الاقتصادات العربية لا تملك حلولا كثيرة لمواجهة ركود 2023

أبوظبي - كان العام الماضي شديدا على اقتصادات أغلب الدول العربية وخاصة الدول غير النفطية، حيث تراجع عدد منها، فيما سجل آخر انهيارا كبيرا في قيمة العملة وارتفاعا في نسب البطالة وشحا للسلع الضرورية.
وتفيد مؤشرات أكبر المؤسسات الاقتصادية أن عام 2023 تحول ليكون إحدى أكثر السنوات توقعا لحدوث ركود يبدأ من الولايات المتحدة وإن كان معتدلاً، بفعل اجتماع عدة عوامل تجعل من الركود أمرا لا مفر منه.
الركود الذي يتوقع أن ينتقل عبر المحيط إلى المملكة المتحدة ثم إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تواجه القارة العجوز أزمة تضخم وطاقة وحربا في شرقها. أبرز العوامل المجتمعة اليوم لحدوث ركود: التضخم العالمي، التشديد النقدي، حرب شرق أوروبا، تفشي كورونا في الصين، أزمة الطاقة العالمية.
وعلى مدار الأشهر الماضية، بالغت الولايات المتحدة في تحفيز اقتصادها استجابة لوباء كوفيد – 19، ما أدى إلى حدوث تضخم ليس داخل حدودها فحسب، بل خارجها أيضا، وأدى طلب المستهلكين النهم على السلع إلى تقوية سلاسل التوريد العالمية وارتفاع الأسعار.
وهذا الأسبوع، قال صندوق النقد الدولي إن ثلث دول العالم على الأقل ستعاني من ركود في العام الجاري، مشيرا إلى أنه سيكون عاما صعبا على الاقتصاد العالمي.
◙ الركود يتوقع أن ينتقل عبر المحيط إلى المملكة المتحدة ثم إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تواجه القارة العجوز أزمة تضخم وطاقة وحربا في شرقها
وسبق أن كانت التوقعات الدورية لصندوق النقد الدولي في أكتوبر من أكثر توقعاته قتامة منذ سنوات. وقال الصندوق فيها “باختصار، الأسوأ لم يأت بعد. وفي 2023 سيشعر الكثيرون بالركود”.
كما يحذر محللون من أن استمرار الأزمات الجيوسياسية واحتمالات تراجع أسعار النفط، قد يعني أن البورصات العربية ستشهد تراجعا في 2023، أكان في الدول النفطية أو غير النفطية.
ويشير المحللون إلى أن بعض هذه الدول قد يشهد اتساعا في فجوات الفقر والبطالة، ما قد يولد حالة من الغضب الشعبي تسبب ضغوطا إضافية على الحكومات.
أمام كل هذه المخاوف، تترقب الدول العربية تبعات هذا الركود على اقتصاداتها، والتي لم يتعاف معظمها من تبعات جائحة كورونا خلال عامي 2020 و2021، والحرب الروسية - الأوكرانية وضغوطات التضخم.
فعليا، تأثرت غالبية الدول العربية من التشديد النقدي الذي نفذه البنك الفيدرالي الأميركي بزيادة أسعار الفائدة سبع مرات في 2022 على الأموال الاتحادية، وتبعات ذلك على ارتفاع كلفة القروض والواردات المقومة بالدولار.
وكما بقية الأزمات السابقة، لن تكون تأثيرات خطر الركود بنفس الدرجة على الاقتصادات العربية، والتي تنقسم بين منتجة للنفط ومستهلكة له. نجحت الدول المنتجة للنفط في أكثر من أزمة سابقة في إدارة التحديات الاقتصادية التي واجهتها، بفضل الملاءة المالية المطمئنة التي تتمتع بها بفعل عائدات النفط الخام والغاز الطبيعي.
وأبرز الدول العربية التي تملك احتياطات مالية مرتفعة، هي: السعودية، قطر، الإمارات، الكويت، الجزائر، العراق، وبدرجة أقل، سلطنة عمان والبحرين وليبيا.
وبينما قد يدفع الركود نحو إبطاء الطلب على مصادر الطاقة التقليدية، إلا أن العقوبات على النفط الروسي قد تبقي أسعار النفط عند مستويات مطمئنة فوق 80 دولارا للبرميل، وهو مستوى مقابل وداعم لاقتصادات الدول العربية النفطية.
وفي حين تم تعديل توقعات النمو بالنسبة إلى معظم البلدان من جانب صندوق النقد الدولي، فقد تم تعديل توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف لدول مجلس التعاون الخليجي.
ويرجع ذلك جزئيا إلى مزيج من استمرار عائدات النفط القوية للدول المصدرة، والتي ستوفر حاجزا لاقتصاداتها وتسمح لها بتحقيق فوائض مالية كبيرة، وتخفيف التضخم.
في المقابل، تواجه الدول المستهلكة للنفط تحديات أكبر قد تعيدها سنوات إلى الوراء، لأنها لم تتعاف حتى اليوم من تبعات الجائحة والحرب الروسية – الأوكرانية.
◙ محللون يحذرون من أن استمرار الأزمات الجيوسياسية واحتمالات تراجع أسعار النفط قد يعني أن البورصات العربية ستشهد تراجعا في 2023
هذا العام، اضطرت مصر إلى تحريك عملتها هبوطا أمام الدولار، وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي، بينما تعاني بلدان مثل تونس والأردن والسودان ولبنان من أزمات اقتصادية متباينة.
تونس التي طلبت مساعدة الصندوق أيضا ما تزال بانتظار توافق الأطراف كافة داخل البلاد قبيل موافقة الصندوق، فيما أنهى الأردن مؤخرا موجة احتجاجات وقودها ارتفاع أسعار الديزل.
وتعني فرضية الركود أن الدول العربية المستوردة للخام ستدخل عاما ثالثا سلبيا على المستوى الاقتصادي، بحكم اعتماد جزء من النقد الأجنبي الوارد إليها على العمالة المهاجرة، والتي قد تتأثر مداخيلها بالركود.
كذلك، يلقي الركود بثقل مالي على الأسر والشركات حول العالم، ما يعني زيادة التقشف لتوفير النفقات الأساسية، والمحصلة تراجع السياحة الوافدة إلى العديد من الدول العربية بصدارة مصر الباحثة عن مداخيل للنقد الأجنبي.
وتعتبر عائدات السياحة حتى قبيل الجائحة إحدى أهم ثلاثة عائدات لمصر من النقد الأجنبي، إلى جانب تحويلات العمالة المصرية في الخارج، وعائدات الصادرات.
ورغم أن سوق النفط توفر انتعاشا إضافيا لمصدري الخام من الدول العربية إلا أن المنطقة ليست محصنة ضد الضغط العالمي، بسبب التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة.