الإعلام المصري ظالم ومظلوم في أزمة منة شلبي

القاهرة - صب البعض من الفنانين في مصر غضبهم على الإعلام في الأزمة التي تواجهها الممثلة منة شلبي التي أوقفتها جمارك مطار القاهرة مؤخرا لحيازتها مواد مخدرة، وكان سبب الغضب أن بعض المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل نشرت صورا لما قالت إدارة الجمارك إنها متعلقات للفنانة المصرية.
أصدرت نقابة الممثلين بيانا طالبت فيه بالتريث حيال التعامل مع الاتهامات الموجهة لشلبي وانتظار التحقيقات التي بدأت معها في اليوم نفسه الجمعة الماضي بعد عودتها من رحلة قادمة من نيويورك وأفرجت عنها بكفالة مالية.
مطالبة النقابة لوسائل الإعلام بعدم الاستعجال في تناول الأزمة التي قد تتحول إلى قضية جنائية إذا أثبت تحليل المواد المضبوطة في المعامل المتخصصة أنها تحوي مخدرات بغرض التعاطي.
وكانت الانتقادات في محلها عقب تداول صورة لجواز سفر الممثلة يتضمن معلومات شخصية عنها، مثل سنها ومحل إقامتها وتاريخ صدوره وانتهاء العمل به، وهو ضمن أدوات الإثارة التي تلجأ لها بعض وسائل الإعلام بأنواعها في إطار المنافسة.
الإعلام المصري تحول إلى ظالم ومظلوم في الوقت نفسه، فالهجوم الذي تعرض له وحده وضعه في خانة الظالم
وتجاهل من ألقوا اللوم على الإعلام فقط وحملوه مسؤولية الزوبعة التي أحاطت بالممثلة المشاكل التي يمر بها، وأن قدرته على تصوير المضبوطات لدى إدارة جمارك مطار القاهرة أو أي جهة أخرى تكاد تكون صفر، لأن التطويق الذي يعيشه العاملون في المهنة لا يسمح بالوصول إلى هذه النوعية من الصور المحاطة بإجراءات مشددة إلا إذا كانت الجهة المتحكمة في سير التحقيقات سمحت بتسريب الصور لوسائل الإعلام.
وفي سابقة نادرة، ربما لم يشهدها الإعلام من قبل، أصدرت إدارة الجمارك بمطار القاهرة بيانا تفصيليا عرضت فيه جميع المضبوطات وأذنت بنشر صور موظفي الجمارك الذين قاموا بتفتيش حقائب الممثلة كأنهم ألقوا القبض على تاجر مخدرات، بينما كل ما وجد في إحدى الحقائب هو مواد قد يكون مسموحا بتداولها في بعض الدول.
وكشفت أزمة الممثلة شلبي عن أحد ملامح العوار الذي يعتري الإعلام المصري، والذي يحمله البعض المسؤولية بالحق أو الباطل، لأن الاتهامات تحولت إليه بما يشير إلى وجود من يريد تفريغ القضية من مضمونها أو لفت الأنظار لجهة أخرى، ولم يجرؤ من انتقدوه أو تطاولوا على العاملين في الإعلام على لوم الجهة التي تتحمل مسؤولية توصيل الصور مبكرا إلى بعض المواقع الإلكترونية بغرض نشرها.
وتحول الإعلام المصري إلى ظالم ومظلوم في الوقت نفسه، فالهجوم الذي تعرض له وحده وضعه في خانة الظالم، لأن مجرد الحديث عن النشر يعني أن هناك صحافيين قاموا بمتابعة الأزمة ونجحوا في تصوير متعلقات شلبي.
ومن يعرف دهاليز الصحافة في مصر حاليا يعلم صعوبة هذه المسألة ولم يعد هناك صحافيون قادرون على اختراق الحواجز أو مصادر تتحدث للإعلام من دون تلقي تعليمات، فقد تحولت معظم وسائل الإعلام إلى متلقّ للبيانات من الجهات الرسمية.
