الجزائرية نادية قجال: لا بد من نقد عربي يلبي تطلعات التشكيليين في المنطقة

تمتلك الفنانة الجزائرية نادية قجال معرفة أكاديمية بالفن التشكيلي واطلاعا ميدانيا واسعا على تجارب أبناء بلدها والمنطقة العربية وحتى العالم، معرفة كونت لديها رؤيتها الخاصة لمستقبل المجال وفهما مختلفا لمشكلات الفنانين والحلول الأنسب لتجاوزها.
القاهرة - قالت الفنانة التشكيلية الجزائرية نادية قجال إن الساحة التشكيلية العربية تتسع وتزداد يوماً بعد يوم خاصة بعد أن صار الفن عابراً للحدود بفضل التطور التكنولوجي وتغير أدوات الشهرة، وتشكل الكثير من الروابط الفنية العربية والتي باتت في ازدياد مستمر وباتت تقوم بدور كبير في تحقيق التواصل بين جموع الفنانين في شتى الأقطار.
وأضافت قجال أنه في ظل هذا الزخم في المشهد التشكيلي العربي أصبح من الضروري التفكير في نقد عربي يُلبّي تطلعات التشكيليين العرب ويواكب حالة الحراك والتطور الذي يشهده المشهد التشكيلي في العالم العربي، مشيرة إلى معاناة الفنانين العرب من غياب النقد الفني المنصف والبناء.
وحول رؤيتها للحركة التشكيلية في الجزائر، قالت إن المشهد التشكيلي الجزائري يواكب ما يشهده المشهد التشكيلي العربي من اتساع وتطور، لافتة إلى أن بلادها شهدت على مدار تاريخها وصول الكثير من روادها إلى العالمية، ومن بين هؤلاء الرواد من التشكيليين الجزائريين الفنان التجريدي محمد خده، وفنان المنمنمات محمد راسم، والفنان حسين زياني، والفنانة باية محيي الدين، وغيرهم كثيرون ممن دونوا أسماءهم ضمن قائمة كبار الفنانين على الساحة الفنية الدولية، وأن بلادا أخرى مثل، مصر والعراق وغيرهما، تشهد حضورا كبيرا لفنانيها في الحركة التشكيلية العالمية.
وحول المشكلات التي يواجهها التشكيليون العرب، قالت الفنانة الجزائرية إن الفنان التشكيلي العربي في حاجة إلى تسهيل وصول لوحاته إلى المعارض الدولية، وتيسير إجراءات الشحن والإجراءات الجمركية.
كما طالبت بفك ما أسمته بـ“الخناق” المفروض على تسويق الأعمال الفنية، ووضع رؤية تساعد الفنانين العرب على تسويق أعمالهم، وتشجيع المؤسسات والمتاحف الفنية على اقتناء الأعمال التشكيلية التي يبدعها الفنانون العرب.
ورأت أن هناك تحفا وروائع فنية عانى أصحابها من ضيق ذات اليد، وأن مجرد خربشات تشكيلية بيعت بمبالغ خيالية، وأن ذلك يؤكد على ضرورة أن يكون الفنان التشكيلي على دراية بفنون التسويق من أجل أن يتمكن من تسويق أعماله الفنية.
واعتبرت قجال أن الفنان يستطيع التكسب من ممارسته للفن من خلال توظيف الفن في بعض مجالات التصميم وصناعة السينما والعمارة وإنتاج الكتب وطباعتها وغيرها.
وحول رؤيتها لمكانة المرأة في الحركة التشكيلية العربية، قالت إن الإبداع والنجاح في مجال الفنون التشكيلية لا يعوقه جنس الفنان، وإن ما يمكن أن يعوقه هو الظروف التي تحيط بكل فنان، وكذلك قدرات الفنان وشخصيته سواء كان رجلاً أو امرأة، مؤكدة أن هناك بعض العادات والتقاليد التي تمنع بعض النساء من ممارسة الفن وتجنب الأضواء.
ورأت أن شهرة البعض من الفنانين والفنانات قد تغطي وتضلل النجاح الفعلي في الكثير من الأحيان، لافتة إلى كمّ الأشخاص الذين نالوا نجاحا بفعل تضخيم النقد لإنجازاتهم.
وأضافت ”كم من فنان ماهر ومبدع قزّم النقد والإعلام منجزه الفني وروائعه التشكيلية، فَتُرِكَ للإهمال والنسيان”، مشيرة إلى أنها ترى المرأة اليوم شأنها شأن الرجل في المشهد التشكيلي العربي.
وأوضحت أن المرأة الجزائرية سجّلت حضورها في المشهد التشكيلي منذ الفترة الاستعمارية، وأن مثال ذلك هو الفنانة باية محيي الدين التي خرجت من المحلية إلى العالمية وعُرضت أعمالها بجوار أعمال بيكاسو، ومثلت نموذجا لنجاح المرأة الجزائرية في مجال الفنون التشكيلية.
