تناغم بين الحكومة ومجلس الأمة يفسح المجال لجهود مكافحة الفساد في الكويت

انعكست الأجواء الإيجابية التي طبعت العلاقة بين الحكومة الكويتية ومجلس الأمة بشكل إيجابي على التعامل بينهما، وسط تقارب كبير مسجل حيال مقاربة عدد من الملفات وفي صدارتها مكافحة الفساد التي تعد إحدى المعضلات التي تعوق أي جهود للإصلاح.
الكويت – تصدرت مكافحة الفساد أولويات مجلس الأمة الكويتي خلال جلساته الأخيرة عبر التوجه نحو سنّ جملة من التشريعات، وتشكيل لجان نيابية للنظر في قضايا سبق أن هزت الرأي العام المحلي، على غرار صفقتي طائرات فرنسية وأوروبية.
وتعثرت جهود مكافحة الفساد في الكويت خلال السنوات الماضية على خلفية الصراعات السياسية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لكن مراقبين يرون أن الوضع متاح اليوم لوضع أسس تشريعية وقانونية صلبة لمحاربة هذه الآفة في ظل التناغم المسجل بين حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، ومجلس الأمة.
ويرى متابعون أن هناك إرادة سياسية في الكويت لإنهاء ملفات شائكة سبق أن أثرت بشكل كبير على المناخ السياسي في البلاد وحالت دون تحقيق الإصلاحات المنشودة، مشيرين إلى أن هناك ضوءا أخضر لفتح كل تلك الملفات خاصة التي لها علاقة بالفساد.
وأقر مجلس الأمة الخميس، في قراءة أولى، تعديلا على قانون الجزاء بتحديد نطاق المسؤولية على الشخصية الاعتبارية في جرائم الفساد، على أن يصادق المجلس في قراءة الثانية على نص القانون الجديد بعد بحث اللجنة التشريعية التعديلات المطروحة.
ترافق ذلك مع تشكيل ثلاث لجان جديدة تعنى بالتحقيق في “القسائم الصناعية وطائرات الكاراكال وقرعة ضباط الجيش”، في وقت كلف فيه المجلس لجنة البيئة بالتحقيق في أسباب عدم الاكتفاء الذاتي الغذائي والمعوقات التي تواجه المنتجات الغذائية المحلية.
وقال رئيس اللجنة التشريعية النائب مهند الساير، بحسب “الجريدة” المحلية، إن تعديل قانون الجزاء فيما يتعلق بتحديد المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري في جرائم الفساد من القوانين المهمة، وهو مشروع حكومي رائد، وأن هناك حاجة ماسة إلى الاستعجال في هذا القانون.
ولفت الساير إلى أن هذا التعديل جرى بتوافق حكومي نيابي حول الكيانات التي ترتكب الجريمة، حيث هناك صعوبة في تجريم الشخص الاعتباري الذي ارتكب الجريمة في هذه الكيانات، لذلك جاء هذا التعديل ليكون متوافقا مع متطلبات مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في الكويت.
وتتيح التعديلات الجديدة على القانون تتبع المؤسسات والشركات الخاصة، وحرمانها من إبرام تعاقدات مع الحكومة.
واعتبر النائب مبارك الحجرف أن تعديل قانون الجزاء جاء ليسد فجوة كبيرة، وقال “نحتاج إلى قانون آخر في مكافحة الرشوة بالقطاع الخاص، حتى يكتمل مثلث مكافحة الفساد”.
وذكر النائب عبدالكريم الكندري أن تعديل قانون الجزاء فيما يتعلق بتحديد المسؤولية الجزائية للشخص الاعتباري في جرائم الفساد استحقاق وطني، لافتا إلى وجود الكثير من القوانين التي تنظم متابعة الفساد في القطاع الحكومي، لكن هناك قطاعا كاملا آخر بات بيئة خصبة للفساد في القطاع الخاص، وأغلب جرائم الفساد تحدث في هذا القطاع من أشخاص اعتباريين، لذلك لا بد من إقرار القانون.
وأعاد الكندري التذكير بقضية الصندوق الماليزي حيث كانت غالبية التعاملات فيها باسم شركات خاصة تتعامل مع الحكومة، وبموجب هذا القانون سيتم حرمان هذه الشركات من التعامل مع الحكومة، كما أن هناك شركات وهمية تم تشكيلها من أجل غسل الأموال، ولذلك أصبح هذا القانون ضرورة وطنية قصوى لمكافحة الفساد.
