حماس تريد نقل المواجهة مع إسرائيل إلى الضفة بدلا من غزة

مع اشتداد الأزمة الاقتصادية القاسية في قطاع غزة يتخذ انخراط حماس في مواجهة التهديدات الإسرائيلية مسارا حذرا، يعكس رغبتها في الحفاظ على الهدنة مع تل أبيب. وينصب اهتمام حماس راهنا على إعادة إعمار القطاع المدمر وتجنب الاحتكاك المباشر مع إسرائيل.
غزة – تسعى حركة حماس إلى نقل المواجهة مع إسرائيل إلى الضفة الغربية بدلا عن غزة حفاظا على الهدنة السارية في القطاع مع تل أبيب والتي توسطت فيها مصر. ويعكس هذا التكتيك درجة من الحذر من جانب حماس التي ما زالت تعيد بناء الجيب الساحلي بعد حرب 2021، ويبدو أنها غير مستعدة لمواصلة المواجهة من غزة مع إدارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وتقيم حركة حماس التي تهيمن على قطاع غزة علاقات مع جماعات النشطاء في الضفة الغربية بغرض كسب التأييد من خارج القطاع، بدعمها للفلسطينيين المنخرطين في اضطرابات شبه يومية، تعهدت الحكومة الإسرائيلية المتشددة الجديدة بسحقها.
وأثارت عودة نتنياهو في ائتلاف مع مجموعة من الأحزاب الدينية واليمينية المتشددة المؤيدة للتوسع الاستيطاني، مخاوف من تجدد المواجهة مع الفلسطينيين، وخاصة مع حماس التي خاضت خمس حروب مع إسرائيل منذ عام 2009.
ويتولى إيتمار بن غفير، وهو من الوزراء المتشددين الجدد، ومن مستوطني الخليل، مسؤولية الشرطة كوزير للأمن القومي، بينما سيتمتع بتسلئيل سموتريتش، وهو سياسي يميني متطرف آخر، بسيطرة واسعة على السياسة في الضفة الغربية. لكن حماس ما زالت تعيد البناء في غزة بعد حرب مكلفة استمرت عشرة أيام قبل أكثر من 18 شهرا. ولذا من المرجح أن تكون ساحة معركتها الرئيسية في بلدات ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، التي تواجه فيها منافستها حركة فتح تحديات متزايدة من جماعات النشطاء الشباب.
وقال زكريا أبومعمر، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، “اليوم نرى أن المهمة الأساسية التي نتصدى لها ونقوم بها هي تعزيز المقاومة في الضفة الغربية ومدها بما يلزم لكي تواصل عملها وكي تفعّل عملها”. وأضاف أبومعمر “بقدر ما نضيق على الاحتلال ونؤذيه ونواجهه بقدر ما نفشل (نعطل) سياساته”.
وشهد العام الماضي البعض من أسوأ أعمال العنف منذ أكثر من عقد في الضفة الغربية، حيث شن الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات شبه يومية في مدن مثل نابلس وجنين في أعقاب سلسلة هجمات قاتلة نفذها فلسطينيون في إسرائيل.
وقُتل أكثر من 160 فلسطينيا، وكثفت القوات الإسرائيلية عملياتها وشكل النشطاء الشباب الذين خاب أملهم في الحركات الفلسطينية القديمة، مثل فتح، مجموعات جديدة مثل “عرين الأسود” في نابلس.
اشتداد عود المقاومة
أصبحت لقطات المسلحين المراهقين الذين يطلقون النار في الهواء في مراسم تشييع الجثامين أو يستعرضون أسلحتهم في مسيرات عفوية، مشهدا مألوفا العام الماضي مع اشتداد عودة المقاومة أمام الحملة الإسرائيلية.
ولطالما أعاق التنافس بين عدد كبير من الجماعات الناشطة المسلحة آمال الفلسطينيين في مواجهة الجيش الإسرائيلي القوي، لكن هناك جهودا متزايدة لحل الخلافات أو على الأقل تنحيتها جانبها.
وقال أبومعمر “أبناء حركة فتح وأبناء حركة حماس وأبناء الجبهة الشعبية وأبناء الجهاد الإسلامي يعملون مع بعضهم البعض وتجمعهم حالات مقاومة غير مسبوقة”، مضيفا أن هناك “عرين الأسود وكتيبة جنين وكتائب أخرى وحالات يعمل بها أبناء الشعب الفلسطيني من مختلف الفصائل”.
وتنم هذه التصريحات عن أن هذه اللحظة ليست مثالية لحماس التي يقول محللون إنها منشغلة بالتصدي لتحديات اقتصادية قاسية في قطاع غزة الساحلي المكتظ بالسكان، الذي تحاصره إسرائيل وتشدد مصر إجراءاتها الأمنية على حدوده معها، وتزيد نسبة البطالة فيه عن 50 في المئة.
