إبعاد المصريين عن أزماتهم باستدعاء الشعراوي والعرّاب من قبريهما

شغل المواطنين بقصص غريبة وشخصيات مثيرة للجدل لا يكفي لنسيان الواقع.
الأحد 2023/01/08
قضايا هامشية للانشغال عن الأزمة الاقتصادية  

ما الذي يدفع المصريين لمناقشة قضايا الماضي وفتح جبهات على الموتى من مثل محمد لشيخ متولي الشعراوي وفتاواه، أو أحمد خالد توفيق؟ هل هو القصاص من جبهة “وسطية” لجأت إليها السلطة في عقود ماضية لمواجهة الإخوان لكن تأثيرها ما يزال قويا؟ أم أن الحملة موجهة سياسيا لدفع المصريين للابتعاد عن أزماتهم الاقتصادية؟

القاهرة- تقدم عضو البرلمان المصري كريم طلعت السادات بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب حنفي جبالي موجه إلى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي ووزيرة الثقافة نيفين الكيلاني بشأن ما أسماه بـ”التطاول الممنهج على الشيخ محمد متولي الشعراوي، باعتباره رمزا وطنيا وقيمة وقامة دينية، وهو أمر غير مقبول”.

وأثار هجوم مفاجئ بدا ممنهجا في نظر متابعين على الشيخ متولي الشعراوي المتوفي منذ 24 عاما انقساما بين مؤيديه ومعارضين لآرائه في كثير من القضايا الدينية، وانشغل أنصار الفريقين بما إذا كان الرجل فقيها وعالما أم مهرّجا وممثلا.

وقال مثقف مصري إنه عندما يرى معركة إعلامية أو ثقافية تأتي من القبور أو تستدعي التشكيك في أشخاص وقضايا قديمة يشعر بالخطر، وكلما زادت حدتها واستقطبت شريحة كبيرة للتفاعل معها يتأكد أن وراءها أهدافا سياسية، ومقصودا منها الانشغال بالماضي عن الحاضر وأزماته وحرف الأنظار بعيدا عن المستقبل وآفاقه.

قد يكون هذا المثقف، الذي رفض ذكر اسمه، نطق بلسان حال كثير من أفراد النخبة المصرية وربما مواطنين عاديين مهمومين بقضايا الوطن وشواغله، لأن الأيام الماضية التي شهدت فيها الأزمة الاقتصادية ذروتها مع انخفاض جديد في قيمة الجنيه وزيادة كبيرة في الأسعار لم تحتل ما تستحق من اهتمام في وسائل الإعلام الرسمية، بينما احتل النبش في توجهات الشيخ الفقهية مساحة كبيرة في برامج بعض الإعلاميين، وتحول الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق إلى ترند، مع أنه توفي منذ أربعة أعوام.

وترك كلاهما أثرا إيجابيا لدى شريحة عريضة من المصريين المغرمين بتفسيرات الأول للقرآن، ومؤلفات الثاني العلمية والمستقبلية مثل “ما وراء الطبيعة” و”يوتوبيا”، وكتاباته إجمالا التي أثرت تحديدا في شريحة كبيرة من الشباب.

◙ الشعراوي الذي تعرض لهجوم حاد بعد أكثر من عقدين من وفاته لا تزال أحاديثه تذاع على فضائيات رسمية
الشعراوي الذي تعرض لهجوم حاد بعد أكثر من عقدين من وفاته لا تزال أحاديثه تذاع على فضائيات رسمية

وغابت مناقشة الأزمة الاقتصادية، لأن المنوط بهم القيام بهذا الدور من السياسيين في وسائل الإعلام لم يجدوا تفسيرات تمكنهم من تقديم تصورات لنقد رؤى الحكومة أو مبررات تعفيها من تحمل المسؤولية، وأصبح النظام الحاكم في موقف حرج عند قيامه بالدفاع عن إصلاحات اقتصادية جلبت المزيد من المعاناة لفئة كبيرة من المواطنين.

يصلح تفسير المثقف المصري السابق، ويمكن أن نرمز إليه بـ(م. ح) لفهم الهجوم الظاهر على الشيخ متولي الشعرواي ومن قبله الكاتب خالد توفيق، فالهجوم على كليهما قد يكون سحب مساحة من الاهتمام بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، لكنه لم يفلح في إجبار الناس على نسيان ارتداداتها الاجتماعية، لأن الجمهور المخاطب والمستقبل لرسائل الشيخ والكاتب ليس هو الذي يئن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية.

