غزة تغرق في الظلام.. هل من مغيث؟

من رحم المعاناة ولدت فكرة الاعتماد على الطاقة الشمسية في غزة المحاصرة والتي تغرق في الظلام لمدة تزيد عن عشر ساعات يوميا، كما تسمح هذه الألواح لفلسطينيي غزة بأن يكونوا أقل اعتمادًا على إسرائيل في استهلاكهم للطاقة، حيث يحصل القطاع على 62 في المئة من حاجياته من الكهرباء من خطوط الكهرباء الإسرائيلية التي يعود تاريخها إلى الوقت الذي كان فيه المستوطنون يعيشون في القطاع. فيما يأتي الباقي على واردات الوقود التي توفرها مصر ودولة الاحتلال التي تمارس حصارا على جميع مناحي الحياة.
يستورد قطاع غزة عادة 120 ميغاواط من الكهرباء من إسرائيل، بينما تولّد محليا 60 ميغاواط من محطة كهرباء غزة، فيما كانت مصر توفر 30 ميغاواط لمدينة رفح، لكنها استبدلت ذلك بإمدادات الغاز، ويحتاج الغزيون إلى نحو 600 ميغاواط حتى يحصلوا على كهرباء تفي باحتياجاتهم على مدار 24 ساعة، الأمر الذي لا يمكن توفيره خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الخانق مع عدم توفر الإمكانيات المادية لزيادة إمدادات الكهرباء، هنا أصبح لزاما على أصحاب النشاطات الفلاحية ومربي الدجاج اللجوء إلى استيراد الألواح الشمسية من دولة الاحتلال التي لا تصنّفها كمواد محظورة، على الرغم من تكلفتها الباهظة.
◘ وسط أزمة الكهرباء الحالية في غزة، يمكن للطاقة الشمسية أن تمهد الطريق لزيادة أمن الطاقة في القطاع، ولكن في ظل غياب الدعم الدولي وارتفاع كلفة الألواح الشمسية ستبقى هذه الاستفادة حكرا على الذين يملكون المال لتحمل الكلفة
يعود الاستثمار في الطاقة الشمسية بالنفع على المدى الطويل لأن اللجوء إليها يساهم بشكل كبير في تقليص فاتورة الكهرباء إضافة إلى أنها تخفض العبء على محطة توليد الكهرباء في غزة التي بالكاد تعمل لتوفير الحد الأدنى من الطاقة في فصل الصيف، كما أنها ساهمت بشكل فعال في التخفيف من وطأة الانقطاعات الكهربائية بالنسبة إلى العديد من الفلاحين أمثال أصحاب مزارع السمك، إلا أن المشكلة تعود لتظهر مجددا في فصل الشتاء مع التقلبات الجوية حيث يسبب غياب الشمس المتواصل نفاد الطاقة المخزنة، الأمر الذي يجبر العديد من أصحاب الألواح الشمسية الاعتماد على كهرباء الوقود والغاز كحل لا بد منه لتجنب الخسارة. هنا ندرك أن الطاقة الشمسية ليست وحدها الكفيلة بحل مشاكل قطاع غزة.
يعد نقص الكهرباء نقطة البداية لسلسلة لا نهاية لها من العواقب الاجتماعية والاقتصادية؛ فمحطات تنقية المياه وتحليتها تغلق باستمرار بسبب نقص الطاقة، مما يزيد من معاناة الغزيين مع المشاكل البيئية والصحية. في ظل وجود 12 ساعة فقط في الأسبوع من عمل المحطات للوصول إلى المياه الجوفية التي هي في الأصل على وشك أن تنضب، مما جعل السكان اليوم يحصلون على 5 في المئة فقط من مياه الشرب. في الوقت نفسه، يتم إلقاء 180 مليون لتر من مياه الصرف الصحي في البحر يوميًا، مما يهدد النظام البيئي غير المستقر أساسا بسبب عامل الكثافة السكانية العالية، وفي هذا الصدد قدمت ألمانيا غلافا ماليا قدره 16 مليون يورو لبناء محطتين للطاقة الشمسية موجهتين خصيصا لتشغيل محطة تحلية المياه ولكن هذا يبقى غير كاف قياسا بالكمية التي تحتاجها غزة من المياه الصالحة للشرب.
وسط أزمة الكهرباء الحالية في غزة، يمكن للطاقة الشمسية أن تمهد الطريق لزيادة أمن الطاقة في القطاع، ولكن في ظل غياب الدعم الدولي وارتفاع كلفة الألواح الشمسية ستبقى هذه الاستفادة حكرا على الذين يملكون المال لتحمل الكلفة، ولا ننسى أننا نتكلم عن منطقة من فلسطين ذات مستويات عالية من الفقر تعتمد فيها الغالبية على المساعدات القطرية ومساعدات الأونروا، وإلى حين أن يتم استغلال حقل مارين فإن المجتمع الدولي مطالب بدعم الغزيين في سبيل مساعداتهم على تجاوز أزمة الطاقة التي تجعل الحياة في غزة أشبه بالحياة في كوريا الشمالية.