نتنياهو لا يضيع الوقت ليفرض أجندته المتشددة

لم تضيّع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجديدة أي وقت في تنفيذ أجندتها القومية المتطرفة التي تشمل حظرا على رفع العلم الفلسطيني وهز أسس الديمقراطية الإسرائيلية باعتداء قانوني مقترح على المحكمة العليا.
وتعمل الحكومة الأكثر تشددا ودينية في تاريخ إسرائيل على إثارة الانقسامات في الداخل والانطلاق نحو الصراع مع الفلسطينيين وحلفاء إسرائيل في الخارج. وقال نتنياهو للنواب في حزبه الليكود يوم الاثنين “نحن لا ننتظر، وأعتقد أن مواطني إسرائيل يشعرون بذلك بالفعل. شكلنا حكومة مختلفة بسياسات مختلفة، وندير الأمور بشكل مختلف”.
وزار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بعد أيام قليلة من توليه منصبه المسجد الأقصى الذي يعدّ أكثر المواقع المقدسة حساسية في القدس.
واعتبر الكثيرون الزيارة استفزازا نظرا إلى دعواته السابقة لمنح المصلين اليهود وصولا أكبر. وقوبلت هذه الزيارة بإدانات فلسطينية وتصريحات غاضبة من الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل العرب.
وقال بن غفير إن “جبل الهيكل يعدّ الموقع الأهم بالنسبة إلى شعب إسرائيل ونحافظ على حرية الحركة بالنسبة إلى المسلمين والمسيحيين، لكن اليهود أيضا سيتوجهون إلى الجبل، وينبغي التعامل مع أولئك الذين يوجّهون تهديدات بيد من حديد”.
كما استهدف نتنياهو القيادة الفلسطينية المعترف بها دوليا في الضفة الغربية. وقد نجح الفلسطينيون في الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على رأي قانوني من محكمة العدل الدولية بشأن سياسات إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وردت الحكومة الإسرائيلية بسلسلة من الإجراءات العقابية.
اتفاقيات أبراهام المبرمة في 2020 بين إسرائيل وأربع دول عربية تعد من بين الإنجازات التي يفخر بها نتنياهو
وقد أثرت بعض الخطوات على الفلسطينيين بشدة، ويُذكر منها حجب حوالي 40 مليون دولار من عائدات الضرائب واستخدام الأموال بدلا من ذلك لتعويض الضحايا الإسرائيليين للعنف الفلسطيني. كما وُضعت خطط لوقف التنمية في القرى الفلسطينية الواقعة في الأجزاء التي تسيطر عليها إسرائيل من الضفة الغربية.
وكانت التحركات الأخرى أكثر رمزية، مثل إلغاء امتيازات الشخصيات المهمة لكبار المسؤولين الفلسطينيين وحظر رفع الأعلام الفلسطينية داخل إسرائيل. كما فرّقت السلطات الإسرائيلية خلال عطلة نهاية الأسبوع اجتماعا لأولياء فلسطينيين كانوا يناقشون أوضاع أطفالهم المدرسية في القدس الشرقية. وزعمت إسرائيل أن السلطة الفلسطينية كانت تمول الاجتماع لكنها لم تقدم أدلة تدعم اتهاماتها.
واتهم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية يوم الاثنين إسرائيل بمحاولة “إسقاط السلطة مؤسساتيا ودفعها إلى حافة الهاوية ماليا”، ورأى في الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة “حربا جديدة”.
وكشف نتنياهو وحلفاؤه عن خطة شاملة لإصلاح النظام القضائي في البلاد. وسيعطي الاقتراح الأساسي البرلمان سلطة إلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة. ويقول منتقدون إن ذلك من شأنه أن يقضي على نظام الضوابط والتوازنات الديمقراطي في إسرائيل.
وانضم آلاف من الإسرائيليين إلى مظاهرة في نهاية الأسبوع ضد الإصلاح القانوني المقترح، وحذر رئيس محكمة العدل العليا والقاضي المتقاعد أهارون باراك من أن الخطة ستحول إسرائيل إلى “ديمقراطية فارغة”. وأضاف أن “هذا الإصلاح هو السماد الذي سيؤدي إلى ازدهار استبداد الأغلبية”.

كما حذر بيني غانتس وزير الدفاع السابق الذي يقود حزب “الوحدة الوطنية” من يمين الوسط المعارض، من أن نتنياهو يدفع البلاد نحو “حرب أهلية”. وكتب في تغريدة على تويتر “نتنياهو يريد استغلال الأغلبية اللحظية وإشعال الصراع والكراهية بين الناس في المجتمع الإسرائيلي”.
