مخاوف من التصعيد تطغى على المشهد الفلسطيني في 2023

عام 2022 كان أكثر الأعوام دموية للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ بدأت الأمم المتحدة بتسجيل الوفيات بشكل منهجي في عام 2005.
السبت 2023/01/07
استنفار يسبق المواجهة

القدس - ودع الفلسطينيون عام 2022 الذي وصف بأنه الأكثر توترا وتصعيدا مع إسرائيل منذ نحو عقدين، لكن المخاوف من أن الأسوأ قادم تطغى على المشهد الفلسطيني في العام الجديد.

وبحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، قتل 240 فلسطينيا بينهم 171 برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، و53 من قطاع غزة أغلبهم في موجة توتر بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل في أغسطس من العام الماضي. وتظهر الإحصائيات أن نحو 10 آلاف فلسطيني أصيبوا في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي أو أثناء اقتحامه للمناطق الفلسطينية، فيما تم اعتقال 7 آلاف آخرين جرى الإفراج عن أغلبهم بعد فترات احتجاز متفاوتة.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة (أوتشا) فإنه قياسا على المتوسط الشهري، كان عام 2022 أكثر الأعوام دموية للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ بدأت الأمم المتحدة بتسجيل الوفيات بشكل منهجي في عام 2005. ويقول المحلل السياسي من غزة أكرم عطالله إن عام 2022 كان “عاما ثقيلا زادت فيه أزمة الفلسطيني الذي بدا كأنه فقد توازنه وانعدمت خياراته في إطار مشروعه الوطني، وهو يراقب حجم التراجع الذي أصاب القضية الفلسطينية وحجم الصراعات الداخلية”.

عريب الرنتاوي: ظهور المجموعات المسلحة ينذر باندلاع انتفاضة جديدة
عريب الرنتاوي: ظهور المجموعات المسلحة ينذر باندلاع انتفاضة جديدة

ويلفت عطالله إلى “استباحة إسرائيل خلال العام المنقضي للمدن الفلسطينية قتلا وأسرا وهدما دون أن يوقفها أحد، فيما توالت الجنازات وثكل الأمهات الفلسطينيات وهن يودعن الأحبة ضحايا التصعيد الإسرائيلي”. وينبه عطالله إلى أن العام الماضي شهد المزيد من “تآكل الثقة بين الشعب الفلسطيني وفصائله المتصارعة التي استمرت في معاركها الصغيرة وتنافسها وحملات التشهير والتربص”.

ويستمر الانقسام الداخلي الفلسطيني منذ عام 2007 على إثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالقوة بعد جولات من الاقتتال الداخلي مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية. ومنذ ذلك الوقت تدير حماس بشكل منفرد قطاع غزة، فيما تشرف السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” على حكم جزئي للضفة الغربية.

ورغم توقيع حركتي فتح وحماس وبقية الفصائل في أكتوبر 2022 اتفاقا للمصالحة الفلسطينية برعاية الجزائر، فإنه لم يؤدّ إلى إلى أي اختراق في جدار الانقسام الذي يرى مراقبون أنه تكرس كأمر واقع على مدار سنواته المتتالية. وعليه تم اعتبار اتفاق الجزائر للمصالحة الفلسطينية مجرد نسخة أخرى لاتفاقات وتفاهمات سابقة لم تجد طريقها إلى التطبيق، خصوصاً بعد حذف البند المتعلق بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية المقرر أن تشرف على الانتخابات العامة المنتظرة منذ عام 2006.

ومع تعاظم التراجع الفلسطيني الشامل فإن ظهور مجموعات مسلحة يقودها نشطاء ينتمون إلى عدة فصائل في الضفة الغربية لاسيما جنين ونابلس شكل الحدث الأبرز في مشهد عام 2022. ورصدت وسائل إعلام عبرية أكثر من 7 آلاف عملية فلسطينية ضد أهداف إسرائيلية خلال عام 2022 بينها أكثر من 400 عملية إطلاق نار ما أسفر عن 31 قتيلا إسرائيليا ونحو 500 إصابة وهو الرقم الأعلى منذ عام 2015.

ويرى المحلل السياسي من رام الله عريب الرنتاوي أن التصعيد الإسرائيلي المستمر في الضفة الغربية وظهور المجموعات المسلحة في المقابل قد ينذر باندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة هذا العام. وبحسب الرنتاوي فإن “المكتوب يقرأ من عنوانه والعنوان تشف حروفه عن مقاومة مسلحة في أغلب الظن، تفضي إلى زيادة تآكل مكانة السلطة الفلسطينية ودورها، في ظل استمرار حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي”.

وهو يبرز واقع الانسداد المحكم في الأفق السياسي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لاسيما في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة “التي تعد الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل وعناوين برنامجها الائتلافي ضمّت أوسع مساحات ممكنة من الضفة الغربية وتكثيف ‘أسرلة’ القدس ومقدساتها، وبدء تقسيم المسجد الأقصى”.

وشهدت إسرائيل عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم على رأس حكومة تستند إلى ائتلاف من الأحزاب اليمينية المتدينة لاسيما حزبي القوة اليهودية بزعامة إيتمار بن غفير، والصهيونية الدينية بزعامة بتسئليل سموتريتش. وإلى جانب التطورات الميدانية، فإن التحركات السياسية للسلطة الفلسطينية باتجاه المؤسسات الدولية تثير المزيد من التوتر في العلاقات مع إسرائيل التي تعترض على الخطوات الفلسطينية.

240 فلسطينيا قتلوا بينهم 171 برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، و53 من قطاع غزة أغلبهم في موجة توتر بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل

وأحدث تلك الخطوات تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة إقرار طلب فلسطيني بطلب فتوى قانونية ورأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية بشأن الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

وسيبقى المسجد الأقصى في القدس عنوانا للترقب بشأن تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية في ظل تهديد أحزاب إسرائيلية أصبحت جزءا من الائتلاف الحكومي بمزيد من الاقتحامات للمسجد طوال النهار، وليس في أوقات محددة كما هو حاليا، إذ أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير تعهد بالعمل على تشريع صلاة اليهود في المسجد الأقصى على مدار الساعة، معتبرا أن منعهم من ذلك يعتبر “انتهاكا لحرية العبادة”.

وفي المقابل هددت فصائل فلسطينية على رأسها حركة حماس بالرد العنيف على أي إجراءات إسرائيلية لتغيير الوضع التاريخي في المسجد الأقصى. ويضاف إلى ذلك مراقبة ملف تكثيف البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، لاسيما أن شرعنة البؤر الاستيطانية من أهم بنود التوافقات بين الائتلاف المشكل للحكومة اليمينية في إسرائيل.

وصادقت إسرائيل على 116 مخططا استيطانيا، تستهدف نحو ألف دونم من الأراضي الفلسطينية بأكثر من 13 ألف وحدة استيطانية خلال عام 2022 بحسب معهد “أريج” الفلسطيني المختص بمراقبة الاستيطان.

6