ويقول مراقبون إن خطوة تعديل قانون الجزاء مهمة في سياق جهود محاصرة الفساد وتجفيف منابعه، مستدركين بالقول إن إقرار التشريعات على أهميتها لكنها تبقى غير كافية إذا ما لم يجري تنزيلها على أرض الواقع.
ويشير المراقبون إلى أن ذلك ينسحب أيضا على تشكيل لجان نيابية معنية بقضايا فساد، حيث أن أي نتائج تتوصل إليها تلك اللجان في حاجة إلى تعاون من الحكومة، وهو ما لم يكن متاحا في السابق حيث اعترضت الحكومات السابقة على تشكيل لجان برلمانية في قضايا منظورة أمام القضاء.
ويلفت هؤلاء إلى أن الوضع اليوم مختلف وهناك حرص سواء من حكومة الشيخ أحمد النواف وأيضا من النواب على أن يكون التفاعل إيجابيا فيما بينهما حيال الملفات المفصلية ومن بينها ملف مكافحة الفساد.
وصادق مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي الأربعاء على تشكيل لجنتي تحقيق في “مخالفات” شابت إبرام صفقتي طائرات عسكرية فرنسية وأوروبية، وسط ترحيب من وزير الدفاع الكويتي.
وكان 21 نائبا قد تقدموا في نوفمبر الماضي بطلب لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية مدتها ثلاثة شهور، وذلك للتحقيق في عقدي طائرات الكاراكال الفرنسية واليوروفايتر الإيطالية، وما شابهما من مشاكل فنية ومخالفات.
وقال مجلس الأمة، في بيان، إنه “وافق على تشكيل لجنة تحقيق بشأن فحص عقدي طائرات كاراكال (فرنسية) ويوروفايتر (أوروبية)”.
وأوضح المجلس أن الصفقة الأولى شابتها “مشاكل فنية جسيمة واعتراف الشركة الفرنسية بشكل رسمي بتقديم عمولة”، بينما شابت الثانية “ملاحظات ومخالفات”، وفق البيان دون أن يقدم دلائل أو تفاصيل.
كما وافق المجلس على “تشكيل لجنة تحقيق فيما أثير من شكاوى حول استبعاد مستوفين للشروط من الدخول في القرعة النهائية لدفعة الطلبة الضباط في الجيش”.
وعقب قرار البرلمان الذي لم يقدم تفاصيل بشأن موعد نتائجه، أكد وزير الدفاع الشيخ عبدالله علي العبدالله السالم الصباح “أهمية التعاون مع مجلس الأمة من خلال العمل مع اللجان التي يشكلها للتحقيق والنظر في أي موضوعات تتطلب المتابعة والبحث”.
وفي بيان لوزارة الدفاع الكويتية، أشار العبدالله السالم الصباح إلى “حرص الوزارة على العمل مع اللجان التي يشكلها مجلس الأمة من خلال توجيه مختلف قطاعاتها العسكرية منها والمدنية إلى مد يد التعاون مع هذه اللجان”.
وأكد وزير الدفاع الكويتي “السعي إلى إيضاح جميع الحقائق وترسيخ مبدأ الشفافية والوضوح في تعاملها مع جميع اللجان المختصة”.
وأعلنت الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) في التاسع عشر من يناير 2018 أنها باشرت مهامها “بشأن ما أثير من شبهات في صفقة مروحيات كاراكال” بعد أقل من شهر من إحالتها من الحكومة إلى الهيئة للتحقيق فيها.
وفي يناير 2020، أحال النائب العام آنذاك المستشار ضرار العسعوسي، بلاغ قضية “يوروفايتر” وشبهة الإضرار بالمال العام، والمتهم فيه وزير دفاع أسبق وآخرون إلى لجنة التحقيق الدائمة الخاصة بـ”محكمة الوزراء”، وفق ما ذكرته صحيفة “القبس” المحلية آنذاك.
وفي يوليو 2022، انعقدت المحكمة وسط نفي المتهمين للاتهامات الموجهة إليهم بـ”الإضرار العمدي بالمال العام وإخفاء معلومات عن جهات رقابة”، أعقبه إخلاء سبيلهم.
وحددت محكمة الوزراء يوم العشرين من ديسمبر الجاري للنطق بالحكم في القضية، والمتهمة فيها شخصيات بارزة، منهم مسؤولون سابقون.