسته الخاصة بمشاريع البنية التحتية الضخمة ستستمر حتى مع استمرار الضغط على الجنيه واستهلاك احتياطيات البلاد من العملة الصعبة.

ويقول مندور إنه من الضروري أن نتذكر أن سياسة النظام للمشاريع الضخمة التي تغذيها الديون هي عنصر حاسم في عسكرة الاقتصاد. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذا الاتجاه سيتغير في المستقبل، على الرغم من قلق المستثمرين والمقرضين الدوليين.

الوطنية أول الشركات المعرضة للخصخصة
الوطنية أول الشركات المعرضة للخصخصة

وتعتمد قدرة النخب العسكرية على المقاومة على ركيزتين أساسيتين. أولا، هيمنتهم الكاملة على النظام السياسي مع تراكم غير مسبوق للسلطة. فحتى لو كان السيسي يرغب في الحد من نفوذ الجيش، فلا يوجد حزب حاكم أو معارضة يمكنه استخدامهما لموازنة النفوذ السياسي للجنرالات. وفي الواقع، نجح تفريغ جميع مراكز القوة المدنية المتنافسة تماما، مما أدى إلى تمكين الجيش وجعل النظام الذي بناه السيسي شديد المقاومة للإصلاح.

ثانيا، قد تؤدي قدرة النظام على ابتزاز حلفائه بالخوف من اضطرابات اجتماعية جماعية إلى تداعيات إقليمية عبر الخليج وجنوب البحر المتوسط. ويمكن أن يتراوح هذا من مزاعم عن تأثيرات الدومينو في الخليج، إلى أزمة المهاجرين في أوروبا أو صعود الجماعات المتطرفة نتيجة لعقد من القمع.

◙ من المتوقع أن تستمر مقاومة النخبة العسكرية مع عرقلة الجنرالات لمحاولات الإصلاح، بغض النظر عن مزاعم النظام

ربما لا يزال من السابق لأوانه معرفة ذلك، لكن يبدو أن ردود حلفاء السيسي كانت تسعى لتجنب المزيد من الانجراف إلى ضخ الأموال في الثقب الأسود الذي يمثل النموذج الاقتصادي للسيسي مع توفير الدعم الكافي في الوقت نفسه لمنع حدوث الانهيار بالجملة الذي سيكون كارثيا لمحافظهم الاستثمارية الضخمة.

وعلى سبيل المثال، انخفضت قيمة الجنيه في الحادي عشر من يناير إلى أدنى مستوى تاريخي لها عند 32 جنيها مصريا مقابل الدولار، من 27.6 جنيه مصري لكل دولار في بداية اليوم. ولم ينجح إيقاف المزيد من التخفيضات لقيمة العملة إلا من خلال ضخ 250 مليون دولار من مؤسسات الاستثمار الخليجية في أدوات الدين المصري قصيرة الأجل.

وشجع تخفيض قيمة العملة، بالإضافة إلى عرض أسعار الفائدة المرتفعة، على بيع 2.94 مليار دولار من أذون الخزانة، بمعدل عائد أعلى من 20 في المئة، وهو ما اعتبرته بلومبيرغ "عائدا قياسيا مقارنة بأقرانها".

وأشارت عملية البيع إلى عودة "الأموال الساخنة"، أي الاستثمار قصير الأجل في الديون السيادية، الذي كان أحد المحفزات الأصلية للأزمة. كما تعهدت دول الخليج باستثمارات بقيمة 6.7 مليار دولار على مدى السنوات المالية الثلاث المقبلة، بالإضافة إلى تجديد ودائعها البالغة 28 مليار دولار في البنك المركزي المصري حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولي من أجل دعم احتياطيات النظام من العملة. وجاءت 13 مليار دولار من الودائع الخليجية في 2022 وحده.

ويرجح المحلل المصري أن تكون الفترة المقبلة مضطربة بالنسبة للنظام وللملايين من المصريين الذين يعانون من المصاعب الاقتصادية. وستكون تكلفة الأزمة مدمرة لما يقدر بنحو 30 في المئة من المصريين تحت خط الفقر، والذين من المتوقع أن تتضخم صفوفهم بالملايين.

وقد يكون هذا نقطة تحول بالنسبة للسيسي. ومع ذلك، يبقى الاتجاه الذي ستتخذه الأمور غامضا في الوقت الحالي. ومن الواضح أن وقت الدعم السخي قد ولى الآن. ويجد حلفاء السيسي أنفسهم محاصرين في شراكة مربكة ومكلفة مع نظام أصبح يشكل عبئا متزايدا.

اقرأ أيضا: 

دروس من مظاهرات المحامين في مصر ضد الحكومة والقضاء

7