استسهال تشكيل تحالفات يهدر طاقات النواب المستقلين في العراق

توجه بعض المستقلين إلى تشكيل تحالفات يخدم أجندة المنظومة السياسية التي تسيطر على المشهد الحالي في البلاد.
السبت 2022/12/17
أصوات مشتتة

بغداد - أعلن تحالف "وطن" النيابي المشكّل حديثا عن انضمام عضو جديد في البرلمان العراقي إليه هي النائب نور نافع الجليحاوي التي انشقت سابقا عن “حركة امتداد” التشرينية، وسط أنباء عن مفاوضات تجري بين هذا الحلف الوليد وعدد آخر من النواب.

ويقدم تحالف "وطن" الجديد نفسه على أنه يجسد نواة معارضة صلبة للأغلبية الحاكمة المتمثلة في ائتلاف “إدارة الدولة” في العراق، لكن أوساطا سياسية عراقية تشكك في قدرته على التأثير، مشيرة إلى أن الإعلان عن مثل هذه التحالفات لا يخدم جهود بناء معارضة جدية، بل يقود إلى المزيد من التفتت والتفكك في أوساط المستقلين.

وأضافت الأوساط نفسها أن هذا التوجه لبعض المستقلين نحو استسهال تشكيل تحالفات وتكتلات، هو في واقع الأمر يخدم أجندة المنظومة السياسية التي تسيطر على المشهد الحالي في العراق، ويهدر طاقات كان من المتأمل أن تجتمع لتشكل عنصرا ضاغطا داخل البرلمان العراقي.

وقال تحالف "وطن" في بيان الجمعة، "نعلن انضمام النائب نور نافع الجليحاوي إلى عضوية التحالف بعد التفاهم على المبادئ العامة والثوابت الوطنية". وأضاف البيان أنه بانضمام الجليحاوي يكون "بذلك عدد أعضائه ستة من السيدات والسادة أعضاء مجلس النواب".

◙ هيمنة الإطار وحلفائه من المكونين السني والكردي يجعل من الصعب رؤية معارضة مؤثرة داخل البرلمان

وكان هذا التحالف أعلن عن نفسه الأحد الماضي وقال إن هدفه الأساسي مراقبة عمل حكومة محمد شياع السوداني. ويضم التحالف الناشئ خمسة نواب هم ناظم الشبلي، وسجاد سالم، وياسر وتوت، وحيدر طارق الشمخي وأسامة البدري.

وقال النائب الشبلي خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة بغداد بمشاركة نواب التحالف الجديد “نحن مجموعة من النواب المستقلين الرافضين لمنطق فرض الإرادات في العمل السياسي اجتمعنا بتاريخ الثاني من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الجاري تزامنا مع العيد الوطني لبلدنا الحبيب حرصاً منا على شكل وهوية المسار الديمقراطي في العراق ورفضاً لاستغلال أصوات ناخبينا ضمن مزادات تجارة المواقف والمبادئ التي تشهدها العملية السياسية في العراق".

وأضاف الشبلي "قررنا الإعلان عن تأسيس تحالف نيابي يضم مجموعة من النواب المستقلين داخل مجلس النواب العراقي يحمل اسم تحالف ‘وطن النيابي’ وتمت تسمية النائب ياسر إسكندر وتوت رئيساً له والنائب حيدر طارق الشمخي أميناً عاماً لهذا التحالف".

وأوضح أن "تشكيل التحالف جاء لتكثيف الدور الرقابي على عمل مؤسسات الدولة لتعزيز آليات مراقبة الأداء الحكومي في ما يتعلق بمكافحة الفساد المستشري ودعم ملف الخدمات الأساسية وتطوير قطاعات الدولة المهمة كالتربية والتعليم والزراعة والصناعة والصحة والاستثمار وتعزيز دور القوات الأمنية بمختلف أصنافها وتشكيلاتها في حفظ أمن وسيادة البلاد، وتعزيز الدور التشريعي لمجلس النواب بتبني مشاريع قوانين مهمة تنسجم مع متطلبات الشعب بكافة شرائحه بما يضمن حرياتهم وتحسين واقعهم الخدمي والمعيشي وتحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية".

ويسيطر تحالف “إدارة الدولة” الذي يقوده الإطار التنسيقي ويضم القوى الموالية لإيران على البرلمان العراقي، بعد أن نجح في إزاحة التيار الصدري الفائز في الانتخابات الأخيرة من العملية السياسية.

ويرى متابعون أن هيمنة الإطار وحلفائه من المكونين السني والكردي يجعل من الصعب رؤية معارضة مؤثرة داخل البرلمان، فضلا عن كون المستقلين كانوا أضاعوا فرصة ذهبية منذ البداية لفرض أنفسهم رقما صعبا في المعادلة العراقية خلال الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد وامتدت لعام كامل.

ويبلغ عدد المستقلين في البرلمان العراقي نحو 48 نائبا، لكنهم موزعو الانتماءات، فبعضهم قريب من الإطار التنسيقي، والبعض الآخر قريب من التيار الصدري المنسحب، وقسم يقول إنه يمثل حراك تشرين.

وقد كان جزء كبير من العراقيين يأمل في أن يضع هؤلاء المستقلين اختلافاتهم جانبا وأن يشكلوا جبهة وازنة قادرة على التأثير والضغط، لكن ما حصل هو أن تعاطيهم مع العمل السياسي غلب عليه التردد وقلة الخبرة السياسية، فضلا عن انتصار الكثير منهم للولاءات وهو ما أهدر فرصة كبيرة لبروز معارضة نيابية صلبة، في مواجهة المنظومة الحاكمة.

◙ الأمل الوحيد أمام العراقيين قد يكون بالعودة إلى الشارع في خطوة ستكون تكلفتها البشرية كبيرة جدا

ويعاني العراق منذ نحو عقدين من سيطرة نظام المحاصصة الحزبية والطائفية، وقد سعى التيار الصدري الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للإطاحة بها، لكنه فشل في ذلك وأجبر على الخروج من الباب الصغير، ليحكم خصومه من الشيعة السيطرة على السلطة.

ويسود تشاؤم في صفوف العراقيين حيال إمكانية تغير هذا الوضع لاسيما في ظل الظرف الراهن، ويرى البعض أن الأمل الوحيد قد يكون العودة إلى الشارع مجددا، في خطوة ستكون تكلفتها البشرية كبيرة جدا، فيما يبدو الرهان على معارضة من داخل المنظومة أمرا غير مجدٍ.

ويقول المتابعون إن إعلان كيانات نيابية جديدة في صفوف المستقلين هي خطوة لن تزيد وضع المستقلين إلا ضعفا، ولن تؤتي الإفادة التي يرجو القائمون عليها تحقيقها، وذلك بغض النظر عن الشعارات الكبيرة التي ترفع.

واعتبر عضو التحالف الجديد سجاد سالم أن "التحالف الوليد يضم مستقلين اجتمعوا في سبيل تحقيق أهداف وقيم تمثل شرائح المجتمع العراقي المختلفة وخاصة الطبقات الهشة والفقيرة، ولأجل ضمان تمثيلها سياسيا وبرلمانيا والدفاع عن مصالحها ومطالبها تحت قبة مجلس النواب".

وأضاف سالم في تصريحات صحافية أن "هذه الخطوة تأتي في ظل محاولات لفرض إرادات سياسية على العراقيين ومصادرة حقوقهم، ولهذا تشكل هذا التحالف من أجل تمثيل القيم الحقيقية لمجتمعنا، والدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية، ويطمح التحالف كذلك لتفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب العراقي ورفض منهج المحاصصة".

3