غياب التنوع يضع وسائل إعلام مصرية في ورطة "التطبيل"

أزمة ساويرس وبعض الإعلاميين تثير جدلا حول الدفاع عن الأنظمة الحاكمة.
الجمعة 2023/01/06
تلميع لا يحبه الجمهور

بعض الإعلاميين المصريين أضحوا يرسمون سياستهم التحريرية على عبارات الثناء، ما يفرز أنماطا من التسلق لتحقيق مصالح شخصية لبعض هؤلاء عبر المساحات الممنوحة لهم، ما يجعل هناك فرصا أكبر لنشر رسائل توصف بـ”التطبيل” على حساب رسائل أخرى جادة وإن كان ذلك بغير توجيه مباشر.

القاهرة - أثار رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس جدلاً بعد أن أعاد نشر تغريدة ساخرة على تويتر تحمل اتهامات لأبرز مقدمي برامج التوك شو بـ”التطبيل” للنظام الحاكم، ما فتح الباب أمام توجيه انتقادات لوسائل الإعلام ومذيعيها، وانحاز الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما ذهب إليه ساويرس، على الرغم من الردود القوية عليه من جانب بعض الإعلاميين المصريين.

وفتحت التغريدة النقاش حول حدود أدوار وسائل الإعلام في الدفاع عن الأنظمة الحاكمة عموما، وما إذا كان هذا السلوك يحمل أبعادا وطنية في وقت تتعرض فيه الكثير من الدول العربية، ومن بينها مصر، لمخططات تخريب كانت ضمن أسباب اشتعال الصراع في عدة دول، أم أنه يسهم في تزييف الوعي والواقع وخداع المواطنين.

ويواجه الإعلام المصري اتهامات باستخدام عبارات الثناء والإشادة دوما بالنظام الحاكم، والتي تصل إلى حد عدم التوقف عن مديحه في “الحق والباطل أيضا”.

ويتفق خبراء الإعلام على أن سلوك بعض مقدمي البرامج والكتاب والصحافيين أمر ليس له علاقة بأدبيات الإعلام ومهنيته، وتسبب في عزوف قطاعات واسعة من الجمهور عن متابعة الكثير من وسائل الإعلام التقليدية.

ويشير مفهوم “التطبيل” الذي انتشر بكثرة مؤخراً إلى إضفاء الثناء على الحاكم أو المسؤول الكبير وكل من بيدهم الأمر، سواء أكانوا يستحقون ذلك أم لا.

ووصف ساويرس الأخبار التي بثتها مواقع رسمية وأكدت تنظيمه حفلة خاصة لمصالحة الإعلاميين الذين طالتهم سخريته بـ”الكلام الفارغ”، ما يشير إلى أن موقفه يحمل انتقادات حادة لم تتغير، تحديداً وأنه وجد في أكثر من 12 ألف تعليق على الصورة التي نشرها تأييداً لوجهة نظره، وحملت التدوينة أبعادا سياسية أكبر من مجرد انتقاد الإعلام الذي يشكل بوقًا للنظام المصري.

سلوك بعض الصحافيين ليس له علاقة بأدبيات الإعلام، وتسبب في عزوف الجمهور المصري عن متابعة وسائل الإعلام

ونشر ساويرس صورة لبعض الإعلاميين حيث يحمل كل منهم “طبلة” في يديه وعلق عليها، قائلاً “فيه واحد ناقص”، لتنهال التعليقات من متابعيه على تويتر.

بعدها بساعات علق الإعلامي عمرو أديب على التغريدة الذي ظهرت فيها صورته، قائلًا “إحنا مكسبناش (لم نكسب) من التطبيل قد ما أنت كسبت من تطبيلك يا نجيب، جايز (قد) تطبيلنا كان له أصوات إنما تطبيلك كان له أبراج ودولارات ويا خسارة وعجبي”، في إشارة إلى أن رجل الأعمال المصري حقق مكاسب مادية كبيرة.

وضمت الصورة المنشورة مجموعة من نجوم “التوك شو” في مصر، وهم عمرو أديب وأحمد موسى وتامر أمين ومحمد الباز ومعتز عبدالفتاح ومصطفى بكري.

واشتبك إعلاميون طالتهم الاتهامات مع الملياردير المصري وأفسح هؤلاء مساحات من برامجهم لتوجيه الانتقادات له، وبرر أحمد موسى في برنامجه “على مسؤوليتي” بفضائية “صدى البلد” سلوك الإعلاميين بأنه دعم للدولة المصرية في مواجهة الأعداء ومن أسماهم “الطابور الخامس”.

