هل تلجأ القيادة الكويتية إلى خيار الحل مع استعصاء التواصل بين الحكومة والبرلمان

الكويت - أصبح خيار استقالة الحكومة الكويتية برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح مطروحا بقوة، في ظل استفحال الخلافات بينها وبين نواب المعارضة الذين يسيطرون على مجلس الأمة، والذين يرفضون التراجع عن تمرير جملة من مشاريع القوانين المثيرة للجدل.
ويرى مراقبون أن الأزمة الجديدة القديمة تعكس وجود قصور في النظام السياسي الكويتي، وأن ما يجري اليوم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أثبت أن هناك حاجة ملحة إلى إعادة النظر في الصلاحيات الدستورية لمجلس الأمة، خلاف ذلك فإن البلاد لن تغادر حلقة التجاذبات.
ويشير المراقبون إلى أن عدم حل الخلافات الراهنة وتمسك كل طرف، الحكومة والنواب، بموقفه قد يقود القيادة السياسية في الكويت إلى حل الطرفين. لكن هذا لن يحقق الاستقرار المأمول، حيث أن الذهاب إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة سيقود إلى عودة نفس الوجوه البرلمانية.
وتفجرت الخلافات بين حكومة الشيخ أحمد النواف والمجلس التشريعي في أعقاب طرح نواب المعارضة لعدد من مشاريع القوانين التي تهم الشأن المالي، والتي تشكل استنزافا كبيرا لخزينة الدولة، وتعيق مسار الإصلاح الاقتصادي الذي ترنو الحكومة إلى إطلاقه.
ومن بين المشاريع التي يتمسك بها النواب شراء قروض المواطنين من الاحتياطي العام للدولة، وتعديل قانون التأمينات الاجتماعية، وتأسيس شركات لإنشاء مدن ومناطق سكنية وتنميتها، والتي تهدف حسب نص المشروع إلى إيجاد أداة تنفيذية مبتكرة تعين الدولة على التزامها الدستوري تجاه مواطنيها في توفير سكنهم الخاص عبر إسكانهم بمدن متكاملة مع تنميتها اقتصادياً وفق شراكة عادلة مع القطاع الخاص المتخصص.
وطالبت الحكومة مرارا بضرورة تأجيل النظر في هذه المشاريع التي يصفها معارضوها بـ”الشعبوية”، لكن النواب يصرون على موقفهم. وهذا الأمر يجعل الأخيرة في موقف صعب بين القبول بتلك المشاريع، وهذا سيشكل ورطة حقيقية لمالية الدولة التي تعتمد على مصدر وحيد للدخل وهو النفط، وبين المواجهة التي ستكون كلفتها كبيرة لجهة تعطيل حال البلاد.
وكشفت صحيفة “القبس” الكويتية أن مشاورات رفيعة انطلقت الأحد لحسم خيار استقالة الحكومة، في ظل الخلاف الراهن بينها وبين مجلس الأمة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر -لم تسمها- أن القيادة السياسية ستجري لقاءات مع كل من رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف ورئيس مجلس الأمة أحمد السعدون.
في المقابل أعلنت اللجنة المالية في مجلس الأمة عن عدم سحب أي من مشاريع القوانين المطروحة، وقال مقرر اللجنة النائب صالح عاشور في تصريح بالمركز الإعلامي لمجلس الأمة إن اللجنة ناقشت سبعة تقارير مدرجة على جدول أعمال مجلس الأمة بشأن اقتراحات شراء مديونيات المواطنين، وزيادة معاشات المتقاعدين، وإسقاط وإلغاء فوائد القروض غير القانونية على المواطنين، وتحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة مساهمة، وإنشاء شركة لتسويق المحاصيل الزراعية، وخفض نسبة استقطاع أقساط القرض الحسن من 15 في المئة إلى 5 في المئة، وتعديل قانون إنشاء غرفة التجارة والصناعة.
وأوضح عاشور أنه استنادا إلى المادتين 103 و105 من اللائحة قررت اللجنة بالإجماع عدم سحب أي تقرير من التقارير المدرجة على جدول الأعمال ما لم يتم تقديم تعديلات جوهرية وجذرية وقانونية على الاقتراحات المعروضة على المجلس، وأن يتم السحب بموافقة المجلس.
وبين أن اللجنة ناقشت تكليفها من قبل المجلس برفع تقرير حول إلغاء المادة 80 من قانون التأمينات الاجتماعية في شأن المعاشات الاستثنائية، منوها بأن اللجنة بعثت رسالتين إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية ووزارة المالية ولكن لم يصل أي رد حول البيانات المطلوبة.
وكان عاشور شدد في وقت سابق على أن سحب مشاريع القوانين غير ممكن، وأضاف “بصفتي مقرر اللجنة والمخول وفق اللائحة طلب سحبها لن أطلب سحب التقارير”.
واعتبر رئيس اللجنة المالية أن “شراء المديونية للقروض كان أفضل بكثير وأهم من شراء الإجازات التي لم يستفد منها إلا فئات معينة فقط، بعكس شراء المديونية كان يشمل أغلب شرائح المجتمع”.
ويرى متابعون أن إصرار النواب على المضي قدما في المشاريع المثيرة للجدل يسهم في احتداد الأزمة، لافتين إلى أنه ليس من الثابت بعد ما إذا كانت حكومة الشيخ أحمد النواف جادة في الذهاب فعلا نحو طرح الاستقالة أم أنها تستخدم هذه الورقة للضغط على نواب المعارضة، حيث سبق أن قال رئيس الوزراء في أحد لقاءاته مع النواب “قد تكون هذه آخر جلسة معكم”.
عدم حل الخلافات الراهنة وتمسك كل طرف، الحكومة والنواب، بموقفه قد يقود القيادة السياسية في الكويت إلى حل الطرفين
ويشير المتابعون إلى أن النواب بدأوا على ما يبدو الاستعداد لسيناريو الاستقالة، والتي قد يعقبها إجراء حل مجلس الأمة، وهم يضغطون باتجاه تعديل القانون الانتخابي.
وتقدم رئيس مجلس الأمة باقتراح قانون يقضي بتعديل النظام الانتخابي، بحيث يمنح الناخب حق التصويت لأربعة مرشحين، على أن يكون من بينهم مرشح واحد على الأقل من الدائرة الانتخابية المقيد فيها الناخب.
ونص مقترح السعدون على أن يعلن فوز أول خمسين مرشحاً، على أن تقترع المفوضية العليا للانتخابات بين المتساوين في الأصوات من المرشحين.
وقال النائب مهلهل المضف إن السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار السياسي “يتمثل في إنجاز قوانين الإصلاح السياسي. وفي مقدمة الأمور التي يسعى البرلمان لإنجازها: تعديل قانون الانتخاب، وقانون المفوضية العليا للانتخابات“.
وأضاف أن “انسحاب الحكومة من جلسة مجلس الأمة هو نقطة سوداء في تاريخ العمل البرلماني، وأفضل حل لرئيس الحكومة هو أن ينجز التشريعات الإصلاحية المهمة”.
ويرى المتابعون أن عرض نواب المعارضة تغيير النظام الانتخابي في هذا التوقيت لا يخلو من مقايضة للحكومة، مشككين في إمكانية قبول الأخيرة الخضوع لذلك.