حكومة الكويت تواجه ضغوطا نيابية لتمرير قوانين شعبوية

تعمّق الضغوط النيابية لتمرير مشاريع قوانين لا تخلو من شعبوية أزمة الحكومة الكويتية التي اضطرت إلى استخدام صلاحية تأجيل النظر في تلك المشاريع مؤقتا على أمل ربح الوقت، لكن مراقبين يرون أن الاصطدام مع نواب المعارضة بشأنها واقع لا محالة.
الكويت - تواجه الحكومة الكويتية وضعا صعبا هذه الأيام في ظل أزمة داخلية تعانيها في علاقة بطرح وزير الدفاع الشيخ عبدالله علي عبدالله السالم الصباح استقالته، وضغوطا نيابية تستعجل تمرير قوانين لا تخلو من شعبوية، وتتناقض مع مسارات الإصلاح المالي والاقتصادي التي تنشدها الحكومة.
ومنحت المادة السادسة والسبعون من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح متنفسا لتأجيل المواجهة مع نواب المعارضة، حيث استخدمت الحكومة حق طلب إرجاء النظر في سبعة مشاريع قوانين ذات صبغة مالية، منحها المجلس صفة “استعجالية” وذلك لمدة أسبوعين.
ويرى متابعون أن الحكومة فضلت تأجيل النظر في تلك المشاريع المثيرة للجدل مؤقتا على أمل ترتيب أوراقها المبعثرة في الداخل، وحل أزمة وزارة الدفاع التي تفجرت عقب موافقة الحكومة على تشكيل لجان برلمانية تعنى بالنظر في ملفات فساد وتجاوزات خاصة بالوزارة.
وتدرك حكومة الشيخ أحمد النواف أن أي اصطدام مع مجلس الأمة الذي تسيطر عليه المعارضة الآن سيعمق أزمتها ويزيد من إضعاف موقفها، وبالتالي ترى أنها في حاجة إلى ربح الوقت بانتظار حسم الفوضى التي تواجهها.
ويقول المتابعون إن اصطدام الحكومة بنواب المعارضة المتسلحين بسيطرتهم على المجلس التشريعي، يبدو أنه واقع لا محالة مع إصرار هؤلاء على تمرير مشاريع قوانين غير قابلة للتنفيذ وستضع الدولة في موقف مالي يصعب تجاوز آثاره.
وقال مقرر لجنة الشؤون المالية والاقتصادية النائب صالح عاشور إنه “من حق الحكومة التأجيل، لكنها يجب أن تستغل هذا التأجيل في تزويد اللجنة بالبيانات المطلوبة”.
ومن بين مشاريع القوانين التي تم تأجيلها قانون شراء قروض المواطنين وإسقاط الفوائد الذي تحفظت عليه الحكومة سابقا، بالإضافة إلى مشروع استرداد الفوائد المحصلة بشكل غير قانوني من البنوك، وإلغاء المادة الثمانين من قانون التأمينات الاجتماعية الخاصة بصرف المكافآت للقياديين في الدولة بشكل استثنائي.
في المقابل أقر مجلس الأمة قانوني منع تعارض المصالح وتجريم الشخصية الاعتبارية (المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري) وأحالهما إلى الحكومة، فيما شرع في مناقشة تقرير لجنة شؤون الإسكان بشأن تأسيس شركات إنشاء مدن أو مناطق سكنية وتنميتها اقتصاديا.
وتثير مشاريع القوانين التي تم تأجيلها تحفظات كثيرة من قبل الحكومة بالنظر إلى كلفتها الثقيلة على خزينة الدولة، في الوقت الذي كانت تنشد فيه الحكومة إصلاحا حقيقيا يقلص النفقات بدل زيادتها.
ولا تنحصر هذه التحفظات في موقف الحكومة بل لدى نواب أيضا لكنهم يمثلون أقلية في مقابل أغلبية مع تمرير تلك المشاريع، وفي مقدمتها مشروع شراء القروض.
وقال عضو اللجنة المالية النائب عبدالوهاب العيسى في تصريح بالمركز الإعلامي لمجلس الأمة في وقت سابق إنه بعد الاجتماع مع وزير المالية ومحافظ البنك المركزي تبين أن كلفة أصل الدين للقروض المشمولة بالاقتراح تقدر بـ14.6 مليار دينار.
