سباق على المكانة بين المنظمات الإسلامية والهندوسية

لا تزال المعركة بين الاعتدال الديني ودور الدولة تدور في مناطق عديدة من العالم الإسلامي، متخذة هذا الشكل أو ذاك من الصراع العنيف، وصولاً إلى درجة من الحوار الذي يمكن أن يفضي إلى نتيجة ما فقط إذا جرى إصلاح ديني ما يسهّل تحوّل الدين إلى إطار في الدولة. ومن غير المعروف، حتى الآن ما إذا كانت مفاهيم ذلك الإصلاح ستشمل إصلاحات فقهية وعقائدية مهمة تهدف إلى محو مفاهيم السيادة، وتعزيز مبادئ التعددية والمزيد من الحرية.
بالي / إندونيسا - جعلت قمّة العشرين الأخيرة من إندونيسيا، الدولة ذات النسبة الكبرى من المسلمين، والتي هي، في نفس الوقت أكبر ديمقراطية إسلامية في العالم، قوة صاعدة، ومن جهة ثانية جعل منتدى “آر 20” من مجموعة “نهضة العلماء”، أكبر منظمة مجتمع مدني إندونيسية إسلامية رئيسية وأكثرها اعتدالا، قوة رائدة في تعريف الإسلام المعتدل وتعزيز مفاهيم الإصلاح الديني الحقيقي للإسلام والأديان الرئيسية الأخرى مثل الهندوسية، وفقاً لجيمس دورسي في دورية “فورين بوليسي”.
وبرز هذا التجمّع الواسع لرجال دين إصلاحيين، ليعمل على تحديد دور الدين في السياسة العالمية وما إذا كانت الأديان المهمة في العالم بحاجة إلى الإصلاح لتتمكن من استغلال قدرتها الكاملة على الإقناع. وأعلن “نهضة العلماء” عن رسمه لإطار ينظم صراع الدين والدولة، وسط صراعات من نوع آخر، تدور ما بين الهندوس والمسلمين في شبه القارة الهندية، فيما سلّمت إندونيسيا رئاسة مجموعة العشرين إلى الهند في وقت سابق من الشهر الحالي.
ويعتبر الإصلاح الفقهي للقانون الديني من منظور “نهضة العلماء” المفتاح لتأسيس موقع الدين كمصدر للحلول وليس المشاكل.
التأثير في الجماعات الدينية
تطرح “نهضة العلماء” اقتراحا قويا بأنها تأمل في أن تلهم الجماعات الدينية الأخرى، حيث يواصل العالم التطلع إلى نسخة تعددية اجتماعية وسياسية للإسلام في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي شنتها القاعدة على نيويورك وواشنطن.
وتروّج المجموعة لما تسميه “الإسلام الإنساني” الذي يحتضن بشكل لا لبس فيه الإعلان العالمي لحقوق للإنسان ومبدأ التعددية الدينية والسياسية، على عكس المحاولات التي تقودها الدولة للاعتدال كما يحدث في المملكة العربية السعودية موطن أقدس مدينتين في الإسلام، مكة والمدينة. كما تدعو إلى إصلاح ما تسميه العناصر “المتقادمة” من الفقه الإسلامي.
إفراغ العلمانية
وقد تعزز موقع “نهضة العلماء” في العام 2019 عندما اتخذت الخطوة الأولى نحو الإصلاح الفقهي بحكم أصدره 20 ألف عالم دين لإنهاء استخدام كلمة “زنديق” أو “كافر”، فبدت كحركة شعبية يدعمها ما يقدر بنحو 90 مليون مناصر و18 ألف مدرسة دينية و44 جامعة وعشرات الآلاف من العلماء المسلمين الذين يشكلون سلطة دينية مستقلة عن المراكز التقليدية في الشرق الأوسط، وحزبا سياسيا من الحكومة الائتلافية تحت الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو. وهي اليوم تعتبر تحديا لمؤيدي الإسلام الاستبدادي الذي تسيطر عليه الدولة والقوميون الدينيون في الجماعات الدينية الأخرى.
وكانت المجموعة تأمل في أن يؤدي اجتماع الزعماء الدينيين قبل قمة مجموعة العشرين هذا الشهر إلى وضع الإصلاحيين كمجموعة مشاركة مؤسسية لأقوى القادة السياسيين في العالم وإطلاق حركة تقوم على القيم الحضارية المشتركة من شأنها تعزيز التعبيرات المعتدلة والتعددية عبر الجماعات الدينية. وبعد أقل من شهر على التجمع الديني، يتضح أن القول أسهل من الفعل.
