ريشي سوناك البريطانيون يحبّونه ويكرهون حزبه

لندن - لا يزال ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني في بداية مرحلته، لم يكن حذراً في السابق، ولا يبدو أنه قرّر تغيير ذلك، كما لم يكن متهوّراً في خطابه وإعلانه عن خططه، المعلنة منها وتلك التي تم تسريبها، كما في حالة منهج سوناك للتعامل مع أسماه ”الإرهاب الإسلامي“، والذي احتجّت عليه دوائر عديدة في بريطانيا وشنّت من أجل التنديد به وسائل إعلام كبرى حملات لم يتعب سوناك نفسه بالرد عليها.
قدم أبواه الهنديان، الطبيب والصيدلانية، إلى بريطانيا من شرق أفريقيا، أما هو فولد في ساوثامبتون في العام 1980. والتحق بالمدرسة الخاصة “وينشستر كوليدج“.
عمل نادلا في مطعم خلال العطل الصيفية، قبل أن ينضم إلى صفوف طلاب جامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد. وكانت رحلته الدراسية هذه رحلة حب وشراكة أيضاً، ففي أكسفورد تعرّف سوناك على مورتي نارايانا ابنة الملياردير الهندي ومؤسس شركة تكنولوجيا المعلومات العملاقة ”إنفوسيس“، ولن يمرّ وقت طويل قبل أن تصبح مورتي زوجة لسوناك.
الإنفاق الدفاعي قد يواجه ضغوطا، بعد أن تخلى سوناك عن التزام تراس بزيادته إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030
عمل محللا ماليا في بنك غولدمان ساكس، منذ العام 2001 وحتى العام 2004، وأصبح شريكاً في اثنين من صناديق استثمار تستخدم سياسات وأدوات استثمارية متطورة لجني عوائد تفوق متوسط عائد السوق أو معيارا ربحيا معينا، دون تحمّل نفس مستوى المخاطر. ويُعتقد أنه أحد أغنى أعضاء البرلمان البريطاني.
شغل منصب نائب عن حزب المحافظين لدائرة ريتشموند في يوركشاير في العام 2015، وأصبح وزيرا في حكومة تيريزا ماي قبل أن يكلفه بوريس جونسون بمنصب وزير الخزانة. لكنه استقال قائلا إنه شعر أن مقاربته للاقتصاد كانت “مختلفة تماما” عن نهج جونسون.
ومنذ أن تولى رئاسة الوزراء في 25 أكتوبر، والجميع يعدّ ذلك بمثابة إنجاز في حد ذاته أن يتوصل السياسيون في المملكة المتحدة إلى شخصية تتولى قيادة البلاد، بعد أن قذفوا بسلف سوناك، ليز تراس إلى الذئاب كما كانوا يقولون، فالعالم الخارجي في حالة اضطراب شديد، وتحقيق الاستقرار الداخلي أمرٌ مهم.
بالفعل، فقد نجح أول رئيس وزراء بريطاني ”غير أبيض“ بتأمين الاستقرار الاقتصادي وطمأن الحلفاء من واشنطن إلى كييف، وعمل على تهدئة الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من الخلاف بين بريطانيا والكتلة. لكن تحدياته بدأت للتو. فهو يواجه تباطؤا في الاقتصاد وأزمة في تكاليف المعيشة وحزب محافظين حاكما منقسما وغير محبوب بعد 12 عاما في السلطة.
النسبة الأسوأ
ورغم ارتفاع شعبيته إلا أن البعض من المحافظين أثاروا التساؤلات عما إذا كان ”المليونير“، وكان هذا تلميحاً وإشارة لسوناك، يدرك بالفعل حجم الضغوط المعيشية التي تواجهها الأسر في بريطانيا.
يقول جدعون سكينر، رئيس قسم الأبحاث السياسية في “إيبسوس”، إن “هذا بالتأكيد أفضل مما كان يحصل عليه جونسون في وقت سابق من هذا العام”. لكنه يرى أن شعبية سوناك لا تظهر بوادر لتحسين صورة حزب المحافظين.
وفي الاستطلاع نفسه، كان حزب المحافظين محبوبا بنسبة 26 في المئة فقط، ولم يعجب 62 في المئة من المستجوبين وهي أسوأ نسب منذ 15 عاما. وشمل مسح “إيبسوس” عبر الهاتف 1004 من الأشخاص مع هامش خطأ يقدر بأربع نقاط مئوية.
