التفاتة دولية للأزمة السياسية في لبنان

لقاء ثلاثي سعودي – فرنسي– أميركي لتحريك الجمود.
الخميس 2023/01/12
بانتظار التسويات

تستعد قوى دولية مؤثرة في الساحة اللبنانية لعقد اجتماع يهدف إلى تحريك الجمود السياسي في لبنان لجهة استكمال الاستحقاقات الدستورية المعطلة، لاسيما انتخاب رئيس جديد للبلاد. وللقوى الدولية دور محوري في التسويات الداخلية اللبنانية.

بيروت - يترقب اللبنانيون ما سينتج عن لقاء ثلاثي سعودي – فرنسي – أميركي في باريس منتصف يناير الجاري لبحث الأزمة السياسية المستفحلة في البلاد، فيما يرجح مراقبون أنه لن يحقق نتائج سريعة لكنه ربما يضع مسارا لآلية الحل.

ولا تزال الصورة في لبنان، بحسب محللين، ضبابية إلا أن ثمة إشارات يمكن البناء عليها، وهي تنتظر مواكبة إقليمية، وحركة داخلية على مستوى المسؤولية التي تتطلبها خطورة الأزمة التي تثقل لبنان.

ويواجه لبنان أزمة حكم غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد وفي ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي محدودة السلطات وبرلمان منقسم، لذا لا تملك جهة قوة فرض رئيس بالانتخاب الحر كما ينص الدستور.

وتستمر مواقف الأطراف على حالها دون التوصل إلى أي مخارج للأزمة، بالرغم من لقاءات واتصالات جارية بين أكثر من كتلة وتحرك أكثر من نائب.

آلان سركيس: هناك رعاية دولية تؤسس لحل مقبل في لبنان
آلان سركيس: هناك رعاية دولية تؤسس لحل مقبل في لبنان

ورغم انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر 2022، يبقى الملف مجمدا جراء توسع الخلافات الداخلية وتعطل أي مبادرة خارجية تدفع الأطراف اللبنانية إلى خطوات تسهل انتخاب رئيس، في ظل استمرار الانقسام حول تحديد الجهة المقررة في انتخابه: داخلية كانت أم خارجية.

وللمرة العاشرة منذ سبتمبر الماضي، يفشل البرلمان في انتخاب رئيس للبلاد رغم انحسار أسماء المرشحين من طرف الداخل والخارج وأبرزهم قائد الجيش العماد جوزيف عون.

ووفق دوائر سياسية لبنانية، فإن فرنسا والولايات المتحدة والسعودية منفتحة على ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون من دون وجود إعلان رسمي من هذه الدول بشأن اسم الرئيس.

وإذا فاز عون في الانتخابات، فستكون هذه هي المرة الرابعة التي ينتخب فيها لبنان رؤساء من ذوي الخلفيات العسكرية منذ فؤاد شهاب (1958 – 1964) وإميل لحود (1998 – 2007) وميشال سليمان (2008 – 2014) وميشال عون (2016 – 2022).

لكن مثل هذه الخطوة تتطلب تصويتا في البرلمان على تعديل دستوري؛ لأن الدستور لا يسمح لمرشح رئاسي بأن يكون أيضا ضابطا في الخدمة العسكرية.

وعقب زيارته البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الإثنين الماضي، كان لافتا التصريحات التي أطلقها رئيس المجلس السياسي بجماعة حزب الله (حليفة إيران) إبراهيم السيد.

وقال السيد “نحن في أحسن علاقة مع قائد الجيش التي تأسّست على الخير ومستمرة، لكن الاستحقاق الرئاسي في مكان آخر، ونحن لا نضع فيتو على أحد، لكن رأينا واضح والطريق إليه هو التوافق والحوار”.

وينص الدستور على أن مجلس النواب ينتخب الرئيس بالاقتراع السري، والمجلس يتألف من 128 مقعدا يتم تقسيمها بالتساوي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، وضمن التوافقات يتولى رئاسة البلاد مسيحي ماروني ورئاسة الحكومة سُني ورئاسة البرلمان شيعي.

وقال المحلل السياسي آلان سركيس “إن حصلت اتصالات ولقاءات داخلية بين القوى السياسية، إلا أنها لن تؤدي إلى أي نتيجة أو خرق داخلي بملف الرئاسة”. وأوضح أن “الخلاف السياسي بين القوى مازال كبيرا والحوار مقطوع بين كافة القوى السياسية وخاصة أن انتخاب الرئيس بحاجة إلى كلمة سر من خارج لبنان”.