فبدلا من خلق تأييد حقيقي من المنظمات الإسلامية الكبرى الأخرى، مثل رابطة العالم الإسلامي التي تقودها الدولة في السعودية، والتي دعتها نهضة العلماء إلى المشاركة في استضافة القمة الدينية، والجماعة القومية الهندوسية اليمينية راشتريا سوايامسيفاك سانغ، وهي منظمة التطوع الوطنية المعروفة اختصاراً بـ”آر إس إس” والتي تشكل مهد أيديولوجية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزبه الحاكم بهاراتيا جاناتا، يبدو أن القمة أشعلت صراعا خفيا على السلطة بما لا يشبه الهدف المشترك.
ويُنظر إلى “آر إس إس” وحزب بهاراتيا جاناتا على نطاق واسع على أنهما يحاولان إفراغ الديمقراطية والعلمانية الهندية بينما يحرضان على المشاعر المعادية للمسلمين في الهند، التي تضم 200 مليون مسلم، أكبر أقلية مسلمة في العالم.
فعندما رجع العضو التنفيذي في منظمة “آر إس إس” رام مادهاف المقرّب من مودي من هذه القمة الدينية في بالي إلى الهند أشعل نار الصراع بين الأديان، ولم يكن ملتزما بأهداف القمة في أول تصريحات علنية له، وذلك بتقليله من تسمية مجلس المستشارين التابع لمركز القيم الحضارية المشتركة في إندونيسيا، الذي أسسه قادة “نهضة العلماء” ليمثّل الأمانة الدائمة لقمّة الأديان.
وتهرّب مادهاف من مسألة الإصلاح الديني، وأصر على أن “منتدى مجموعة أديان العشرين في حد ذاته لا يتعلق بالدين بالضرورة بل بالإنسانية”.
وصرّح بأن “القصد من هذا المنتدى كان مناقشة القضايا العالمية. وبهذا المعنى، لن يكون تركيزه الديني على الأديان وحدها، ولن يكون متمحورا حول الدين ولكن جوهره هو الإنسانية. لذلك، فهو محاولة لجلب الأديان معا لمعالجة قضايا أكبر”.
رابطة العالم الإسلامي
من جانبها، قدّمت رابطة العالم الإسلامي في المنتدى القيم السامية التي يرغب مشروع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الالتزام بها. ونشرت الرابطة تغريدة على تويتر تؤيد “نهضة العلماء” أشادت فيها بانطباعات القادة المشاركين في القمة الدينية لمجموعة العشرين وانبهارهم بالعمل الجاد النوعي والملموس لرابطة العالم الإسلامي.
وكانت المجموعة الإندونيسية قد دعت الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمي محمد بن عبدالكريم العيسى ليشاركها في رئاسة القمة.
الإصلاح الفقهي للقانون الديني يعتبر من منظور "نهضة العلماء" المفتاح لتأسيس موقع الدين كمصدر للحلول وليس المشاكل
وتأمل “نهضة العلماء” في أن يقوض التحالف دعم السعودية والرابطة لحزب “العدالة والرفاهية” الإندونيسي المرتبط بالإخوان المسلمين، إذ يعتقد بعض المحللين أن المرشح المدعوم من هذا الحزب يمكن أن يحقق نتائج جيدة في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024.
وكما في حالة القوميين الهندوس، تطمح “نهضة العلماء” رغم كل الصعاب إلى إقناع الرابطة بتبني رؤية معتدلة للدين. وقد عرضت السعودية، في أحدث خطوة الأسبوع الماضي، التكفّل بترميم المركز الإسلامي في جاكرتا بأندونوسيا، بعد تعرضه في شهر أكتوبر الماضي لحريق أتى على أجزاء كبيرة منه، وأدى إلى سقوط قبة المسجد.
وقال وزير الشؤون الإسلامية السعودي عبداللطيف آل الشيخ، وفقا لـ”عرب نيوز”، إن هذا التمويل من ضمن اهتمام المملكة بخدمة الإسلام والمسلمين، انطلاقا من ريادتها في العالم الإسلامي.