عقبات كثيرة تواجه المعارضة التركية في معركة الرئاسة مع أردوغان

أردوغان مستعد للذهاب إلى أكثر من محاكمة معارضيه ليضمن أنه لن يهزم.
الجمعة 2023/01/06
زخم شعبي لا تواكبه المعارضة المنقسمة

إسطنبول – قد تبدو اللحظة مناسِبة للمعارضة التركية لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية في يونيو، بينما يجهد للجم التضخم المتنامي ويعاني من تراجع في شعبيته، لكن المعركة أمام المعارضين تعتريها رغم ذلك عقبات لا سابق لها.

ويرى دبلوماسي غربي تحدّث مفضلا عدم الكشف عن هويته أن “المعارضة تبدو غير منظّمة بشكل كبير”، متسائلا “ما هو برنامجها؟”، في إشارة إلى تحالف “طاولة الستة”، الاسم الذي أطلق على تحالف ستة أحزاب تركية تسعى لقطع طريق الرئاسة أمام أردوغان.

ويستغرب الباحث كمال كيرسجي من مركز أبحاث بروكينغز إنستيوشن الأميركي، أن تكون المعارضة “مجردة وبعيدة عن الناخبين، لاسيما في بلد يخضع فيه الإعلام بشدّة لسيطرة الحكومة، ما لا يسمح بنقاش مفتوح”.

وكان أردوغان الموجود في السلطة منذ 2003 كرئيس وزراء ثمّ كرئيس للجمهورية، يعتمد في نجاحه حتى الآن على قدرته على حشد ما يكفي من الناخبين، إن كانوا علمانيين أو متدينين، أو أتراكا أو أكرادا وقوميين وليبراليين.

وساعد أردوغان في نجاحه هذا كذلك الازدهار الاقتصادي القوي في العقد الأول من حكمه. لكن الغضب الذي ولد بعد القمع الذي تلا محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016 والأزمة الاقتصادية التي تبعته وضعا حدا لهذا الزخم.

كمال كليجندار أوغلو: أحزاب المعارضة الستة ستعلن عن مرشح مشترك حينما يتمّ تحديد موعد رسمي للانتخابات
كمال كليجندار أوغلو: أحزاب المعارضة الستة ستعلن عن مرشح مشترك حينما يتمّ تحديد موعد رسمي للانتخابات

وتمكنت المعارضة في العام 2019، بعدما جمعت قواها، من الفوز برئاسة بلدية أنقرة وإسطنبول، واضعةً حدا لأسطورة الحزب الحاكم العدالة والتنمية الذي لا يقهر. لكن هل يمكن تحقيق فوز جديد مماثل في الربيع؟

معارك قضائية

يعكس المصير المتقلّب لرئيس بلدية إسطنبول صاحب الشعبية أكرم إمام أوغلو، أحد معارضي أردوغان الأكثر ظهورا في الإعلام، حجم العقبات التي تنتظر المعارضة، ففي منتصف ديسمبر، حكم على إمام أوغلو بالسجن سنتين ونصف السنة وبالمنع من العمل السياسي، بسبب وصفه بـ”الأغبياء” من أبطلوا انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول في ربيع العام 2019، ردا على إهانة وجهت له من قبل وزير الداخلية سليمان صويلو.

ويمكن لإمام أوغلو الذي تولى رئاسة البلدية في صيف العام 2019 بعد جولة انتخابية ثانية الاحتفاظ بمنصبه حتى الساعة، مع وقف تنفيذ الحكم بعد استئناف قدّمه محاموه، لكن تحقيقاً آخر بشأن تهم “إرهاب” يستهدف بلدية إسطنبول يلقي بظلاله كذلك على إمام أوغلو.

وتجعل هاتان القضيتان من ترشيح إمام أوغلو أمرا شديد المخاطرة بالنسبة إلى المعارضة، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تضعه فائزا في جولة ثانية أمام الرئيس أردوغان.

ويرى المحلل آرون شتاين أن القضيتين المذكورتين تظهران كذلك “إلى أي حدّ أردوغان مستعد أن يذهب ليضمن أنه لن يهزم”.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت المعارك القضائية ضدّ إمام أوغلو، العضو في حزب الشعب الجمهوري، أبرز أحزاب المعارضة، إلى أي مدى تمزّق الخصومات تحالف “طاولة الستة”.

ويوم خضوع إمام أوغلو للمحاكمة في قضية “الإهانة”، كان كمال كليجندار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، في برلين لحشد الدعم لترشيحه.

وكان على الأخير، الذي يجهد في جمع المعارضة من حوله، اختصار رحلته والعودة إلى تركيا لدعم رئيس بلدية إسطنبول.