ويرحب العديد من الناخبين بسوناك باعتباره تغييرا عن تراس وجونسون الذي استقال في يوليو بعد ثلاث سنوات من الجدل في المنصب. لكن الحزب تولى السلطة منذ العام 2010، وهو ما يُصعّب على المحافظين تجنب اللوم عن مشاكل البلاد المالية.
عيّن سوناك مؤخرً محاميا كبيرا للتحقيق في مزاعم التنمّر المتعلقة بنائبه دومينيك راب، لأن الاتهامات المتعلقة بسوء السلوك العالقة بفريقه لا تزال تلطخ صورته.
يعتقد البعض أنه ليس من المستحيل على المحافظين إعادة بناء شعبيتهم قبل الانتخابات القادمة المقرّر إجراؤها بحلول نهاية العام 2024. لكن الأمر لن يكون سهلا، حيث تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن حزب العمال قد يفوز بسهولة.
اقتصاد ينكمش
اكتسب سوناك، حين كان رئيس الخزانة، شعبية من خلال إنفاق المليارات لدعم الشركات المغلقة ودفع رواتب العمال المسجلين، وذلك خلال جائحة كوفيد – 19. وعليه الآن أن يسلم جرعة مُرّة، حيث يتأثر الاقتصاد البريطاني بالوباء وبسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وغزو روسيا لأوكرانيا الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة على مستوى العالم.
وشهد الملايين من الأشخاص في بريطانيا ارتفاعا في فواتير الطاقة، رغم أن القيود التي فرضتها الحكومة حالت دون ارتفاع الأسعار أكثر. وتسببت الأعمال المعطلة بسبب الوباء ونقص الموظفين في فترات انتظار قياسية فيما يخص التمتع بالرعاية الصحية عبر الخدمة الوطنية في بريطانيا.
وازداد الوضع سوءا بسبب حزمة تراس غير الحكيمة من التخفيضات الضريبية غير المموّلة في سبتمبر، حيث نسفت سمعة المملكة المتحدة في الحكمة الاقتصادية وأضعفت الجنيه الإسترليني وزادت تكلفة الاقتراض وأدت إلى تدخل البنك المركزي في الإجراءات الطارئة. واستقالت تراس بعد أقل من شهرين في المنصب.
سوناك قال في أول خطاب له للأمة في أكتوبر الماضي إنه يقدر تماما مدى صعوبة الأمور، محذرا من “القرارات الصعبة القادمة”.
وساعدت ميزانية الطوارئ على دعم الجنيه وتهدئة الأسواق بتكلفة 25 مليار جنيه إسترليني، أي نحو 30 مليار دولار، من الزيادات الضريبية واحتمال خفض الإنفاق العام في المستقبل.
وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينكمش اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 0.4 في المئة في 2023 وأن ينمو بنسبة 0.2 في المئة فقط في 2024، وهي أسوأ التوقعات بين مجموعة الدول الصناعية السبع.
لكنه معتاد على التوقعات والعمل في الظروف الصعبة، فحين تولى سوناك منصب وزير الخزانة في فبراير عام 2020، وجد نفسه مضطرا لإدارة اقتصاد بريطانيا وسط أزمة تفشي جائحة كورونا وبدء إجراءات الإغلاق.
من الذي يحتاج إلى الطمأنة صحيح أن رحيل جونسون أثار القلق في كييف، حيث حظي دعمه القوي لمقاومة أوكرانيا للغزو الروسي بالإعجاب والاحترام. لكن سوناك موجود الآن.
وقد قدمت بريطانيا لأوكرانيا 2.3 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 2.8 مليار دولار، من المساعدات العسكرية منذ بداية الحرب، أكثر من أيّ دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة، وضغطت على الحلفاء لبذل المزيد لمساعدة كييف.
سافر سوناك إلى كييف لطمأنة الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأن سياسة بريطانيا لن تتغير في ظل قيادته. وقال “أنا فخور بالطريقة التي وقفت بها المملكة المتحدة معك منذ البداية. وأنا هنا اليوم لأقول إنها ستواصل الوقوف إلى جانب أوكرانيا”.
وتواصل لندن تدفق الدعم، حيث أعلنت مؤخراً أنها ستقدم أسلحة وتكنولوجيا مضادة للطائرات المسيّرة وثلاث مروحيات سي كينغ إلى أوكرانيا.
لكن الإنفاق الدفاعي قد يواجه ضغوطا حتى وإن كان الدعم المقدم لأوكرانيا مؤمّنا. وتخلى سوناك عن التزام تراس بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030.