وأوضح العيسى أنه حسب الأرقام التي أعلنها البنك المركزي خلال اجتماع اللجنة فإن الدولة لا تملك السيولة المالية الكافية وبالتالي ستتجه إلى الاقتراض لتغطية هذا المبلغ، مؤكدا أن الفوائد التي ستترتب على اقتراض الدولة ستبلغ 8.6 مليار دينار على مدى خمس وعشرون سنة، ما يعني أن الكلفة الإجمالية لمشروع قانون إسقاط القروض ستبلغ أكثر من 23 مليار دينار.
ولفت إلى أن هناك رأيا آخر بأن يتم خصم المئة وعشرين دينارا بدل غلاء المعيشة لتسديد مبلغ الـ14.6 مليار دينار، ولكن البنك المركزي أفاد بأن العمل بهذا الرأي يعني أن يستغرق الأمر 81 سنة لتسديد المبلغ. ورأى العيسى أن هذه المدة الطويلة تعني العدم لأن قيمة هذا المبلغ بعد 81 عاما ستكون منعدمة فعليا، مما يشكل خسارة محققة للدولة.
وقال النائب في اللجنة المالية “لو افترضنا أنه تم إقرار قانون الدين العام بقيمة 20 مليار دينار فإنه لو تم سحب مبلغ الـ14.6 مليار دينار من اليوم الأول ويتم تسديدها على مدى 25 سنة فلن يتبقى من الدين العام سوى 6 مليارات دينار وهذا المبلغ لن يحقق شيئا للدولة، مما يعني أن جميع المشاريع التنموية في الكويت ستتعطل لأكثر من 25 سنة”.
وأوضح أنه في “البعد الاقتصادي هذا الاقتراح يعاقب فكرة المستهلك الرشيد الذي لم يقترض، لأنه في حال تم إقرار القانون وإسقاط القروض فإن الغالبية ستعود إلى الاقتراض من جديد وهذا الأمر سيترتب عليه ضخ المليارات من الدنانير في السوق المحلي مما ينعكس على تضخم كبير وخطير جدا يتضرر منه المستهلك الرشيد الذي سترتفع عليه الكلفة وسيضطر إلى الاقتراض على أمل أن تسقط الدولة القروض مرة أخرى”.
الحكومة الكويتية تفضل تأجيل النظر في بعض المشاريع المثيرة للجدل مؤقتا على أمل ترتيب أوراقها المبعثرة في الداخل وحل أزمة وزارة الدفاع
وأكد العيسى أن السير في هذا التوجه سيؤدي إلى ارتفاع كلفة القروض في السنة المقبلة إلى 40 أو 50 مليار دينار. وشدد على أن مثل هذه القوانين تستهدف تحسين معيشة الناس، لكن المبلغ المطلوب لإسقاط القروض كبير جدا وسيصيب الميزانية العامة للدولة بشلل تام.
وقال “أنا مدرك أن قرار التحفظ على مشروع القانون ستكون له كلفة سياسية عالية جدا علي ولكن آثرت تحمل هذه الكلفة على أن أحمّل الدولة مبلغ 23 مليار دينار، وإذا كان ثمن بقائي كعضو بمجلس الأمة سيكون على حساب الدولة وهذا المبلغ الكبير فعسى ألاّ أكون أصبحت عضوا بمجلس الأمة ولا فزت بالانتخابات القادمة”.
وفيما لا يبدي بعض النواب الذين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة ومنهم العيسى موافقتهم على مشروع قانون شراء القروض، فإن الأغلبية النيابية تدفع بشدة لتمريره، ومنهم مقرر شؤون اللجنة المالية صالح عاشور، الذي هاجم موقف الحكومة وقال في تغريدة له “الحكومة غير موافقة على قانون شراء القروض وتذهب إلى الأردن لمساعدته ودعم العراق بمؤتمر المانحين”.
وأضاف عاشور “ميزانية العراق ثلاثة أضعاف ميزانية الكويت إلى جانب الودائع المليارية بمصر ولبنان.. نحن غير معنيين بحل مشاكل العالم على حسابنا”.
وإلى جانب مشروع قانون شراء القروض يسعى نواب المعارضة لتمرير مشروع زيادة المعاشات، واسترداد الفوائد المحصّلة بشكل غير قانوني من البنوك، وترى الحكومة أن مثل هذه المشاريع تعيق جهود تعافي الاقتصاد الكويتي.