بغدادية تتحدى التقاليد لتمتهن نجارة الأثاث

نور الجنابي تدين في جزء كبير من النجاح الذي حققته إلى دروس بالفيديو في الأعمال اليدوية المتعلّقة بالتصليحات والابتكارات الصغيرة.
الخميس 2022/11/24
إتقان وذوق

في المجتمعات المحافظة وخاصة العربية منها التي تفرق بين النساء والرجال في بعض المهن تشهد يوما بعد آخر أن هذه الرؤية غير صحيحة، فالنساء أثبتن جدارتهن في كل المهن تقريبا، والسيدة نور الجنابي العراقية تؤكد ذلك بنجارة الأثاث.

بغداد – تتنقل نور الجنابي داخل ورشتها بين معدات نجارة، مناشير ومسامير وقطع خشبية، وتنهمك في صنع أريكة تغلفها بقماش وردي، مؤكدة شغفها بمهنة النجارة التي جعلت منها امرأة أعمال رائدة في بغداد “كسرت حاجزا” داخل المجتمع العراقي المحافظ.

وتتجسد مهارة نور وعمرها 29 عاما من خلال ما تصنعه في ورشتها الواقعة في جنوب بغداد، مثل الأرائك والمقاعد المغطاة بقماش صوفي أو مقدف، يحمل بعضه طابعا ريفيا أو يذكّر في بعض الأحيان بالأثاث الفرنسي الكلاسيكي من حقبة لويس الخامس عشر.

وتقوم نور النجّارة بصناعة طقم كامل بكلفة تتراوح بين 700 ألف دينار ومليوني دينار (حوالي 500 إلى 1350 دولارا).

ويعمل لدى نور زوجها المتقاعد الذي يكبرها في السن، وقد رفضت بلطف التطرّق إلى هذا الموضوع، لكن هذا لا يمنع أنها تلعب دورا غير مألوف في المجتمع العراقي. فهي امرأة و أم لأربعة أطفال، تدير ورشة صغيرة وترأس مجموعة عمال.

وتشكّل النساء في العراق، البلد الغني بالنفط المعروف بتقاليده المتشدّدة في ما يتعلق بالنساء، 13.3 في المئة فقط من اليد العاملة، وفقا للبنك الدولي. وجاء هذا البلد في المرتبة 154 بين 158 دولة في ترتيب التكافؤ بين الرجال والنساء في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2021.

عندما بدأت نور ممارسة مهنة النجارة قبل سنوات، حصل نقاش حول ذلك في العائلة. وتستذكر نور قائلة “في البداية، كانت الانتقادات تقتصر على المحيطين بي، لأنني أمارس مهنة مختلفة واعتبر المقربون أنني أتبع مزاجي وكانوا يقولون لي ‘أنت لن تنجحي، أنت امرأة وهذه مهنة خاصة بالرجال’، لكنني أثبتُّ العكس”.

Thumbnail

وتدين نور الجنابي في جزء كبير من النجاح الذي حققته إلى دروس بالفيديو في الأعمال اليدوية المتعلّقة بالتصليحات والابتكارات الصغيرة نشرتها على حسابها على فيسبوك لمشاركة الآخرين شغفها.

من مقاطع الفيديو التي نشرتها مثلا إعادة تثبيت وسادة أريكة مستعملة واستعمال آلة برد الخشب… وانتقلت إلى بثها أيضا على موقعي تيك توك وإنستغرام، وأصبح لديها اليوم قرابة 95 ألف مشترك، ما ساعدها في تحويل ولعها بالأدوات إلى مهنة تساعدها في الحياة.

من الواضح أن عمل نور يسير بشكل جيد إلى درجة أنها نقلت عملها قبل أربعة أشهر من المنزل إلى ورشة استأجرتها، ويعمل لديها أربعة عمال في صنع الأرائك والكراسي.

وتقول عن خطوتها بثقة “كامرأة عراقية، أنا الأولى التي تخطو هكذا خطوة وأول عراقية تكسر حاجز هكذا اختصاص لم يسبق لامرأة أن امتهنت هكذا عمل”.

معظم العراقيين "يعتبرون التعليم العالي مهماً للنساء كما الرجال، لكن الموقف بالنسبة إلى المساواة في حق الوظيفة يغلب عليه تمييز ضد المرأة"

وغالبا ما تلقى فكرة حرية واستقلالية المرأة صدى سلبيا في العراق قد يصل عند البعض إلى القناعة بأن تحرّر المرأة هو خروج عن الأخلاق.

في قطاع العمل في العراق، تعمل النساء عادة معلمات أو ممرضات، ولكن يمكن في بعض الأحيان أن يعملن في الشرطة أو في القوات المسلحة. فقد أصبحت أنغام التميمي عام 2022 أول امرأة عراقية تصل إلى رتبة لواء في الجيش.

وقالت التميمي في مقطع فيديو نشر على موقع الدائرة الإعلامية التابع لوزارة الدفاع، إن “الصعوبات التي واجهتها في هذه المهنة هي عدم تقبّل المرأة في المؤسسة العسكرية”، الأمر الذي تغلّبت عليه بـ”إصرارها وشغفها بهذه المهنة”.

وتشير دراسة أعدتها وكالتان تابعتان للأمم المتحدة نشرت العام الماضي إلى أن معظم العراقيين “يعتبرون التعليم العالي مهماً للنساء كما الرجال، لكن الموقف بالنسبة إلى المساواة في حق الوظيفة يغلب عليه تمييز ضد المرأة”.

وتؤكد نور الجنابي أن متابعيها على إنستغرام يعتبرونها “بطلة”. وتوضح “على مواقع التواصل الاجتماعي (…) لم أتلقَ أي تعليق سلبي بخصوص عملي، غالبية التعليقات من النساء والرجال هي ‘أنت امرأة بطلة وشجاعة وأنت فخر للعراق'”.

من بين تلك التعليقات، يقول أحدهم في مقطع فيديو قدمت خلاله نور أريكة جميلة، “الله يعطيك القوة والصحة”. أحد زبائن نور، أبوسجّاد الذي كان يزور ورشتها “ليرى كيف يسير إصلاح أريكته”، وفق قوله. ولم يعط الرجل الذي يعمل خياطا أي أهمية لمسألة أن يكون من يقوم بالعمل سيدة أو رجلا.

Thumbnail
Thumbnail
20