في الأثناء، كانت ميرال أكشينير، زعيمة حزب “إيي” القومي، وشخصية بارزة أخرى في تحالف “طاولة الستة”، تقف إلى جانب إمام أوغلو خلال تجمع عفوي لدعمه، بل إنها قامت برفع يد رئيس البلدية بعلامة النصر.

وقت ضائع

المعارضة ضيعت وقتا ثمينا بتأجيلها الإعلان عن اسم مرشح مشترك
المعارضة ضيعت وقتا ثمينا بتأجيلها الإعلان عن اسم مرشح مشترك

وبحسب المحاضر في جامعة سابانجي في إسطنبول بيرك إيسين، فإنّ تلك اللحظات “حرّكت المعارضة لفترة وجيزة”، لكن ذلك لم يدم طويلاً على حدّ قوله.

وأزعج الدعم الذي أظهرته ميرال أكشينير لرئيس بلدية إسطنبول، كمال كليجندار أوغلو، الذي نظّم لقاءً ثنائيا معها بعد ذلك بأسبوعين بهدف تسوية خلافاتهما.

ويقول إيسين “ضيعت المعارضة وقتا ثمينا بتأجيلها الإعلان عن اسم مرشح مشترك”، لاسيما وأن أصواتا عدة، حتى في صفوف الغالبية تتحدث عن إمكان إجراء انتخابات مبكرة.

وقال كليجندار أوغلو إن أحزاب المعارضة الستة ستعلن عن مرشح مشترك حينما يتمّ تحديد موعد رسمي للانتخابات.

ويخشى إنيس بربر أوغلو، النائب عن إسطنبول في حزب الشعب الجمهوري، أن ذلك لن يعطي وقتا كافيا للمعارضة لإيصال رسالتها.

وقال “للأسف، إن جزءا صغيرا مما نقوله يصل إلى الرأي العام”، في إشارة إلى هيمنة الحكومة على وسائل الإعلام. ويضيف “يمكن لنا الظهور عبر بضعة قنوات تلفزيونية، لكن هذا كل شيء”.

حزب الشعوب الديمقراطي

إلى أي حدّ أردوغان مستعد

في مدينة ديار بكر ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا التي أعيد إعمارها على عجل بعد معارك طاحنة وقعت فيها خلال العامين 2015 و2016 بين مقاتلين أكراد وقوات تركية خاصة، لم تندمل بعد جروح الماضي التي ترخي بظلالها على الانتخابات المقبلة.

ويبدو وضع حزب الشعوب الديمقراطي وهو أكبر حزب يدافع عن قضايا الأكراد في تركيا على المحكّ مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الذي يُنوى تنظيمه في الربيع لاختيار رئيس وأعضاء للبرلمان.

وقضت المحكمة الدستورية في تركيا الخميس بتجميد الحسابات البنكية الخاصة بحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد.

ويأتي القرار في إطار قضية تسعى إلى حظر حزب الشعوب الديمقراطي، على خلفية صلاته المزعومة بحزب العمال الكردستاني المحظور.

وينفي حزب الشعوب الديمقراطي وهو ثالث أكبر حزب في تركيا، وجود مثل هذه الصلات.

قضية محاكمة عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو حرّكت المعارضة التركية لفترة وجيزة لكن ذلك لم يدم طويلاً

وكان الادعاء طلب من المحكمة تجميد الحسابات البنكية لحزب الشعوب الديمقراطي، التي تتلقى تمويلا من خزانة الدولة، خلال سير القضية.

ومن المتوقع أن يتلقى الحزب 539 مليون ليرة (28.7 مليون دولار) قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة منتصف 2023.

وانتقد الحزب في تغريدة قرار المحكمة ووصفه بأنه “محاولة لتعطيل عملية انتخابية نزيهة وديمقراطية”.

وقال المحامي سرهات ارين إن الحزب سوف يستأنف ضد قرار المحكمة. ويسعى مقيمو الدعوة إلى منع العديد من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي من ممارسة السياسة.

وشكّل حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعاني من مضايقات النظام منذ 2016 ثالث قوّة في البرلمان التركي إثر نيله 12 في المئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية سنة 2018.

وتتراوح أعمار أغلبية الأكراد بين العشرين والخامسة والعشرين من العمر وفي استحقاق العام 2023 سيصوّت الكثيرون منهم للمرة الأولى في حياتهم. وهم الأكثر تأثّرا بسياسة الحكومة، لذا من المفترض أن يرصّوا الصفوف، فهم محرّك التغيير، حسب مراقبين.

6