الإمارات تعزز توطين الوظائف وتنتظر من المواطنين تعديل توقعاتهم

تعمل الإمارات العربية المتحدة على تنظيم قطاع الشغل بما يسمح بتوطين الوظائف الحكومية، بينما تشترط على القطاع الخاص تشغيل نسب محددة من المواطنين للحد من معدلات البطالة الآخذة في الارتفاع لعدة أسباب، حيث يرفض الإماراتيون العمل في بعض الوظائف ويفضلون انتظار فرص الالتحاق بالقطاع العام.
دبي - ينظر الحالمون بالعمل في الإمارات العربية المتحدة إلى هذه الدولة على أنها واحدة من أكثر الدول التي تتوفر فيها فرص الشغل، والتي تدرّ عوائد مالية مهمة تمكن الفرد من عيش حياة مرفهة وضمان مستقبل أفضل، لكن الواقع في الدولة الخليجية الغنية يبدو مختلفا نسبيا حيث يعاني بعض مواطني الإمارات من البطالة، ويبدو عدد منهم عاجزا عن إيجاد عمل مناسب.
ويعود ذلك إلى اختلاف الرواتب بين القطاعين العام والخاص، وأن توطين الوظائف لم يكن أمرا إلزاميا خلال السنوات الماضية.
ترك الباحث الإماراتي خليفة السويدي وظيفته الحكومية في يونيو الماضي ولكنه يواجه صعوبات حتى الآن في سعيه للانتقال إلى القطاع الخاص، مع اقتراب انتهاء مهلة حددتها السلطات لتوطين وظائف القطاع الخاص.
وكانت السلطات في الإمارات منحت مهلة للشركات الخاصة التي توظف أكثر من 50 شخصًا لضمان أن يكون ما لا يقلّ عن 2 في المئة من موظفيها من مواطني الإمارات العربية المتحدة، وبعد المهلة تصبح الشركات المخالفة لذلك تحت طائلة الغرامات.
ويقول السويدي (34 عاما) “وصلنا إلى مرحلة لدينا فيها تنوع بين الإماراتيين من ناحية المهارات والخبرات. والقطاع العام لا يمكنه استيعاب الكثير من هذه المواهب”.
في الإمارات واحدة من أدنى نسب البطالة في الشرق الأوسط، ولكن أرقام البطالة في صفوف الإماراتيين غير متاحة
ويتابع الشاب “يجب أن يكون القطاع الخاص أكثر استيعابا”.
وبحسب أرقام صادرة عن منظمة العمل الدولية فإن أكثر من 90 في المئة من القوى العاملة ضمن القطاع الخاص في الإمارات تتألف من أجانب.
وتشير المنظمة الدولية إلى أن المواطنين الإماراتيين يمتهنون أساسا وظائف مستقرة وذات رواتب جيدة نسبيًا في القطاع العام الواسع في البلاد. ولا تعرض شركات القطاع الخاص رواتب مماثلة.
ويقول السويدي “أقوم منذ فترة بالتقدم إلى وظائف لكن دون أي نتائج”، موضحا أن الكثير من المشغّلين لم يقوموا بتوظيفه لكونهم افترضوا أنه سيطلب راتبا مرتفعا.
ومع اقتراب المهلة المحددة اعتبارًا من الأول من يناير 2023 تسارع الكثير من الشركات إلى تعيين الإماراتيين، بينما يقول الكثير من العاملين في شركات التوظيف إنهم تلقوا إشعارات حول عدة وظائف شاغرة من شركات لن تستطيع نسبة هامة منها تحقيق أهدافها في الوقت المناسب.
ويوضح حمزة الزوالي المؤسس لشركة “إيريس إكزيكوتيفس” المتخصصة في توظيف مواطني دول مجلس التعاون الخليجي “سيكون الأمر صعبا”.
وتواجه الشركات غير الملتزمة غرامات تصل إلى 6000 درهم (1633 دولارًا) عن كل وظيفة لا يشغلها مواطن إماراتي ضمن النسب التي حددتها الحكومة.
استياء
تعد الإمارات العربية المتحدة مركزا إقليميا رئيسيا للكثير من الشركات العالمية، وهي واحدة من بين الدول العشر الأغنى في العالم سنة 2020، بحسب الأمم المتحدة.
ويقول صندوق النقد الدولي إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات تجاوز 47 ألف دولار، وهو أعلى من فرنسا وأعلى بقليل من المملكة المتحدة.
