الأنظمة القمعية المستفيد الأكبر من زوال منصة تويتر القادرة على فضح سلوكياتها

باريس - من انتفاضات “الربيع العربي” إلى حركة “مي تو” النسوية لفضح مرتكبي تحرشات جنسية تتعرض لها النساء، أثبتت منصة تويتر مكانتها ودورها حليفة لنشطاء سياسيين ومجموعات معارضة لتصبح بذلك منصة يصعب استبدالها.
وقد يكون عدد مستخدمي منصات أخرى للتواصل أكبر، لكن الشبكة التي بات يملكها الملياردير إيلون ماسك تهيمن على التواصل العالمي على الرغم من الضبابية التي تخيّم على مصيرها.
وقالت مهسا علي مارداني الباحثة في منظمة “أرتيكل 19” الحقوقية غير الحكومية “من الواضح أن منصة تويتر مؤثرة جدا في الاستحواذ على اهتمام وسائل الإعلام والمسؤولين. لها مكانة خاصة جدا وفريدة على هذا الصعيد”.
وأوضحت علي مارداني أن التغريدات “تساعد الإيرانيين” خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تشهدها إيران منذ أشهر في توثيق “آلام مواطنيهم ونضالاتهم”، كما تساعد العالم في توثيق ما يحصل.
قد يكون عدد مستخدمي منصات أخرى أكبر، لكن الشبكة التي بات يملكها ماسك تهيمن على التواصل العالمي على الرغم من الضبابية التي تخيّم على مصيرها
وتشكل منصة تويتر شريان حياة مع العالم الخارجي خصوصا في بلدان تفرض قيودا على الصحافة المستقلة والمراسلين الأجانب.
وهذا الأسبوع أظهرت منشورات من داخل مصنع آيفون الصيني الذي تشغّله فوكسكون عمالا يتمرّدون على الإغلاق المفروض لاحتواء كوفيد، ما ينسف محاولات الحكومة الإيحاء بأن الهدوء سائد في خضم جهود كبرى تُبذل لاحتواء الفايروس.
وقال الباحث المتخصص في الأنشطة الرقمية في ظل الأنظمة الاستبدادية ماركوس ميكايلسن “من الأهمية بمكان استقاء معلومات من وسائل إعلام دولية وإنما أيضا توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والأعمال الوحشية”.
وفي نهاية يونيو بلغ عدد المستخدمين اليوميين لتويتر 237 مليونا، وهو رقم أدنى بأشواط مقارنة بمنصتي تيك توك وفيسبوك. ويبلغ عدد المستخدمين اليوميين للمنصة الأولى مليار شخص وللثانية مليارين. لكن الصيغة المختصرة والبسيطة تجعل من الشبكة قوة تتخطى حجمها بيد جماعات المعارضة، حيث يمكن لأي شخص أن يصبح “مواطنا صحافيا” ينشر بشكل فوري صورا لا تريد السلطات الحكومية أن تُنشر.
واعتبرت ناديا أيدل الناشطة المصرية – البريطانية التي شاركت في انتفاضة ميدان التحرير في مصر في العام 2011 أن تغريدات مناهضة للنظام في مختلف أنحاء الشرق الأوسط شجّعت الناس، إذ بيّنت لهم أنهم ليسوا وحيدين.
وتابعت “قدرتها (المنصة) على نشر هذا الحدث على نطاق واسع وعدد النشطاء الذين كانوا يطلقون تغريدات بالإنجليزية” نقلت المشهدية إلى الخارج.
وإزاء تغريدات انتشرت على نطاق واسع وأثارت غضبا عارما دوليا، يمكن لحكومات دول خارجية أن تلمس حجم ضغوط محلية تطالبها بالتحرك أو على الأقل إدانة السلطات القمعية.
وحتى في البلدان الديمقراطية حيث تعد تويتر بمثابة مساحة رقمية للتواصل بين المسؤولين وأفراد المجتمع، يمكن للمنصة أن تزوّد النشطاء بوسيلة تمكّنهم من نشر آرائهم على نطاق واسع لم تكن سابقا في متناولهم.
وفي العقد الأخير أصبح وسم “بلاك لايفز ماتر” مرادفا للحركة التي انطلقت لتسليط الضوء على العنصرية والعنف الذي تمارسه الشرطة في الولايات المتحدة بحق الأميركيين المتحدرين من أصول أفريقية، ما وضع تحت المجهر ممارسات تمييزية غالبا ما كانت تمر بلا تعليق.
وقال ميكايلسن “يستخدمون ميزات تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي لخلق هوية احتجاجية لخلق شعور مشترك داخل الحركة”. وتابع “يعرفون أنهم قادرون على الوصول بشكل أكبر وأكثر مباشرة إلى الصحافيين وصانعي القرار مقارنة بإنستغرام على سبيل المثال”.
ومنذ البلبلة التي أحدثها استحواذ إيلون ماسك على تويتر، تخلى كثر عن المنصة على خلفية هواجس من إقلاع مسؤولي المنصة عن التدقيق بشكل كاف في ما ينشر لإزالة المحتويات المضلّلة أو المستفزة. وحذّر نشطاء من أنه إذا زالت منصة تويتر سيخسر العالم سجلا تاريخيا بالغ الأهمية للتحركات الاحتجاجية التي ما كانت لتكتسب زخمها من دون توثيق رقمي. وقالت علي مارداني “شكّل تويتر أرشيفا لعدد كبير جدا من التحركات والأحداث (…) لذا فإن خسارة هذا الأرشيف ستكون خسارة كبرى، إنه سجل تاريخي نوعا ما”.
وقال خبير العلوم السياسية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن تشارلز ليستر إن الأنظمة القمعية أو الجماعات الإرهابية ستكون المستفيدة الوحيدة من زوال منصة قادرة على فضح سلوكياتها.
وفي أبحاثه عن الحرب في سوريا، قال ليستر إن موقع تويتر اكتسى أهمية “حيوية” على صعيد توثيق جرائم الحرب وتوفير المساعدات.