وليست سياسات نتنياهو مفاجئة. وتمكن بعد أربع انتخابات غير حاسمة في غضون ثلاث سنوات فقط من تحقيق فوز في جولة خامسة من التصويت من خلال توحيد القوى مع مجموعة من شركاء اليمين المتطرف والأرثوذكس المتطرفين.
وقال نتنياهو “لقد تلقينا تفويضا واضحا من الجمهور لتنفيذ ما وعدنا به في الانتخابات، وسنفعل ذلك. هذا هو جوهر الديمقراطية، وهو تحقيق إرادة الناخب”.
ويهيمن على الائتلاف متشددون معارضون للفلسطينيين ولفكرة محادثات السلام ويرفضون إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وكان بن غفير، على سبيل المثال، من أتباع حاخام راديكالي متوفى دعا إلى الطرد الجماعي للفلسطينيين من البلاد. ويشغل هذا السياسي، الذي أدين منذ أكثر من عقد بتهم التحريض والإرهاب الداخلي، الآن منصب وزير رفيع في مجلس الوزراء يشرف على قوة الشرطة الوطنية. ويتولى شريكه المتشدد بتسلئيل سموتريتش مسؤولية الإشراف على الاستيطان في الضفة الغربية.
وكان نتنياهو، الذي يحاكم بتهم فساد، على استعداد لتسليم السلطة لشركائه لأنهم يشاركونه عداوته تجاه نظام قانوني يعتقدون أنه نخبوي وعدائي. ويُعتقد على نطاق واسع أن الإصلاح القانوني الذي قاده وزير العدل ياريف ليفين المقرب من نتنياهو سيؤدي في النهاية إلى إسقاط التهم الموجهة إلى رئيس الوزراء.
الفلسطينيون نجحوا في الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على رأي قانوني من محكمة العدل الدولية بشأن سياسات إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية
وقال معلق الشؤون الخارجية في “القناة 13” الإسرائيلية نداف أيال الذي ألف كتاب “الثورة” المتناول لصعود الشعبوية والقومية في جميع أنحاء العالم، إن “هذه هي الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل. ما نراه الآن هو مظهر من مظاهر توجهاتهم، وهم يفعلون أساسا ما وعدوا به”.
وأضاف “لم يفهم المجتمع الدولي والعديد من الإسرائيليين إلى حد كبير أن هؤلاء يعتزمون بالفعل تنفيذ الكثير من أهدافهم، وليس أمامهم أي شيء قادر على مواجهتهم سياسيا”.
وقال ناحوم برنيع وهو كاتب عمود مخضرم في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليومية، إن نتنياهو يبدو أنه “يختبر الوضع” من خلال السماح لشركائه بالترويج لسياساتهم المتشددة بينما يحاول توجيه النقد الدولي بعيدا عن مداره.
لكنه لا يعتبر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيواجه مشاكل في حشد شركائه في الائتلاف “لأنه ليس محاطا بشركاء لسياسة أكثر اعتدالا”. وقال إن “نتنياهو ليس لديه مصلحة في خوض معركة مع إدارة بايدن. لكنه ليس دكتاتورا. عليه أن يأخذ في الاعتبار هذه الأصوات القوية”.
وقال ليفين الأسبوع الماضي إن خططه لإضعاف المحكمة العليا ليست سوى مرحلة أولى من العمل. وتدعو المبادئ التوجيهية الحكومية المنشورة إلى المزيد من البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وإضفاء الشرعية على العشرات من البؤر الاستيطانية المبنية بشكل غير قانوني، والضم الكامل للمنطقة في النهاية.
وستضمن مثل هذه المقترحات مواجهة مع الولايات المتحدة والفلسطينيين والمجتمع الدولي الأوسع، حيث أن الضفة الغربية تبقى في جوهر أعنف موجة عنف تشهدها منذ ما يقرب من عقدين.
وأصدرت إدارة بايدن حتى الآن سلسلة من التصريحات الحذرة التي أكدت على عمق العلاقات مع إسرائيل مع التأكيد على التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين.
وقد تشتدّ النبرة عند زيارة كبار المسؤولين (بمن فيهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن) في الأسابيع المقبلة.
ويمكن لحلفاء إسرائيل العرب الجدد في الخليج العربي، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، أن يلعبوا دورا رئيسيا في التهدئة. وتعد اتفاقيات أبراهام المبرمة في 2020 بين إسرائيل وأربع دول عربية من بين الإنجازات التي يفخر بها نتنياهو، وقد قال إنه يأمل في إضافة السعودية ذات الثقل الإقليمي إلى القائمة.