واتهم الإعلامي إبراهيم عيسى الشيخ الشعراوي بأنه “متطرف وداعشي وسلفي، وضد الأقباط، ويهين المرأة، وشيخ سماعي، وليس فقيها”، وكال له الكثير من الاتهامات التي تجعل منه مجرد “ممثل أو مهرج فاشل” وليس فقيها أو مفسرا عصريا.

جاءت اتهامات عيسى الجديدة – القديمة في وقت ساد فيه جدل آخر حول الشعراوي أيضا، فما إن أعلن رئيس المسرح القومي إيهاب فهمي عن تقديم مسرحية حول سيرته حتى فتحت النيران على الشعراوي وفهمي أيضا بحجة أن هناك تنويريين أحق منه.

وهدأت الحملة نسبيا عقب إعلان وزارة الثقافة عن وقف فكرة تقديم مسرحية عن الشيخ الشعراوي، لكنها اشتعلت مرة أخرى مع إعادة عيسى تكرار مفردات قاموسه القاتم حول الراحل، والتي يرددها من وقت لآخر وتجذب الانتباه.

اللافت أن الشعراوي الذي تعرض لهجوم حاد بعد أكثر من عقدين من وفاته لا تزال أحاديثه تذاع على فضائيات رسمية، وتتكرر أدعيته عقب أذان كل صلاة تصدح بها قنوات حكومية مختلفة، ما يعني أنه شخصية مرضي عنها سياسيا، ولا شبهات حولها فقهيا أو إنسانيا، وهو ما عزز تفسير الافتعال في الهجوم عليه في الوقت الراهن.

كما أن الانتقادات التي وجهها الإعلامي شريف عامر المقرب من الرئيس عبدالفتاح السيسي للمؤلف الراحل أحمد خالد توفيق المعروف بـ”العرّاب” جذبت معها اتهامات للكاتب الراحل اتهمته بأنه كان منتميا إلى جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر، وهو الذي قدم إنتاجا علميا غزيرا، وله مقالات منشورة انتقد فيها تنظيم الإخوان.

وتزامن الهجوم على خالد توفيق وتسليط الضوء عليه مع إشارات تضمنتها روايته الشهيرة “يوتوبيا”، والتي توقع فيها حدوث أزمة اقتصادية طاحنة في مصر، سوف يصل خلالها سعر الدولار الواحد إلى ثلاثين جنيها، وقت أن كان سعره حوالي ستة جنيهات عندما كتبها، وهو ما تحقق الآن.

وتوقع أيضا أن يأتي زمن يتناول فيه مصريون أرجل الفراخ كوجبة أساسية في ظل الندرة المالية، وقد تحققت رؤيته، والتي حاولت بعض وسائل الإعلام إظهار الجوانب الشهية في تناول الأرجل قبل أن يكتشف القائمون عليها أنها نبوءة لخالد توفيق.

الانتقادات التي تعرض لها الشعراوي وتوفيق إذا كان الغرض منها إبعاد المصريين عن أزماتهم لن تفلح في هدفها

وأدى الهجوم على الشيخ والكاتب إلى استفزاز أنصارهما، وقيّض للبعض الدفاع عنهما، بما قد يسهم في نمو شعبيتهما بعد رحيلهما، حيث يكتشف المتابع للمعركة أن الرجلين لهما أتباع ومريدون وأنصار يتزايدون، على الرغم من رحيلهما عن الدنيا منذ سنوات.

ويقول مراقبون إن الانتقادات التي تعرض لها الشعراوي وتوفيق إذا كانت تقف خلفها جهات رسمية والغرض منها إبعاد المصريين عن أزماتهم الاقتصادية المعقدة لن تفلح في الوصول إلى هدفها، لأن المتضررين الفعليين لا يهمهم الشيخ أو الكاتب، فمن يعرفهما ويقتنع بأفكارهما من أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة مواقفهم تكاد تكون ثابتة وتغييرها يحتاج إلى ما هو أكبر من شكوك وكيل اتهامات وتفسيرات مغرضة وملتوية.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن الدخول في معارك من خلال التركيز على الحوادث والقضايا المثيرة لم يعد يلقى اهتماما كبيرا من المصريين، فقد تيقنوا أن الغرض إبعادهم عن القضايا التي تؤثر في حياتهم، كذلك الحال بالنسبة إلى التركيز على سيرة أشخاص من الماضي لتصدر الترند فلن تفلح في إلهاء الناس، فالأزمة الاقتصادية أكبر من تجاهلها باستدعاء شيخ أو “عرّاب” من قبره وإهالة التراب عليه.

4