الهوية قصة معقدة على حدود حي مسيحي ومخيم فلسطيني في بيروت

قصة ضبية.. سكان فلسطينيون يحافظون على علاقات جيدة مع جيرانهم اللبنانيين.
السبت 2022/12/24
السنوات لم تنجح في إزالة الحواجز العنصرية

ضبية (لبنان) - يصعب الانتباه للمخيّم الفلسطيني الوحيد ذي الأغلبية المسيحية في لبنان، فهو مخبأ بين التلال شمال بيروت أسفل دير ماروني، ولا ترفرف خارجه الأعلام على عكس مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في البلاد.

لكن القصة مختلفة خلف الأبواب المغلقة. ففي أحدث عشاء جماعي، رقص الحاضرون الذين يرتدون قبعات بابا نويل على الأغاني الفلسطينية الشعبية مثل “علّي الكوفية” ملوحين بالأوشحة الفلسطينية التقليدية أو المناديل لمحاكاتها.

ولسكان المخيم، الذي تأسس في 1956 على أرض تابعة للدير المطل عليه، أسباب وجيهة لعدم لفت الأنظار. حيث كانت المنطقة معقلا للميليشيات اللبنانية المسيحية التي قاتلت منظمة التحرير الفلسطينية خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 15 عاما. ودمرت الميليشيات خلال الحرب المخيمين الفلسطينيين الآخرين في المناطق المسيحية (جسر الباشا وتل الزعتر) وقتلت سكانهما أو شتتتهم.

الكثير من الفلسطينيين تزوجوا بلبنانيين ومنحوا الجنسية، لكن بعض اللبنانيين يواصلون اللوم عليهم في الحرب الأهلية

وغزا الجيش اللبناني ضبية في 1973 وغزتها ميليشيا الكتائب اللبنانية في 1976، فهرب العديد من السكان ووجد أولئك الذين بقوا أنفسهم على الجانب الآخر من خطوط القتال من إخوانهم الفلسطينيين، ومعظمهم من المسلمين.

ونسي باقي اللبنانيين الفلسطينيين في ضبية إلى حد كبير في العقود التي تلت انتهاء الحرب في 1990.

وقال أنيس محسن مدير تحرير المجلة العربية الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية “بسبب الفصل بين المناطق… بين الأحياء الإسلامية والأحياء المسيحية في لبنان، عُزلت الأقلية التي بقيت في مخيم ضبية عن المجتمعات الأخرى”.

وتعتبر قصة ضبية مثالا على تفكك المجتمعات الفلسطينية الأوسع.

وفر مئات الآلاف من الفلسطينيين أو أجبروا على ترك منازلهم خلال حرب 1948 بسبب قيام إسرائيل. وتنتشر اليوم عدة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان، وكذلك الضفة الغربية وغزة التي احتلتها إسرائيل في 1967.

ويُفصل الفلسطينيون بالحواجز الجغرافية والسياسية، لكن الاختلافات الدينية بين المسيحيين والمسلمين ليست نقطة انقسام بشكل عام.

قال أنطوان حلو، وهو عضو اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، أقام سابقا بجسر الباشا، “نحن شعب واحد. المصائب التي نمر بها كفلسطينيين أكبر من التفكير في من هو مسلم أو مسيحي”.

تركت الانقسامات الطائفية في المجتمع اللبناني مع ذلك بصماتها في المجتمع الفلسطيني.

ويتذكر المعلم المتقاعد يوسف نعمة، البالغ من العمر أربعة وثمانين عاما، المقيم في ضبية وأصيل قرية البصة المدمرة في إسرائيل اليوم، أنه عندما كان شابا في لبنان كانت تربطه علاقات صداقة بأفراد من المخيمات ذات الأغلبية المسلمة. ثم انقطعت هذه الروابط بسبب الحرب الأهلية، “ليس لأنهم لا يريدون زيارتنا أو لا نودّ زيارتهم، ولكن بسبب المجتمع اللبناني”.

فرّ عيد حداد، البالغ من العمر 58 عاما، من ضبية مع عائلته بعد غزو المخيم في 1976 ومقتل شقيقه على يد مقاتلي الكتائب. وقال إنه من الصعب أن يشعر بالانتماء في أي مكان.

وتابع “نُرفض في المنطقة المسيحية لأننا فلسطينيون، وفي المنطقة الإسلامية لأننا مسيحيون”.