جورج عاقوري: حزب الله لا يعارض ترشيح قائد الجيش لرئاسة لبنان
جورج عاقوري: حزب الله لا يعارض ترشيح قائد الجيش لرئاسة لبنان

وأضاف “لم يقدم أي فريق تنازلا للآخر، وفي ظل عدم وجود اسم جامع لكل الفرقاء ووسط تمسك حزب الله وحلفائه بمرشحهم، فإن كل الحوارات الداخلية لم ولن تؤدي إلى أي نتيجة”.

أما المحلل السياسي خلدون الشريف فقال إن “هناك مرشحين أصبحا معروفين هما سليمان فرنجية (مرشح حزب الله وحلفائه ما عدى التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل) وميشال معوض (الذي يدعمه الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية ومستقلون) ومرشح ثالث غير معلن حتى الآن هو قائد الجيش جوزيف عون”.

وتابع الشريف أن “النائب باسيل يعمل على إيجاد مرشح آخر غير هؤلاء ويسعى بلقاءاته وحواراته مع الزعماء السياسيين إلى طرح مرشح آخر يتم التوافق عليه”.

لكنه استدرك “إلى الآن يبدو أن الأفق مسدودة بشأن التوافق على اسم رئيس.. أمين عام حزب الله حسن نصرالله في خطابه الأخير كان واضحا، هو يريد رئيسا لا يطعن المقاومة وقادرا على التواصل مع جميع القوى السياسية في لبنان وإدارة البلاد”.

واعتبر أنه “هناك مواصفات، ولكن ليست هناك توافقات حول الأسماء التي تتناسب مع هذه المواصفات، مما يعني أننا أمام فراغ لن يكون من السهل الخروج منه على المدى القريب”.

أما على المستوى الخارجي، فقال الشريف إنه “ليست هناك ضغوط ولا اهتمام أو تبني ترشيح سواء من الأطراف العربية أو الفرنسية أو الأميركية، بل هناك متابعة دون تبنّ”.

ومشددا على أهمية اجتماع باريس، قال سركيس إنه “يدل على أن الغطاء الدولي مازال موجودا على لبنان وهناك رعاية دولية تؤسس لحل مقبل، وخاصة أن الحل السياسي غير مرتبط فقط بالرئاسة”.

وأوضح “تعودنا في لبنان أن تكون كلمة السر في الانتخابات الرئاسية من الخارج، خاصة وأن هذه الانتخابات بحاجة إلى تسوية خارجية”.

ومؤكدا هذه الفكرة، رجح أنه “طالما لم يحصل أي خرق على جبهة واشنطن – طهران فالموضوع اللبناني يبقى على ما هو عليه.. والاجتماع سيوحد هذه القوى على اسم معين، ومبدئيا هي متوافقة على اسم قائد الجيش”.

لكنه استدرك “يبدو أن حزب الله ليست لديه مشكلة مع جوزيف عون، ولكن يريد تحقيق مكاسب سياسية إن كانت داخلية بدوره السياسي المستقبلي أو بالحكومة المرتقبة وخارجية تتعلق بقصة إيران والعقوبات عليها والملف النووي”.

أما الشريف فاعتبر أن “اجتماع فرنسا ليس واضح المعالم كنوعية الحضور ومستوى التمثيل ولا يوجد حتى الآن جدول أعمال”.

فيما اعتبر المحلل السياسي جورج عاقوري أن “اجتماع باريس إذا عُقد فلن يحقق أي مخرج، طالما الطرف الخليجي وخاصة السعودي متمسكا برأيه تجاه عدم دعم أي مرشح من طرف حزب الله”.

وأضاف أن “المواصفات التي وضعتها دول الخليج هي أن يمسك الرئيس بقرار الحرب والسلم والعلاقات الخارجية مع الدول العربية أو دول الخليج”.

ويقول حزب الله إن سلاحه مكرس حصرا لمقاومة إسرائيل التي تحتل أراضي جنوبي لبنان، وينفي صحة اتهامات عواصم إقليمية وغربية له بالسيطرة على مؤسسات الدولة لصالح طهران.

وفي الفترة الأخيرة، بحسب عاقوري “ترتفع أسهم قائد الجيش، وليست لديه مشكلة مع الخارج، أما داخليا الآن باسيل لن يدعمه لأنه يشكل خطرا على شعبيته في ما بعد، وحزب الله الذي لم يعلن معارضته لعون إلا أنه كان ينتقد دائما علاقته بالولايات المتحدة”.

وبحسب المادة 49 من الدستور، يُنتخب رئيس البلاد في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين أي 86 نائبا (من 128)، ويُكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات، سواء الأولى أو الثانية، 86 نائبا.

ويُتهم رئيس حركة أمل نبيه بري وحزب الله والتيار الوطني الحر وتيار المردة، برئاسة سليمان فرنجية، بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس، عبر تكرار الانسحاب ما يُفقد الدورة الثانية من الجلسات نصابها. ويزيد من تداعيات أزمة انتخاب الرئيس أن لبنان يشهد منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

2