آمال في ابتكار علاجات جديدة لإطالة أعمار مرضى السرطان

يأمل الباحثون في بريطانيا أن تتم إطالة أعمار مرضى السرطان خلال عشر سنوات بواقع الضعف، وذلك من خلال معرفة النظام البيئي لمرض السرطان، وهو النظام الذي سمح للخلايا السرطانية بأن تنمو وتتكاثر. ويهدف الباحثون تحديدا إلى تقويض قدرة الخلايا السرطانية على توجيه الخلايا السليمة وجعلها قادرة على بناء أعشاش في أجزاء أخرى في الجسم مثل النخاع العظمي لتكون مثل ملاذات للسرطان.
لندن - يعتقد باحثون في بريطانيا أنه بمقدورهم في غضون عشر سنوات إطالة أعمار مرضى الحالات المتقدمة من السرطان بواقع الضعف.
ويقول خبراء من معهد أبحاث السرطان في لندن وصندوق مؤسسة مارسدين الملكية البريطانية “إن هذا الهدف سيؤدي إلى شفاء المزيد من المرضى وإطالة أعمار آخرين بشكل كبير”.
ويكتسب علماء السرطان بشكل متزايد قدرا كبيرا من معرفة ما يسمونه “النظام البيئي لمرض السرطان”.
ويقصد بهذا المصطلح النظام المتشابك الذي يسمح لخلايا السرطان بأن تعيش وتزدهر، ويتكون من الخلايا السرطانية والنظام المناعي للجسم والجزيئات والخلايا والهياكل التي تحيط بالأورام الخبيثة وتساعدها على النمو، بحسب وكالة الأنباء البريطانية “بي. إيه ميديا”.
ويرى الخبراء من معهد أبحاث السرطان ومؤسسة مارسدين الملكية أنه بوسعهم عن طريق استخدام عدة وسائل للهجوم أن يقطعوا أشواطا طويلة في مجالات مثل تدمير الخلايا السرطانية وتعزيز قدرة الجسم على محاربة السرطان، والتصدي لوسائل تطويع الخلايا السليمة للمساعدة على إبقاء السرطان في الجسم.
علماء السرطان يكتسبون بشكل متزايد قدرا كبيرا من معرفة ما يصطلحون على تسميته بـ"النظام البيئي لمرض السرطان"
ومن بين هذه التطورات العلمية يأمل الفريق البحثي في تقويض قدرة الخلايا السرطانية على توجيه الخلايا الأخرى السليمة في الجسم لمساعدة الأورام. فعلى سبيل المثال ترسل الخلايا السرطانية إشارات لتوجيه “الخلايا التي يتم تسخيرها” في أماكن مثل النخاع العظمي من أجل بناء “أعشاش” في أجزاء أخرى بجسم المريض لتكون مثل ملاذات للسرطان. وبالتالي فإن تعطيل هذه المنظومات يمكن أن يساعد على منع انتشار المرض.
وتتضمن مجالات التطوير أيضا المزج بين العلاجات القائمة من أجل تحسين فاعليتها، واستخدام سبل العلاج المناعي بهدف تنشيط الجهاز المناعي في جسم الإنسان لمقاومة السرطان.
وقال كيفين هارينجتون، المتخصص في مجال العلاجات الحيوية للسرطان والاستشاري في مؤسسة رويال ماردسون، خلال مؤتمر صحفي “ندرك أن الورم السرطاني هو أكثر من مجرد كرة من الخلايا السرطانية”.
وذكر أن الخبراء الآن يبحثون بالفعل كيفية توظيف الأدوية التي لا تقتل السرطان بشكل مباشر، ولكنها “تخاطب الجهاز المناعي وتزيد من وظائف الخلايا المناعية من أجل مهاجمة السرطان مع تقويض وظائف الخلايا التي تدافع عن الأورام السرطانية بشكل طبيعي”.
وأشار إلى أن هذه الأبحاث “ترجح كفة الميزان في النظام البيئي السرطاني نحو خلق بيئة مواتية بشكل أكبر من أجل تعزيز جهود مكافحة السرطان التي تبذلها الوسائل العلاجية المعمول بها حاليا، وتخدم الأدوية الجديدة التي نعكف على تطويرها”.
وأوضح هارينجتون، في تصريحاته التي أوردتها وكالة الأنباء البريطانية “بي.إيه ميديا”، أن أحد مسارات الأبحاث الجديدة هو استخدام فايروسات معالجة وراثيا من أجل “استهداف الخلايا السرطانية، والتواصل مع البيئة الحيوية المصغرة التي يعيش فيها السرطان بهدف استثارة إشارة إليها حتى ترفض السرطان وتقتل الخلايا السرطانية”.
وتقول أوليفيا روسانيس مديرة قسم تطوير أدوية السرطان في معهد أبحاث السرطان إن “الأدوية الأحدث والمخصصة للحالات الفردية تساعد مرضى السرطان على العيش لفترات أطول، ولكن مازال من الصعب علاج بعض أنواع السرطان، كما أنه بمجرد انتشار الورم السرطاني يصبح في الكثير من الأحيان غير قابل للعلاج”.
وأضافت “إننا نعتزم فتح خطوط جديدة تماما لمهاجمة السرطان، بحيث يمكننا تحجيم قدرته على التطور واكتساب مناعة ضد العلاجات المستخدمة”. واستطردت “نريد اكتشاف أهداف أفضل داخل الأورام والبيئة السرطانية الأوسع حتى تتسنى لنا مهاجمتها بالأدوية”.
وأوضحت “أننا نكتشف حاليا وسائل جديدة للقضاء على البروتينات السرطانية بشكل كامل، ونتوصل إلى تركيبات أكثر ذكاء للعلاج يمكنها مهاجمة السرطان على أكثر من جبهة”.
وقالت إن “هذه المسارات يمكنها سويا توفير أدوية لعلاج السرطان أكثر ذكاء وتتيح للمرضى حياة أطول وأعراضا جانبية أقل”.
وفيما يتعلق بإطلاق إستراتيجية بحثية مشتركة تستمر على مدار خمسة أعوام، قال البروفيسور كريستيان هيلين المدير التنفيذي لمعهد أبحاث السرطان “لقد وضعنا خطة مثيرة بالفعل للكشف عن الأنظمة البيئية للسرطان وعرقلة عملها من خلال العديد من الأدوية المناعية، وابتكار علاجات أخرى تستهدف بيئة الأنسجة وتركيبات جديدة ذكية لمنع تطور المرض، فضلا عن وضع إستراتيجيات للجرعات الدوائية”.
وأضاف أن “الأبحاث كانت هي المحفز على محاولة التوصل إلى تحسين وسائل العلاج تحسينات رائعة في العقود الأخيرة، ولكننا نعتقد أنه يمكننا تحقيق المزيد والقضاء على بعض أنواع السرطان عن طريق استهداف الأنظمة البيئية اللازمة لنمو الأورام، أو تحريك كفة الميزان لصالح النظام المناعي للجسم”.
ويأمل الخبراء في تطويع الذكاء الاصطناعي من أجل ابتكار وسائل جديدة لخلط الأدوية أو تعديل جرعاتها بشكل ذكي بهدف وقف نمو الأورام السرطانية أو الحد منه. كما يطمحون إلى الكشف عن الطريقة التي تتعاون بها الخلايا المختلفة داخل الورم السرطاني، وذلك من أجل تحديد أهداف جديدة للعلاج.
ويقول البروفيسور هارينجتون إن “العلاج المناعي بدأ يحدث ثورة في سبل علاج بعض مرضى السرطان، بل إننا بدأنا نجد علاجات لأشخاص وصلوا إلى مراحل متقدمة من المرض، وكان المحتم حتى وقت قريب أن يقضوا نحبهم تأثرا بهذا المرض الخبيث”.
وأضاف “نعتقد أن هناك فرصا هائلة لاستخدام المزيد من العلاج المناعي والوسائل العلاجية الأخرى، مثل العلاج الإشعاعي، لتقويض النظام البيئي للسرطان”.
واختتم حديثه قائلا “نحن نهدف إلى ترجيح كفة الميزان لصالح النظام المناعي، وجعل بيئة الجسم غير مواتية للخلايا السرطانية، مع توجيهها إلى العمل في خدمة عناصر النظام المناعي التي يمكنها أن تهاجم السرطان”.