رهان على دور أميركي أكبر لحل أزمة لبنان

واشنطن/ بيروت - بعث السيناتور الأميركي بوب مينينديز (الديمقراطي عن ولاية نيو جيرسي) رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والسيناتور جيك ريش (الجمهوري عن نفس الولاية) العضو البارز في اللجنة برسالة واضحة إلى قادة لبنان مؤخرا تقول: حققوا تقدما وإلا سوف تواجهون عقوبات.
ويقول إدوارد م. غابرييل رئيس فريق العمل الأميركي من أجل لبنان الذي شكله أميركيون من أصل لبناني، إنه بعد زيارات متعددة إلى البلاد العام الماضي، بما في ذلك زيارة ضمت أعضاء من الكونغرس، اتضح أن الولايات المتحدة ما يزال لها دور قيادي حيوي يتعين أن تقوم به، ليس فقط في مساعدة لبنان على التعافي من هذه الأزمة التاريخية، بل أيضا في إعادة بناء أساسه ليصبح دولة بها قيادة سياسية ومالية تتسم بالشفافية وتتجه إلى الإصلاح.
ويضيف غابرييل سفير الولايات المتحدة السابق في المغرب، أن هناك إجماعا ساحقا في أجهزة صنع السياسات انعكس في رسالة عضوي مجلس الشيوخ مينينديز وريش وموجز على أن هناك حاجة إلى إطار دولي جديد لتحفيز حكم أفضل في لبنان. وهناك حاجة إلى أن تقود الولايات المتحدة مثل هذا الجهد الآن لأن لبنان على وشك الفشل.
ويوضح غابرييل أن الأولوية بالنسبة إلى القادة المنتخبين في لبنان والأحزاب السياسية هي انتخاب رئيس يهدف إلى الإصلاح وغير فاسد وملتزم بتلبية احتياجات الشعب. ويجب أن يستتبع ذلك سرعة تشكيل حكومة فعالة.
وجدير بالذكر أن لبنان بدون رئيس منذ نوفمبر الماضي. ويتعين على الولايات المتحدة استخدام كل الوسائل المتاحة لها، كما تدعو رسالة مجلس الشيوخ، للضغط على قادة لبنان لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة يمكن أن تبدأ الإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد بشدة. وليس هناك وقت لإضاعته.
وأكد غابرييل أن معاناة الشعب اللبناني هي نتيجة مأساوية لفساد النخبة المالية والسياسية في لبنان، التي تربّحت من عملية احتيال أدت إلى تدهور عملة البلاد وأسفرت عن أزمة في القطاع المصرفي. ومن ناحية أخرى، تأخر القادة المنتخبون في لبنان في تنفيذ الإصلاحات التي تم تحديدها وفق اتفاق صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء، والتي تعتبر ضرورية لإتاحة دعم الصندوق لإعادة تأهيل اقتصاد البلاد.
وأوضحت الولايات المتحدة أن حزمة صندوق النقد الدولي أساسية للتعافي الاقتصادي والاجتماعي في لبنان وللدعم المستقبلي من جانب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على السواء. ونتيجة لهذه الأزمة، يعيش 80 في المئة من الشعب اللبناني واللاجئين تحت مستوى الفقر.
وتعرضت قطاعات التعليم والرعاية الصحية للإهمال على كل المستويات. ومع انجراف لبنان إلى وضع الدولة الفاشلة، هناك فرصة قوية لجر الولايات المتحدة أكثر نحو مهمة صعبة مطولة ومتزايدة لحماية مصالحها في المنطقة ومواجهة التغول المتزايد من جانب روسيا وإيران.
ويعتبر الإصلاح في مجال الكهرباء مجالا يمكن أن تظهر فيه الولايات المتحدة القيادة التي تؤثر على الملايين من اللبنانيين. فالشعب اللبناني يحظى الآن بنحو ساعة إلى ساعتين فقط من الكهرباء تقريبا يوميا بسبب الفساد وعدم كفاءة قطاع الكهرباء. وبدون هذا المصدر الحيوي للطاقة، سيكون من المستحيل تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وسوف تتدهور حياة اللبنانيين.
وأشار غابرييل إلى أن دعم القوات المسلحة اللبنانية لا يزال من أقوى ركائز الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وفي ضوء تدهور رواتب الجنود بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد، يعتبر الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لعائلات جنود القوات المسلحة اللبنانية والأمن الداخلي أمرا حيويا، جنبا إلى جنب مع تشجيع حلفائها على مواصلة دعمهم.
وأكد غابرييل أن الدعم المستمر للقوات المسلحة اللبنانية أمر أساسي لكي يسيطر لبنان على أمنه ويحمي سلامة أراضيه ضد أعدائه وأعداء الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة أظهرت مؤخرا دورها القيادي الذي لا غنى عنه في تسهيل اتفاق الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وبذلك تم تجنب خطر اندلاع حرب أخرى. وسوف يتعين عليها إظهار نفس الإصرار في قيادة المجتمع الدولي خاصة شركاءها في أوروبا والخليج للضغط على القادة المنتخبين في لبنان لانتخاب رئيس يتمتع بطهارة اليد، وقادر على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة التي تلبي احتياجات لبنان.
معاناة الشعب اللبناني هي نتيجة مأساوية لفساد النخبة المالية والسياسية في لبنان، التي تربّحت من عملية احتيال أدت إلى تدهور عملة البلاد
وإذا ما استطاعت الولايات المتحدة إعطاء الأولوية للاهتمام بلبنان الآن، يمكنها منع المزيد من التدهور الذي لن يؤدي سوى إلى ثمن باهظ للغاية سيتعين سداده لاحقا.
والفراغ السياسي القائم في لبنان حاليا يبدو مختلفا عن سابقه، في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعاني منها البلاد، وأدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وكذلك في ظل وجود حكومة تصريف أعمال تبدو عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية في ملفات ملحة أهمها القيام بإصلاحات يضعها المجتمع الدولي شرطا لدعم لبنان.
ويعتبر مراقبون أن الفراغ الرئاسي والحكومي في لبنان يؤدي إلى استمرار التأزم الاقتصادي والاجتماعي، ويرون أنه يتسبب بشكل أساسي في تأجيل كل الحلول المطروحة لمعالجة الأزمة الاقتصادية إلى حين انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يؤدي من وجهة نظرهم إلى استمرار معاناة اللبنانيين من أزمات متصاعدة، من سعر الصرف إلى أسعار المحروقات والمواد الغذائية، وشح الأدوية وغير ذلك من أزمات.
ووسط كل ذلك الجدل يرى جانب من اللبنانيين أن انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة لا يمثلان تهديدا للبنان، وأن التحدي الحقيقي يتعلق بإصلاح جدي في مجال التشريعات وتطبيقها.
ويعتبر هؤلاء أن القوانين التي تطالب بالإصلاح كثيرة في لبنان لكنها لا تفعّل، وأن تجربة الرئيس السابق ميشال عون في هذا المجال تمثل أكبر دليل، إذ أدت المواجهة الشرسة التي قادها الرجل مع المنظومة الحاكمة فعليا في البلاد إلى نتائج مأساوية.