التيار الصدري غائب لكنه حاضر في خلافات الإطار التنسيقي

حكومة السوداني لن تبتعد عن توجهات مقتدى الصدر في القضايا الجوهرية.
الخميس 2022/12/15
التيار الصدري يفرض مواقفه رغم الغياب

غاب التيار الصدري عن الحكومة لكنه لا يزال حاضرا في كل الخلافات، فرئيس الحكومة محمد شياع السوداني لا يبدي تحررا من سلطة التيار، وإنما هو يعمل كغيره من القوى السياسية على تجنب المساس بمصالح التيار الذي لا يزال طرفا صعبا في معادلة الأمن والاستقرار في العراق.

بغداد - تشير وسائل إعلام عراقية إلى وجود خلافات “حادة” على عدة مستويات بين عموم القوى السياسية للمكونات الأساسية الثلاثة الشيعة والسنة والأكراد، وفي داخلها، من بينها وأهمها الإطار التنسيقي الذي يقود حكومة محمد شياع السوداني.

وتأتي الخلافات داخل الإطار التنسيقي في صدارة اهتمام العراقيين، حيث يمثل الحزب الحاكم ويتحكّم في معظم قرارات السلطة التنفيذية.

ولهذا يقول الصحافي والمحلل العراقي رائد الحامد إن “أي خلافات داخل الإطار التنسيقي ستكون لها تداعيات على الحياة اليومية للعراقيين”.

وتعكس صيغة بيان اجتماع الإطار التنسيقي الذي عُقد في منزل رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في 11 ديسمبر الجاري، جزءا من الخلافات “غير المعلنة” داخل الإطار.

وحول مخرجات الاجتماع ذكر البيان أن الاجتماع عقد “لمناقشة آخر التطورات السياسية والأمنية في البلاد”، حيث استمع المجتمعون إلى ملخص عن مشاركة العراق في القمة الصينية – العربية بالرياض، ومستقبل العلاقات العراقية – الصينية.

لكن البيان لم يذكر أي تفاصيل أخرى تتعلق بموضوع المناقشة، أي التطورات السياسية والأمنية في البلاد، عدا ما يتعلق بالعلاقات مع الصين.

خلافات متعددة

رائد الحامد: القوى السياسية تتجنب المساس بمصالح التيار الصدري ومكاسبه
رائد الحامد: القوى السياسية تتجنب المساس بمصالح التيار الصدري ومكاسبه

رغم أن حكومة السوداني جاءت بتوافق قوى ائتلاف إدارة الدولة‏ الذي يضم إلى جانب الإطار التنسيقي جميع القوى الأساسية الأخرى التي شاركت في تشكيل الحكومة وفق المحاصصة السياسية بين الشيعة والعرب السنة والأكراد، فإن الحكومة في حقيقتها هي حكومة الإطار التنسيقي و”اللون الشيعي الواحد” بعد إقصاء التيار الصدري من المشهد السياسي، وإن السوداني جزء أصيل من قوى الإطار وهو ملزم بحضور اجتماعاته الدورية، وآخرها اجتماع ديسمبر الأخير.

وفي 28 نوفمبر الماضي عقد ائتلاف إدارة الدولة أول اجتماعاته، وهو الاجتماع الوحيد بعد تشكيل حكومة السوداني، في منزل الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، بحضور رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي وعدد من قادة الكتل والأحزاب السياسية لمناقشة الجوانب السياسية والفنية لقانون انتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب.

ووفق متابعين، ثمّة خلافات بين القيادات السياسية في ائتلاف إدارة الدولة حول رؤية قوى الإطار التنسيقي من جهة، والقوى السياسية الأخرى من جهة ثانية، في ما يتعلق بإجراء انتخابات جديدة لمجالس المحافظات.

كما أن هناك خلافات أخرى حول إجراء الانتخابات المبكرة وفق توقيتات زمنية أعلن عنها السوداني تبدأ بتعديل قانون الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر من منح حكومته ثقة مجلس النواب، وإجراء الانتخابات بعد عام من ذلك على ألا تتجاوز في سقفها الزمني نهاية العام 2023، وعلى أن تسبقها انتخابات مجالس المحافظات المعطلة منذ عام 2018.

وتسعى قوى متنفذة في الإطار التنسيقي إلى التراجع عن التعديلات الأخيرة في قانون الانتخابات الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة والعودة إلى النظام الانتخابي القديم، أي نظام الدائرة الانتخابية الواحدة لكل محافظة.

على السوداني فعل ما أمكن للحفاظ على الأمن والاستقرار الذي سيظل رهن قرارات قد يتخذها زعيم التيار الصدري

وقد أنتج النظام الانتخابي الجديد، الذي اعتُمد في انتخابات أكتوبر 2021، معادلة جديدة في توازن القوى السياسية حيث وضع التيار الصدري في المقدمة، فيما تراجع التمثيل النيابي لقوى الإطار التنسيقي مجتمعة -مقارنة بانتخابات عام 2018- إلى مستويات بعيدة عن أي إمكانية لإعلان نفسها الكتلة النيابية الأكثر عددا وتقديم مرشحها لتشكيل الحكومة.

وفي الواقع أجمعت قوى الإطار التنسيقي على حرمان التيار الصدري من تشكيل حكومة أغلبية وطنية كان من شأنها أن تقصيه من المشاركة في الحكومة التي كان الصدر يريد لها أن تكون عابرة للمحاصصة السياسية التي لا مكان فيها للخاسرين في الانتخابات، أي لا مكان فيها لقوى وأحزاب الإطار التنسيقي.