وفي ظل السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى توفير حوافز اقتصادية أمنية، يتم السماح لنحو 20 ألفا من سكان غزة بالعبور إلى إسرائيل للعمل هناك. وقال طلال عوكل، المحلل من غزة، إن “هؤلاء الناس لن يسامحوا حماس إذا ما فقدوا عملهم”.
وقال “في رأيي فإن سياسة حماس حاليا هي المحافظة نسبيا على حالة الهدوء مقابل التسهيلات، وفي نفس الوقت تصعيد دورها في مقاومة الاحتلال في الضفة الغربية”، في إشارة إلى تحسن ممكن في الحصول على وظائف في إسرائيل وتخفيف الحصار الاقتصادي.
ومع وصول زعيم فتح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى العقد التاسع من عمره، تركز حماس أنظارها أيضا على المستقبل في الضفة الغربية، حيث تم استبعادها إلى حد كبير من أي دور سياسي رسمي. ونشأت حماس من رحم حركة الإخوان المسلمين في أواخر ثمانينات القرن العشرين، وتولت السلطة في غزة بعد أن تفوقت على فتح في انتخابات عام 2006.
خلايا مسلحة
نأت حماس بنفسها عن صراع قصير الأمد العام الماضي عندما قصفت طائرات إسرائيلية غزة في عطلة أسبوعية في أغسطس، مستهدفة حركة الجهاد الإسلامي الأصغر حجما مع تجنب توجيه ضربات لحماس. وقال أبومعمر “لا ننكر أننا نعمل وفق حسابات، وفق رؤية نراعي بها المصالح المختلفة، مصلحة شعبنا ومصلحة المقاومة وهذا لا يعيبنا”.
ومن ناحيتهم يقول مسؤولون في السلطة الفلسطينية إن حماس تمول بعض الخلايا المسلحة في الضفة الغربية، وهو ما تستهدف به جزئيا إضعاف السلطة الفلسطينية، ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يراقبون عن كثب تحركات حماس في الضفة الغربية. وتشهد الضفة الغربية منذ أشهر تطورا لافتا في بروز مجموعات مسلحة غير تقليدية تنشط في شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية، وتكتسب زخما شعبيا متصاعدا.
وبينما تركزت عمليات تلك المجموعات في كل من جنين ونابلس في شمال الضفة الغربية، فإنها سرعان ما انتقلت إلى مناطق أخرى بنفس الحدة تقريبا، سواء في الخليل جنوب الضفة أو رام الله العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية.
وأبرز هذه المجموعات كتيبة جنين التي نشأت في جنين، وعرين الأسود ومقرها في نابلس، والأخيرة حظيت بالتفاف شعبي واسع النطاق حولها وشكلت تجاوزا غير مسبوق للفصائل الفلسطينية التقليدية.
تمويل حماس لبعض الخلايا المسلحة في الضفة الغربية، تستهدف به جزئيا إضعاف السلطة الفلسطينية
وبدأت مجموعة عرين الأسود نشاطها تحت اسم كتيبة نابلس في فبراير 2022، وظهرت علنا لأول مرة في عرض عسكري مطلع سبتمبر في البلدة القديمة في نابلس، بمشاركة العشرات من المسلحين بشعار وزي موحد باللون الأسود.
واعتبر الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أودي ديكل، في ورقة تقدير موقف نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن ظاهرة عرين الأسود تشكل إشارة أخرى إلى إسرائيل بأنها لن تكون قادرة على احتواء الأراضي الفلسطينية إلى الأبد. كما أنها تعبير آخر عن “ضعف” السلطة الفلسطينية.
ورأى ديكل أن النهج الإسرائيلي الذي يستند أساسا على الاستخدام المتزايد للقوة استهلك أغراضه، وهناك حاجة إلى جهود جديدة إلى جانب الاستعدادات لسيناريوهات عديدة قد تنتج عن التطورات الحاصلة، منها مبادرة شعبية شاملة قد تؤدي إلى تغيير القواعد الحالية للعبة.
وقال رام بن باراك، وهو نائب معارض أدار العام الماضي لجنة الشؤون الخارجية والدفاع البرلمانية الإسرائيلية، إن هدف حماس النهائي هو السيطرة على الضفة الغربية وشن هجمات من هناك ومن قطاع غزة على إسرائيل. وأضاف أن على إسرائيل “إضعاف حماس عسكريا قدر الإمكان” مع المساعدة على تحسين ظروف الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية لتقليل احتمالات نشوب صراع.
ومن الممكن أن يقضي سوء التقدير أو الاستفزاز من أي من الجانبين على الهدوء الهش، مما قد يؤدي إلى احتكاك إسرائيلي – فلسطيني في نقاط ساخنة مثل حرم المسجد الأقصى في القدس. وقال أبومعمر “إذا فرض علينا واجب ورأينا أن مصلحة شعبنا تفرض علينا فعلا ما، لن نتردد”.