الاختلافات الدينية بين المسيحيين والمسلمين ليست نقطة انقسام
الاختلافات الدينية بين المسيحيين والمسلمين ليست نقطة انقسام

وعاد بعض سكان ضبية الذين فروا، مثل نعمة وزوجته، بعد انتهاء القتال. بينما لم يعد آخرون، مثل حداد الذي يعيش اليوم في الدنمارك. وقال “أتمنى أن أعود، لكن كل الذكريات تعود في كل مرة أفكر في سيناريو الرجوع”.

وأصبح المخيم اليوم موطنا لحوالي ألفي نسمة، وهم مزيج من الفلسطينيين واللبنانيين واللاجئين السوريين. وقال وسام قسيس، رئيس لجنة مدنية مُنظّمة، إن حوالي 530 عائلة تعيش في المخيم، منها 230 فلسطينية.

وقال سكان فلسطينيون إنهم يحافظون على علاقات جيدة مع جيرانهم اللبنانيين. وتزوج الكثيرون منهم ومنح بعضهم الجنسية اللبنانية. لكن بعض اللبنانيين يواصلون إلقاء اللوم على الفلسطينيين في الحرب الأهلية في البلاد. ويُمنع الفلسطينيون في لبنان من امتلاك العقارات والعمل في العديد من القطاعات.

قالت تيريز سمعان، التي تعيش في منزل من غرفتين بنته أسرتها، ثم أعيد بناؤه في 1990 بعد أن قُصف أثناء القتال بين الفصائل اللبنانية المسيحية المتنافسة، “يطلب الكثيرون عودتنا إلى فلسطين أو إرجاعنا إليها”.

وأضافت “لكننا نعيش بشكل أفضل من المخيمات الأخرى”.

ويتلقى المخيم خدمات محدودة من الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى) التي تأسست قبل عقود لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين.

العديد من الفلسطينيين المسلمين في لبنان إما لايعرفون المخيم أو ينظرون إلى سكانه بعين الريبة، معتقدين أنهم متحالفون مع الأحزاب اللبنانية المسيحية اليمينية

 وتدير الوكالة عيادة وتنظف الشوارع لكنها لا تدير مدرسة في المخيم. وتقرر إغلاق مدرسة تابعة للأونروا في ضاحية برج حمود القريبة في بيروت في 2013 بسبب انخفاض معدلات التسجيل، وهو تراجع مؤلم بين السكان المحليين.

وكانت العلاقة مع المسؤولين الفلسطينيين محدودة بدرجة أكبر حتى وقت قريب. وفي عام 2016، شكّلت ضبية لجنتها الخاصة للوساطة مع وكالة الأمم المتحدة والسفارة الفلسطينية والفصائل السياسية.

وقال قسيس إنه ليس للفصائل نفسها وجود نشط في ضبية، ويمارس سكان المخيم أنشطة سياسية منخفضة.

وقال “على سبيل المثال، إذا سمعنا عن قصف للقوات الإسرائيلية في غزة، فسنقيم صلاة على الأكثر. نحن لا نخرج ولا نحتج بطريقة عنيفة”.

والعديد من الفلسطينيين المسلمين في لبنان إما لايعرفون المخيم أو ينظرون إلى سكانه بعين الريبة، معتقدين أنهم متحالفون مع الأحزاب اللبنانية المسيحية اليمينية التي سيطرت على المنطقة خلال الحرب. واعترف قسيس بأن هذا صحيح في حالات أقلية صغيرة.

وأضاف “يوجد أناس يحبون فلسطين كثيرا وهناك أشخاص لا يحبونها. لكنها نسبة صغيرة من الأشخاص الذين انضموا إلى الجانب الآخر. نحن نكافح لخلق المزيد من الشعور بالانتماء”.

وفي إحدى المبادرات الجديدة، يلعب الرياضيون الشباب من ضبية كرة السلة وكرة القدم جنبا إلى جنب مع لاعبين من المخيمات الفلسطينية الأخرى. وقال قسيس إن المباريات أدت إلى تجديد العلاقات.

وتتحدث ريتا الموسى، إحدى اللاعبات البالغة من العمر ثمانية عشر عاما، باللهجة اللبنانية، وقد درست في مدارس لبنانية ولها أصدقاء لبنانيون، ولم تشعر بارتباط يذكّر بجذورها الفلسطينية، لكنها الآن تلعب كرة القدم مع مجموعة من الشابات من مخيمي شاتيلا ومار إلياس في بيروت. وقالت “أصبحنا أقرب إلى المخيمات الفلسطينية الأخرى نتيجة لذلك”.

6