لكن الإطار التنسيقي الذي خسر انتخابات عام 2021 نجح في تشكيل هذه الحكومة بعد قرار غير مدروس لزعيم التيار الصدري يقضي بسحب أعضاء كتلته من مجلس النواب وإعلان استقالتهم في يونيو الماضي، بعد 8 أشهر من المحاولات الفاشلة لتشكيل حكومة أغلبية وطنية أو تقويض العملية السياسية بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

ولذلك، فإن قيادات الإطار التنسيقي تتخوّف من خسارتها الانتخابات مرة أخرى في حال الذهاب إلى انتخابات مبكرة مع استمرار العمل بالنظام الانتخابي متعدد الدوائر الذي يعطي أهلية التمثيل النيابي للمرشح الحاصل على أعلى عدد من أصوات الناخبين في دائرته الانتخابية.

استبدال المحافظين

القوى السياسية تتخوف من أن تؤدي التغييرات في مناصب المحافظين إلى المزيد من الخلافات بين قيادات الإطار والسوداني الذي يريد استبعاد المتورطين منهم بالفساد
القوى السياسية تتخوف من أن تؤدي التغييرات في مناصب المحافظين إلى المزيد من الخلافات بين قيادات الإطار والسوداني الذي يريد استبعاد المتورطين منهم بالفساد

تتمحور معظم الخلافات داخل الإطار التنسيقي حول قانون الانتخابات والتغييرات المنتظرة التي من أبرزها تعيين محافظين جدد لعدد من محافظات وسط وجنوبي العراق، وهي 9 محافظات يديرها محافظون تابعون للإطار التنسيقي أو التيار الصدري.

وتتخوف القوى السياسية من أن تؤدي التغييرات في مناصب المحافظين إلى المزيد من الخلافات بين قيادات الإطار والسوداني الذي يريد استبعاد المتورطين منهم بالفساد، أو الذين تدور حولهم شبهات فساد أو سوء إدارة ومحسوبية وفق توصيات لجنة تقييم أداء المحافظين التي شُكلت في نهاية الشهر الماضي بقرار من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

ويقول الحامد إنه “لتجاوز أي خلافات محتملة، قد يلجأ السوداني إلى استبدال المحافظين بآخرين من نفس الكيانات أو الأحزاب السياسية، فيما ستظل الخلافات قائمة على استبدال محافظ أو أكثر من أعضاء التيار الصدري في حال أقدم السوداني على استبدالهم بمحافظين من كيانات سياسية أخرى”.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن أعضاء في الإطار التنسيقي نفيهم أن تكون هناك أي خلافات بين قوى الإطار ورئيس الحكومة، وأن التأخير في إجراء تغيير المحافظين لا علاقة له بما يجري داخل الإطار التنسيقي، بل يعود ذلك إلى قضايا قانونية وإجراءات فنية تتعلق بتنفيذ الاتفاق بين السوداني وقيادات الإطار خلال مفاوضات تشكيل الحكومة على إجراء مثل هذه التغييرات.

قوى في الإطار التنسيقي تسعى إلى التراجع عن التعديلات الأخيرة في قانون الانتخابات الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة والعودة إلى النظام الانتخابي القديم

غير أن متابعين ومقربين من قيادات الإطار التنسيقي صرّحوا لوسائل إعلام محلية بوجود تباين في وجهات النظر حول آليات استبدال المحافظين بين رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الذي يحاول عدم المساس بمواقع أتباع التيار الصدري، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الرجل الأقوى والأكثر نفوذا في الإطار التنسيقي، وهو الذي يرى أن يأخذ السوداني في الحسبان ما يتعلق بالثقل السياسي للكتل السياسية، أي استبعاد أتباع التيار الصدري الذي هو الآن خارج العملية السياسية.

ويرى المحلل العراقي رائد الحامد أن “من الواضح أن معظم القوى السياسية المتنفذة تعمل جاهدة على تجنب أي مساس بمصالح أو مكاسب التيار الصدري في مؤسسات الدولة عموما لتفادي أي تداعيات محتملة لقرارات أو خطوات يتخذها السوداني ويمكن أن تثير حفيظة قيادات التيار التي ليس من المؤكد بعد أن رئيسها سيواصل اعتزال العمل السياسي أو أنهم سيغيبون تماما عن المشهد العام”.

وخلال المرحلة الراهنة صار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، يتخذ وضع “المراقِب” لتطورات الساحة السياسية وأداء حكومة محمد شياع السوداني التي يبدو أنها لا تبتعد كثيرا في الخطوط العامة عن توجهات زعيم التيار في قضايا جوهرية تتعلق بالانتخابات المبكرة وعدم تعديل قانون الانتخابات ومكافحة الفساد.

كما يبدو كذلك حرص السوداني على عدم المساس أو الاقتراب من مصالح أتباع التيار الصدري في الدرجات الوظيفية الخاصة أو نفوذ التيار في مؤسسات الدولة الأمنية والاقتصادية والخدمية، وهي معادلة حرجة سيكون على السوداني فعل ما أمكن لعدم الإخلال بها حفاظا على الأمن والاستقرار الذي سيظل رهن قرارات قد يتخذها زعيم التيار الصدري.

 

• اقرأ أيضا:

          عراق الطوائف هو قبر مفتوح

7