وأصبح الإعلام المصري مظلوما، فلم يعد بالكفاءة التي تمكنه من المتابعة الدقيقة والسريعة في أزمة شلبي التي كانت صورها في المطار أو وهي في طريقها في انتظار تحقيقات النيابة تتسرب إلى بعض المواقع ومنها إلى منصات التواصل الاجتماعي التي أدى رواجها لتعامل البعض مع كثير من الحسابات الشخصية كجهات إعلامية معترف بها، ما يمثل ظلما مضاعفا للمواقع الصحافية العامة والخاصة.
وتحملت وسائل الإعلام عبئا مهنيا في غنى عنه، فمن حرضوا عليها وكالوا لها الاتهامات يعلمون أنها شبه محاصرة في أداء مهمتها، وأن الحيل التي كان يستخدمها صحافيون مصريون كبار للوصول إلى الأخبار ومتابعة قضايا كبيرة وأسهموا في محاربة الكثير من أوجه الفساد تلاشت في الآونة الأخيرة.
أزمة شلبي تصلح لتكون كاشفة لما يمكن أن يصل إليه الحال، فهذه ممثلة موهوبة أثير حولها لغط ويمكن أن تنال براءتها
وتجاهل من انتقدوا الإعلام أيضا أن من مهامه الرئيسية نقل الأخبار، فعندما تصله معلومات وصور من جهات رسمية معلومة عليه نشرها، لأنه يرتكب جريمة في حق المهنة وقواعدها إذا أهمل بيانا حصل عليه من الجمارك أو النيابة العامة.
وفجرت أزمة شلبي جانبا مهما من المسكوت عنه في الإعلام الذي تحول إلى جهة متلقية للأخبار، بحلوها ومرها، والصحيح والفاسد منها، والموجه لأغراض معينة والمخلص للمهنة.ويبدو أن هناك إصرارا من قبل بعض الجهات التي تتحمل مسؤولية رئيسية عن تسريب الصور والمعلومات في هذه القضية على أن يفقد الإعلام المصري ما تبقى من رونقه ومصداقيته، واختزال ما تعرضت له شلبي في النشر والجهات التي قامت بذلك، فالإنصاف يقتضي أن تسرع الممثلة والمقربون منها لتوضيح الحقيقة ومخاطبة الإعلام، وأسهم العزوف في تصديق ما جرى توجيهه من اتهامات إليها.
ويمكن أن تخرج شلبي من القضية وتحصل على البراءة لوجود خلل في الإجراءات القانونية، ويمكن أن تثبت إدانتها، وفي الحالتين سوف يظل الإعلام متهما ليس لأنه سارع بنشر ما وصل إليه، لكن لأنه لم يقم بدوره كما يجب في التحري والتدقيق والمتابعة وبدا مستسلما للأبواب التي سدت أمامه.
وتصلح الأزمة للقياس عليها بشأن دور الإعلام المصري، فمن تعمدوا إيصاله للدرجة التي بدا فيها ظالما ومظلوما هدفوا إلى تشويه المهام التي يقوم بها لخدمة الدولة والمجتمع، لأن التشكيك في مصداقيته له أضرار على الطرفين، ومهما بلغت قوة الخطاب الرسمي لن يجد الوسيلة القادرة على توصيل مضمونه للجمهور المستهدف.
وراحت الزوبعة التي أحاطت بأزمة الممثلة شلبي إلى حال سبيلها وبقيت دروسها وعبرها، فمن ألقوا العبء على الإعلام ولم يتفوهوا ببنت شفة عن المخاطر التي تقوم بها مواقع التواصل قد يندمون لأنهم أغفلوا إنصاف وسائل الإعلام ولم يعملوا على تسهيل مهمتها.
وتصلح أزمة شلبي لتكون كاشفة لما يمكن أن يصل إليه الحال، فهذه ممثلة موهوبة أثير حولها لغط ويمكن أن تنال براءتها على الرغم من وجود شبهة في تعمد تلويث سمعتها، غير أن الوضع سوف يصبح أشد خطورة عندما يتعلق الأمر بقضايا حيوية تخص الدولة، يومها لن يتمكن الإعلام من تصحيح الموقف.
ولا يزال العنصر المهني هو العاصم لوسائل الإعلام لاحترام نفسها وجمهورها، والذي إذا وجد أحد العالمين فيها ظالما يرده عن ظلمه، وإذا وجده مظلوما يرفع الظلم عنه.