وحول حضور المرأة والرجل في أعمالها التشكيلية، قالت الفنانة قجال إن حضور المرأة والرجل في أعمالها مرتبط بالموضوع، وإنها تحرص على أن تصون لنماذجها الفنية من النساء حرمتهن، ولا يظهر منهن إلا ما عهد المجتمع الجزائري القديم ظهوره.
وتابعت ”إذا كان الرسام والمستشرق الفرنسي يوجين فرومنتان صرّح بأنه يجب احترام المسافة والحدود التي وضعها المجتمع الشرقي في الرسم، وأن رسم النساء داخل شقتهن هو نوع من الغش، فكيف لها أن تتجاوز تلك الحدود باستعراض نساء عربيات في مخادعهن مثلا”، مشددة على أنها تفضل الموضوعات التي تصون للمرأة مكانتها باعتبارها درة ثمينة يجب التعامل معها بحرص شديد.
الفنانة تشتغل على إعادة بعث الحياة في الصور الفوتوغرافية القديمة وإعادة الحياة إلى أماكن غيّرها الزمن
وبيّنت أن حضور الرجل في لوحاتها أيضاً مرتبط بالموضوع حيث تنتقي الشخصيات المميزة لتمثيل مشهد سينمائي ناجح وذلك في حالة النقل عن نماذج حية، أما فيما يخص النقل عن الصور القديمة الفوتوغرافية فهي تنتقي الصور المؤثرة القوية من حيث التعبير البصري عن الاحساس الإنساني، صورة عن المجتمع للمجتمع.
وحول المشروع الفني الذي تقوم بإنجازه الآن، قالت الفنانة إنها تشتغل على إعادة بعث الحياة في الصور الفوتوغرافية القديمة (الأبيض والأسود)، وأنها تبحث في الأرشيف الاستعماري بهدف إعادة الحياة إلى أماكن غيّرها الزمن، لافتة إلى أن الكثير من الصور الفوتوغرافية القديمة تستهويها لأنها كنز في حاجة إلى التنقيب والنظر في قيمتها التوثيقية الهامة، وفي حاجة أكثر إلى الترميم باعتبارها ذاكرة للأوطان وتراثا منسيا تعمل على إخراجه في صورة فنية جديدة.
وحول عوالمها الفنية وتجربتها مع الفنون التشكيلية، قالت إنها تميل إلى الفن الفصيح والبلاغة التشكيلية، وتفضل المفردات التشكيلية واضحة البيان، القادرة على مخاطبة جمهور واسع، بدل الاقتصار على مخاطبة فئة نخبوية معينة من الجمهور، لافتة إلى أنها تحرص على العناية الفائقة بقواعد هذه اللغة التشكيلية من منظور وقياسات ونسب وتشريح وتمثيل الملمس وما إلى ذلك.
وأضافت أنها كانت في بداية علاقتها بالفنون التشكيلية مولعة بالألوان الزيتية، ثم صارت تتعامل أكثر بألوان الإكريليك بهدف الحفاظ على نضارة الألوان وحيويتها وتجنبا للعتمة الناجمة عن قِدم الألوان والتي تعتبر من مشاكل الرسم الزيتي، موضحة أنها تعتمد على البقع اللونية المتجاورة التي تكسب اللوحة جمالية ولمسات فنية متميزة، وأنها تطبق تلك التقنية في موضوعات واقعية تنتقيها بعناية لتعكس الهوية الجزائرية.

ولفتت قجال إلى أنها حين تمارس الفن يكون شعورها مماثلا لشعور الجمهور المتذوق للفن الفصيح الذي يدق في ذاكرة النسيان ويداعب الحنين إلى الماضي وإلى الحياة اليومية التي عاشها الأجداد بحلوها ومرّها، مثل تفاصيل ثيابهم وأثاثهم الذي يشهد على ألق الحضارة والفنون قبل “بلوة الاستعمار الفرنسي الذي طمس الهوية وكان وبالاً على الفنون والصنائع الجزائرية”.
وقالت إن الاثاث واللباس والإكسسوارات والعمارة القديمة وما إلى ذلك تشعرها بمتعة خاصة وهي تنقل تفاصيلها بشغف بالغ.
يُذكر أن نادية قجال أكاديمية وفنانة تشكيلية جزائرية، تعمل استاذاً محاضراً بكلية الأدب العربي والفنون بجامعة مستغانم الجزائرية، وعضو في هيئة تحرير عدد من الدوريات الأكاديمية والفنية، ولها مشاركات فاعلة في عدد من الروابط والتجمعات الفنية داخل الجزائر وخارجها، مثل الرابطة العربية للفنون، وفرقة جماليات التشكيل البصري الجزائري.
وتمتلك قجال العديد من الدراسات والمؤلفات في مجال الفنون، كما أشرفت على تنظيم فعاليات فنية ومحلية ودولية، ولها مشاركات في معارض وملتقيات فنية عربية ودولية كان آخرها مشاركتها ببعض أعمالها في النسخة التاسعة عشرة من بينالي الفن الآسيوي.