تلال البطاريات القديمة سموم تهدد حياة سكان غزة

حوالي عشرة آلاف طن من البطاريات تتراكم في مكبات وصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من 40 مترا موزعة على خمس مناطق تخزين.
الثلاثاء 2022/10/25
قطاع محاصر بالنفايات

غزة (فلسطين) – بالقرب من السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل تتراكم تلال من البطاريات القديمة في ساحة للخردة، وهي أحد بضعة مواقع تم تخصيصها لتخفيف آثار التداعيات البيئية لانقطاع التيار الكهربائي الذي بات من سمات الحياة اليومية في القطاع.

وتأتي البطاريات، التي توضع في أماكن مفتوحة وتفقد فعاليتها ببطء، من منظومات الطاقة الشمسية ووحدات تخزين الكهرباء تحسبا لانقطاع التيار، وهي من الحلول البديلة المكلفة التي يلجأ إليها سكان غزة عندما يبدأ انقطاع التيار الكهربائي.

ولتقليل تأثير آلاف الأطنان من البطاريات القديمة التي تراكمت بعد 15 عاما من الحصار، خصص مسؤولو البيئة خمسة مواقع تخزين بعيدا عن المناطق المكتظة بالسكان.

لكن تسرب بعض الملوثات أمر لا مفر منه، مما يزيد من المشاكل المتفاقمة في القطاع، حيث يعيش نحو 2.3 مليون نسمة في منطقة ساحلية ضيقة تحاصرها إسرائيل وتفرض عليها مصر ضوابط حدودية منذ عام 2007.

وقال أحمد المناعمة من سلطة المياه وجودة البيئة إن “وجود البطاريات في أماكن قريبة من البيئة يؤثر ويشكل خطرا (…) هناك احتمال وصول جزء من الرصاص إلى مصادر مياه الشرب وخطر تطاير غبار البطاريات وتلوث للنباتات والأشجار والتربة أيضا”.

ومع ذلك، بالنسبة إلى تجار الخردة المبتكرين باستمرار في القطاع، فإنها تشكل فرصة، ويجوب جامعو القمامة الشوارع بعربات الجر (الكارو)، ويشترون البطاريات القديمة أو يلتقطونها من مكبات النفايات لإعادة بيعها وإعادة تدويرها.

وقال عامل في ساحة للخردة رفض ذكر اسمه “نحن نشتري البطاريات من الناس الذين يجمعونها من الشوارع”. وأضاف “تراكم وتكدس كميات من هذه البطاريات يضر بصحة أصحاب هذه المهنة الذين يشتغلون في جمعها أولا”. ويتابع “تجميع البطاريات مستمر منذ قرابة 15 عاما بسبب إغلاق المعبر وعدم سماح الجانب الإسرائيلي بتصدير البطاريات” من أجل إعادة تدويرها.

ؤؤ

ورغم وعيه بخطر تلك البطاريات، لا يعتمد إجراءات للوقاية منها. وكذلك لا يفعل أي من العمال أو الباعة المتجولين الذين ينقلون البطاريات بأيديهم.

ويشرح مدير المعهد الوطني للبيئة والتنمية أحمد حلس كيف أن عملية إعادة تدوير تلك البطاريات يمكن أن تشكّل ثروة توفّر مردودا اقتصاديا وتحافظ على البيئة.

لكن الواقع أن أطنانا من البطاريات تتراكم في مكبات وصل ارتفاع بعضها الى أكثر من 40 مترا.

وبحسب حلس “لجأ بعض النبّاشين إلى جمع البطاريات بشكل عشوائي من دون أن تكون لهم خبرة في التعامل مع المواد السامة ودون الامتثال إلى القوانين” المتعلقة بهذا الجانب. ويحذّر من أن تلك البطاريات تكون “محاطة ببلاستيك قوي يعملون على تفكيكه في منازلهم وبين أطفالهم”.

ويشير إلى أن “البطاريات موجودة بين الناس وعلى عربات الحيوانات ويحملها الأولاد ونجد الأب أو الابن يحاول فتحها بمفك براغ، وهذا بحد ذاته مهزلة وفوضى”، مضيفا أن هذا يمكن أن يفسّر بعض الإصابات بالسرطان.

ومع الحظر الإسرائيلي على استيراد المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها في تصنيع الأسلحة، مما يجعل تشغيل مرافق إعادة تدويرها في غزة غير قابل للتنفيذ، يتم بيع معظم البطاريات القديمة للتجار الذين يعدونها للتصدير.

ومنذ أن فتحت مصر حدودها أمام صادرات البطاريات المستهلكة من غزة هذا العام، تم شحن نحو أربعة آلاف طن منها. لكن المناعمة قال إنه لا يزال هناك حوالي عشرة آلاف طن، ومن غير المرجح حل الأزمة مع استمرار مشكلات الكهرباء المزمنة.

وتولد محطة الطاقة الوحيدة في القطاع نحو 60 ميغاوات في اليوم، مع الحصول على 120 ميغاوات إضافية من إسرائيل، وهو ما يقل كثيرا عن الطلب المقدر بنحو 500 ميغاوات.

لا

ولتعويض النقص تم توزيع نحو 165 مولدا عملاقا تعمل بالديزل في أنحاء القطاع، مما يوفر كهرباء احتياطية عالية التكلفة للقادرين على تحملها ويفاقم مشكلة تلوث الهواء. ويمتلك العديد من السكان مولداتهم الصغيرة أيضا.

ويقدر محمد ثابت مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء ما أنفقه السكان على موارد الطاقة البديلة منذ عام 2006 بنحو ملياري دولار .

وقال “بلا شك أن هذه البدائل في غالبها هي بدائل ضارة بالبيئة، هذا الأمر أدى إلى كثير من الإصابات والوفيات وخسائر في الممتلكات في السنوات الطويلة الماضية”.

ويوفر اتفاق مبدئي أُبرم في الآونة الأخيرة مع مصر بشأن استغلال حقل غاز بحري بعض الأمل في الحصول على طاقة بتكلفة أقل في المستقبل، ولكن حتى ذلك الحين، سيتعين على معظم الناس الاستمرار في تدبير حلول بأنفسهم.

وقال منير أبوعلي وهو من سكان مخيم الشاطئ للاجئين في غزة وتستخدم أسرته المكونة من سبعة أفراد بطاريتين بقدرة 18 أمبير للإضاءة “أحيانا نستخدم الهواتف للإضاءة (…) فنحن نقضي أغلب الليل في العتمة”.

18