ويشكل الأجانب 85 في المئة من سكان الدولة الخليجية التي تقدم أنواعا جديدة من التأشيرات وتقوم بإصلاحات اجتماعية لجذب العمال المهرة واستمرار بقائهم.
وفي الإمارات واحدة من أدنى نسب البطالة في الشرق الأوسط، ولكن أرقام البطالة في صفوف الإماراتيين غير متاحة.
وحدد مركز دبي للإحصاء نسب العاطلين عن العمل في الإمارة بـ4.2 في المئة عام 2019، مشيرا إلى أن 68 في المئة منهم لم يعملوا من قبل. ووفقا للمركز ارتفعت نسبة البطالة بين الإماراتيين في دبي على أساس سنوي منذ عام 2012 عندما كانت تبلغ 2.57 في المئة.
مركز دبي للإحصاء حدد نسبة العاطلين عن العمل في الإمارة بـ4.2 في المئة عام 2019، مشيرا إلى أن 68 في المئة منهم لم يعملوا من قبل
وترى الباحثة الإماراتية في جامعة أكسفورد ميرا الحسين أن هناك “استياء” في أوساط بعض المواطنين، خاصة بعدما أجرت الحكومة في العام الماضي تعديلات على القانون الاتحادي يمنح المستثمرين الأجانب الملكية الكاملة للشركات الأجنبية، بدلا من حصة 49 في المئة كما كان الأمر سابقا.
وتقول الحسين “في السابق كان بإمكان الإماراتيين غير الراغبين في الانضمام إلى القطاع الخاص الانتظار للحصول على وظيفة في القطاع العام، أو بدء عملهم الخاص أو أن يصبحوا الشريك المحلي بنسبة 51 في المئة في الأعمال التجارية”.
وتضيف “تجفيف هذه المصادر المتعددة (…) أدى إلى تضييق الخيارات المتاحة”.
وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى بعض المواطنين منصة رئيسية للتعبير عن استيائهم مما تصفه الحسين بأنه أمر نادر الحدوث، مضيفة “لم نشهد مثل هذه المناقشات العامة”.
وبدا هذا جليا في وقت سابق من هذا الشهر بعدما أثار إعلان يدعو الإماراتيين إلى التقدم لوظيفة “محضّر ساندويتشات” غضبًا واعتبره البعض محاولة مهينة لتوفير فرص عمل، ما دفع السلطات إلى فتح تحقيق.
وكتب أحد مستخدمي تويتر بشأن الإعلان عن الوظيفة الشاغرة “هذا استهزاء”.
وكتب آخر في تغريدة أعادت نشرها المئات من الحسابات “قلّ عدد الوظائف الإدارية والمالية والفنية ليصل الأمر إلى ‘محضر ساندويتشات؟!’ آه يا زمن”.
تحفيز
وكان وزير الموارد البشرية والتوطين الإماراتي عبدالرحمن العور أكد في الشهر الماضي أن أكثر من 14 ألف إماراتي دخلوا سوق العمل في عام 2022، وما معدله 100 شخص ينضمون إلى سوق العمل بشكل يومي.
وبهدف تحفيز المواطنين أعلنت الحكومة في الشهر الماضي عن دعم رواتب المواطنين في القطاع الخاص ومنحهم علاوة مالية تصل إلى 7000 درهم (1906 دولارات) إذا كان الراتب الشهري لا يزيد على 30 ألف درهم (8168 دولارا).
وبصفة عامة لا يوجد للإماراتيين حد أدنى للرواتب، أما في إمارة الشارقة فهو 25 ألف درهم (6807 دولارات).
من جانبها تؤكد الباحثة غير المقيمة في مركز دول الخليج العربية بواشنطن إيمان الحسين أن الإمارات تنضم إلى “دفعة أكبر في الخليج لتغيير ديناميكيات العلاقة بين الدولة والمجتمع” وإبعاد المواطنين عن الوظائف الحكومية.
وتضيف “تريد دول الخليج من مواطنيها تعديل توقعاتهم، والإسهام (في الاضطلاع) بشؤون الدولة والقبول بوظائف مع ساعات أطول وربما بدخل أقل”.
وبحسب الزوالي “ليس من الممكن” أن تستمر حكومة الإمارات في توفير الوظائف.
ويتابع “الطريقة الأكثر استدامة هي ضمان استمرار قيام الاقتصاد باستيعاب وتدريب الإماراتيين والعمل معهم”.