قصة بريكست وأوهامها
يقول الخبراء اليوم إن بريكست أوهمت البريطانيين أنهم موشكون بمجرد الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي يضم الآن 27 دولة، على نعيم اقتصادي، وعقود سريعة وسهلة، لكن هذا لم يحدث.
علاقات بريطانيا مع أقرب جيرانها وأكبر شركائها التجاريين ظلت متوترة منذ أن غادرت في 2020 الاتحاد الأوروبي. وبدا جونسون وتراس مسرورين بإثارة غضب الكتلة لاسترضاء جناح حزب المحافظين القوي المتشكك في أوروبا.
كان سوناك أكثر مرونة، حيث أجرى مكالمات دافئة مع الزعماء الأوروبيين في الأيام التي أعقبت توليه منصبه. ويعد تحقيق تغيير ملموس أكثر صعوبة نظرا إلى القوة التي يتمتع بها أنصار بريكست المتحمسون داخل المحافظين.
وأدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2020 إلى إجراءات فحوص جمركية وخلق حواجز أخرى أمام الشركات التجارية مع الاتحاد، وأثار أزمة سياسية في أيرلندا الشمالية، وأنهى التدفق الحر لمواطني الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا لملء الوظائف الشاغرة.
ويمكن لبريطانيا أن تخفف الاحتكاك التجاري إذا وافقت على الانصياع لقواعد الاتحاد الأوروبي في بعض المجالات، مثل المعايير البيطرية أو الغذائية. ولكن سوناك قال بعد أن أثارت التقارير التي تفيد بأن الحكومة تسعى إلى توثيق العلاقات غضب المتشككين في أوروبا، إنه لن يقبل “التوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي”.
وقال الخبير التجاري في المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي ديفيد هينيغ إن رد الفعل العكسي “كشف مدى عمق مشكلة أوروبا بالنسبة إلى سوناك ولحزب المحافظين”.
وقال إن سوناك من مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويل، ولكنه أيضا براغماتي “يريد فقط علاقة ناجحة، ومن الواضح أنها ليست كذلك في الوقت الحالي“. وتابع هينيغ “أعتقد أن المشكلة تكمن في أنه ليست لديه أفكار جديدة حول كيفية إنجاح ذلك، ويواجه الكثير من المعارضة الداخلية“.
لعبة سوناك المفضة كانت خلال حملته ضد تراس، هي ”إثارة الرعب“ من الاقتصاد الذي يوشك على التدهور، حتى كتبت الصحافة البريطانية أن تصريحات سوناك تبدو وكأنها هجوم يستهدف التخفيضات الضريبية التي وعدت بها تراس.
لكن جميع التخفيضات الضريبية تم التراجع عنها، واتضح أن سوناك كان على حق. أما مسائل من هذا النوع فيعتبرها سوناك مجرد تفاصيل فهو يكرّر القول إنه جاء إلى منصبه للتصدي لـ”أزمة اقتصادية عميقة” إضافة إلى مهمة أخرى وضعها على عاتقه هي توحيد حزبه.
اتهمته صحيفة ”إندبندنت“ بأنه يودع أموالا في ملاذات ضريبية حول العالم، ونشرت تقريرا يزعم أنه أُدرج كمستفيد من صناديق الملاذات الضريبية في جزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان في العام 2020. لكن شيئاً من هذا لم يكن بوسع الصحيفة إثباته، بمقابل نفي قطعي من سوناك وفريقه القانوني.
يقول سوناك ”في ما يتعلق بالتنشئة الثقافية، أنا أذهب إلى المعبد في عطلة نهاية الأسبوع، أنا هندوسي، لكنني أحضر مباراة نادي ساوثامبتون لكرة القدم أيضا يوم السبت، يمكنك أن تمزج بين الثقافتين وهذا ما أفعله“. نافياً أن يكون قد تعرّض لأيّ نوع من الاضطهاد أو العنصرية في صباه.
بعد هذه الفترة القصيرة في منصب رئيس الوزراء، تحمل استطلاعات الرأي لسوناك أخبارا سارة وأخرى سيئة. فالبريطانيون يحبّون المصرفي السابق، لكنهم يكرهون حزبه. وحسب استطلاع رأي لوكالة “إيبسوس”، فقد قال 47 في المئة من المستطلعين إنهم يحبون رئيس الوزراء، بينما أفاد 41 في المئة بأنهم يكرهونه.