القندورة القسنطينية تزيّن الجزائريات ببصمة أصلية

يعدّ اللباس التقليدي هوية البلدان ورمز الحضارات، فالقندورة القسنطينية التي تزين النساء في الشرق الجزائري ما زالت تحتفظ بخصوصياتها في التطريز والبصمة الأرستقراطية التي تضفي على الجزائريات جمالا وهيبة، وما زال المصممون يحافظون على أصالتها رغم بعض التحديثات.
قسنطينة (الجزائر) - لا تزال القندورة القسنطينية تمثل بصمة أصلية تأبى الزوال، حيث تفتخر كل امرأة في هذه المحافظة بارتداء شتى أنواع هذا اللباس التقليدي في المناسبات وتحتفظ بها مع مجوهراتها الثمينة، كما تحرص على نقل هذا الموروث الثقافي عبر الأجيال.
وتعتبر القندورة القسنطينية تقليدا يعود إلى ما قبل الحقبة الاستعمارية، حيث كانت تمثل زي أرستقراطيات المدينة وزوجات البايات ونساء الطبقة الراقية، لما لها من دلالات رمزية وجمالية، حسب ما ذكره الباحث حيدر رواق لوكالة الأنباء الجزائرية.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن القندورة أو “الجلوة” المصنوعة من خيط الحرير يعود تاريخها إلى 1450 ميلادي، وسميت بها الاسم نسبة إلى منطقة في إيطاليا، وعندما انتشر هناك المحتالون هرب الصناع بصناعتهم إلى ليون الفرنسية التي كانت مركز صناعات النسيج في فرنسا.
ووفقا للباحث رواق، هناك عدة أنواع من هذه القندورة تختلف باختلاف الزخارف التي تحملها ومن أشهرها ”المجبود” و”التارزي” اللذين يحملان عادة شكل “المرش” أو “القناوية” أو الدودة، لافتا إلى أن هناك نوعا لا يقل شهرة هو الآخر يدعى ”الشامسة” وله سبعة ألوان، بالإضافة إلى أنواع أخرى نادرة على غرار قندورة ”التل” وقندورة ”الشطار” التي تعرف بأنها مزيج بين لونين مختلفين في الجزئين العلويين.
ويمر تحضير القندورة بمرحلتين، الأولى تكون عند “الفراض”، وهو فنان يضع أشكال النمط الذي تختاره المرأة على الجلد ثم يركب على القماش، وهي مرحلة دقيقة جدا كونها تُعد مثالا بيانيا للحراجة.
أما “الحراجة”، فهي التي تطرز القندورة بكل دقة وصبر لمدة أشهر، وبعد ذلك يتم الرش بوضع “الكنتيل” و”العقاش”، وهي عملية عادة ما تتكفل بها مساعدة للحراجة أو حرفية مبتدئة، لتكون الخياطة آخر مرحلة.
وأشار رواق إلى أن الإبداعات التي أضفاها المصممون بمرور الزمن جعلت أنواع ”الكوكتيل” و”الشعرة” و”الفتلة” ألبسة تروي قصصا عن عشق الخياطين وتألقهم عبر الأزمنة في فن تزيين هذا اللباس وتطريزاته المميزة في التقنية والأساليب الخاصة التي يتم من خلالها تشكيل خيوط الذهب والفضة على الرسومات التي توضع على أفخر أنواع القماش.
وذكر رواق أنه رغم التطور الحاصل في مجال الأزياء إلا أن قندورة “القطيفة” القسنطينية حافظت على مكانتها ورونقها ولم يتم تعويضها بلباس آخر رغم اختلاف التسميات التي تركها الأجداد.
وبالنسبة إلى مدير الفرع الجهوي للشرق للمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ حسين طاوطاو، فإن اللباس هو أحد المكونات الأساسية لثقافة وحضارة أي بلد، مضيفا أن الجزائر تزخر بالعديد من المقومات الثقافية والحضارية في مختلف المجالات خاصة اللباس وذلك عبر كل مناطق البلاد، مثل قسنطينة التي اشتهرت بالقندورة.
ويرى أن هذا التراث اللامادي يتميز بكونه ”أصليا وخاصا بمنطقة معينة دون غيرها، وهما الشرطان الأساسيان في ملف اقتراح إدراج هذا الزي التقليدي النسوي للشرق الجزائري بجميع أنواعه المحلية ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)”.
وأفادت السيدة زينب من الأزقة الضيقة بالمدينة العتيقة، بأن الخياطين أصحاب محلات بيع القندورة ”لا يزال لديهم شغف رغم كبر سنهم في الإبداع في حياكة هذا الزي التقليدي بخيط الذهب ومخمل الحرير بخاصيات معينة، ويتفننون في طرزها وتصويرها في أبهى حلة نظرا إلى أنه اللباس الذي تحرص العروس على اختياره بعناية وارتدائه”.
وأردفت قائلة ”لا يخلو أي منزل بقسنطينة من قندورة القطيفة كونها أحد رموز الأناقة، لذا فإن كل عروس تحضره في جهازها إلى درجة أن العديد من الأسماء الكبيرة من زوجات شخصيات سياسية أو نجمات الغناء والتلفزيون من داخل وخارج الوطن ارتدين هذا اللباس في المناسبات البارزة”.
وبتوارث الأجيال لهذا الموروث الثقافي، أصبحت القندورة القسنطينية قطعة أساسية في حفلات الأعراس تفتخر بامتلاكها النساء الجزائريات، حيث تختلف جودة القطعة حسب نوعية القماش وجودة الخيط المستعمل في الطرز سواء من الفضة أو الذهب وكذلك الأحجار المستخدمة في التزيين.