واشتبك موسى مع ساويرس على تويتر، قائلاً “عيب عليك يا نجيب، نحن ندافع عن وطن وشعب، لن ننسي دورك وقناتك (أون.إي) في 2011 التي استخدمتها لضرب القوات المسلحة والشرطة والقضاء، رغم أنك أكثر من كون الثروات في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، هذا هو نجيب مصلحته أولا.. عيب عليك يا نجيب.. وما خفي أعظم”.

ورد ساويرس على تغريدة موسى، قائلًا “شرف لي أني كنت في ثورة 25 يناير، وستظل نقطة فارقة في تاريخ مصر رغم إنها سرقت.. لعزوف شبابها عن السياسة وسيئاتها”.

ويقف الإعلام المصري في وجه سهام النقد التي تنهال عليه من اتجاهات مختلفة ولا يقتصر الأمر على قادة الرأي أو الجمهور العام، ويواجه في كثير من الأحيان بلوم من الرئيس عبدالفتاح السيسي، ودائما ما وجه انتقادات لوسائل الإعلام لعدم قيامها بالدور التوعوي السليم.

وبرهنت حالة الاحتقان بين رجل الأعمال وبعض الإعلاميين على حجم المشكلات التي يعاني منها الإعلام في مصر جراء غياب التنوع في المضامين المقدمة، ويعني الاستمرار على نفس الوتيرة دون تصويب أو تقليل الخسائر، في حين أنه يشكل ذراعاً للدفاع عن النظام الحاكم، ومن المفترض أن تكون أدواره محصنة وليست سببًا في الطعنات التي يتلقاها من وسائل إعلام معارضة يعمل بعضها لحساب جماعة الإخوان.

وقال عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في مصر محمد شومان إن سلوك الدفاع عن الأنظمة التي تتبناه بعض وسائل الإعلام والسقوط في فخ “التطبيل” موضوع جدلي، لأن الصحافة من الناحية التاريخية كانت أبرز مهامها تدور حول فكرة النقد وعدم الاستغراق في المديح المستمر وذكر الإيجابيات وتفنيد السلبيات.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الوضع يختلف في كثير من دول العالم الثالث والتي تكون فيها جرعة الإشادة زائدة ومبالغا فيها أحيانا، ويختفي النقد عن خارطة الإعلام، وأن الخبرات منذ خمسينات وستينات القرن الماضي وحتى الآن تشير إلى أنه مع رحيل أي نظام تظهر سيئاته وأخطائه، وأضحى الرأي العام العربي على قناعة بأن وسائل الإعلام تساند الحكومات وتؤيدها على طول الخط.

وشدد شومان على أن الإعلام التقليدي يعاني من فقدان ثقة الجمهور بما يتم بثه، والأزمة الأخيرة كان بطلها موقع التغريدات تويتر، والأمر لا يتعلق بالسياسات التحريرية أو المضمون المقدم لكن هناك تراجعا على مستوى التقدم التكنولوجي والاستجابة للمتغيرات في هذا الإطار، ما يجعلنا أمام وسائل إعلام تقدم مضامين ضعيفة بألوان إعلامية مستهلكة، ما ساعد على اتجاه قطاع من الجمهور إلى الشماتة في الإعلاميين.

وهذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الملياردير المصري الإعلاميين في بلاده، حيث قام بمشاركة منشور الشهر الماضي يتضمن صورا لعدد منهم حمل اتهامات لهم بـ”التطبيل” للطغاة، واستثنى من القائمة الإعلامية لميس الحديدي زوجة عمرو أديب والإعلامي إبراهيم عيسى واعتبرهما أكثر ثقافة وموضوعية واحترافا.

ويمكن أن يؤدي الإعلام أدواره على مستوى خدمة النظام وإفادة الرأي العام من خلال التعددية وإتاحة الفرصة أمام جميع وجهات النظر للتعبير عن نفسها، وأن تضييق مسار الحريات يسهم بالوقوع في ورطة التطبيل التي تضر الجميع، بما فيها الأنظمة التي تدافع عنها وسائل الإعلام.

ويبدو الإعلامي الذي لديه رؤية ويمتلك أدوات مهنية ويقدم رسائل مستنيرة أفضل للوطن وللإعلام من المنافق، وقد تكون هناك اختلافات في وجهات النظر التي يقدمها هؤلاء سواء أكانوا يدافعون عن الحكومات أو ينتقدونها، لكن في النهاية تبقى جدية الموضوعات المثارة وكيفية تناولها طاغية على كل اتهامات بالمجاملة أو التطبيل، وهو ما تفتقده غالبية برامج “التوك شو” المصرية التي تعاني انحصاراً في تأثيرها.

5