العقوبات الاقتصادية لن تؤثر على روسيا وإيران

واشنطن - في ظل القوة الاقتصادية والعسكرية الكبيرة التي تتمتع بها روسيا، يعد المعيار الرئيسي الذي سيحدد نتيجة حربها ضد أوكرانيا هو مدى نجاح الهجوم المضاد الذي تشنه القوات الأوكرانية ضد القوات الروسية المحتلة، وليس قوة العقوبات الغربية ضد موسكو، وفق ما يؤكده محللون.
وقال المحلل أحمد شيما، كبير مستشاري وزراء الحكومة الباكستانية وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الباكستاني، في تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية إن العقوبات الاقتصادية والمالية تشكل جزءا لا يتجزأ من فن الحكم، سواء تم استخدامها سعيا لتحقيق مصالح جغرافية سياسية أو التأثير على قرارات دول أخرى. وفي عالم يشهد حالة عولمة، يجب أن يكون للعقوبات تأثير على قرارات الدول، ولكن هذا لا يحدث دائما بشكل فعلي.
واعتبر أن قرار روسيا الأخير بالضم الرسمي لأراض أوكرانية يؤكد رفضها التراجع في الحرب الروسية الأوكرانية. وقد تجاوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نقطة اللاعودة وأغلق الباب أمام أي خيار للتراجع.
وتم فرض عقوبات في غاية الصرامة على روسيا وتضرر اقتصادها بدرجة كبيرة. وجرى منعها من العديد من الواردات، وخاصة المنتجات التكنولوجية الغربية الحيوية مثل أشباه الموصلات كما توقفت شركات الطيران الروسية.
وعلى الرغم من ذلك لم ينسحب جيشها من أوكرانيا كما أن العقوبات لن تغير قرار بوتين بغزو أوكرانيا. ولا يزال لدى بوتين بعض النفوذ وسوف يصمد في وجه العاصفة شريطة عدم هزيمة جيشه أمام الهجوم المضاد الأوكراني.
وقد تحملت روسيا الضغوط بفضل الدعم الذي حظيت به من الصين والهند ودول أخرى لم تنضم إلى الدول التي فرضت عقوبات على موسكو.
ورأى المحلل أن فعالية العقوبات في تغير سلوك الدول أمر قابل للنقاش ومحل خلاف، نظرا إلى أن سياسات وأحكام الدولة التي تخضع للعقوبات تتحدد على أساس عدة متغيرات متنوعة وتكتسب أهمية خاصة من جانب قادة تلك الدول. وغالبا ما تمارس الدول “مصفوفة الاختيار العقلاني”، بمعنى أنها تقيم الإستراتيجيات المتاحة أمامها ثم تتوصل إلى قرار.
بالإضافة إلى ذلك فإن ديناميكيات القوة بين الدول وقدرتها على إجبار بعضها البعض تلعبان أيضا دورا في عملية اتخاذ القرار. كما أن قدرات الدول على فرض تكلفة اقتصادية ضخمة وقدرة الدولة المستهدفة على تحمل تلك التكلفة المفروضة عليها تعدان عوامل حاسمة في النتيجة النهائية. وفي نهاية المطاف، يعتمد نجاح العقوبات الاقتصادية على مدى وكيفية تأثير تلك المتغيرات المتعددة على الدولة المستهدفة.
وقال المحلل الباكستاني إن هناك نموذجا عمليا على التفاعل بين هذه المتغيرات يشمل تطوير الهند وباكستان لأسلحة نووية. فقد رأى قادة الهند أن اقتصاد البلاد قوي بما يكفي لتحمل العقوبات الأميركية وأيدهم الشعب الهندي في سعيهم للحصول على أسلحة نووية. وفي الوقت نفسه، قررت باكستان أن عدم امتلاكها أسلحة نووية يشكل خطرا كبيرا على أمنها القومي وأن العقوبات مقبولة على الرغم من تأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي. وبالتالي، مضت الدولتان قدما في تفجير قنبلة نووية. وحصلت باكستان على حماية من انهيار اقتصادي خطير من خلال دعم المملكة العربية السعودية. وهذا يبرهن على أن قرار الدول الأخرى بالتمسك بالعقوبات له أهمية كبيرة.
وبالمقارنة مع الهند وباكستان، تمتلك روسيا قدرا أكبر كثيرا من النفوذ، وقد قررت نصف دول مجموعة العشرين وضع مصالحها الاقتصادية مع موسكو قبل سيادة أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال بوتين في عيد ميلاده السبعين يتمتع بمعدل تأييد شعبي يتجاوز 70 في المئة، وهو معدل يفوق كثيرا زعيم أي دولة تعرضت لعقوبات في التاريخ.
واعتبر شيما أن الاستخدام غير المحدد للعقوبات غير مستدام بسبب الضعف الجغرافي لأوروبا واعتمادها على الطاقة الروسية. وفي يوليو، اتفق القادة الأوروبيون على خفض استخدام الغاز الطبيعي بنسبة 15 في المئة وأكدوا التزامهم بإيجاد بدائل. وعلى المدى الطويل، يستطيع الأوروبيون بناء محطات غاز طبيعي مسال والبحث عن موردين جدد. لكن على المدى القصير، يعتبر الركود أمرا حتميا، حيث من المتوقع أن تشهد أوروبا تراجعا بنسبة 1 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجعا بنسبة 5 في المئة إذا تأخرت بدائل الغاز الروسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تكرار الصدمات الاقتصادية التي حدثت عام 2008. ولتوضيح الحقيقة بصراحة، يستطيع بوتين الانتظار لمدة عامين، ولكن الأوروبيين واليابانيين والكوريين الجنوبيين لا يستطيعون.
بالإضافة إلى ذلك، توفر روسيا وأوكرانيا تقريبا نحو ربع إمدادات القمح والحبوب في العالم. وقد ألقت أسعار الطاقة والغذاء المتصاعدة بظلالها على الدول منخفضة الدخل، خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، مما تسبب في اضطرابات اجتماعية. وستكون النتيجة الحتمية المجاعة والمرض وموجات من اللاجئين المهاجرين إلى أوروبا. ولذلك فإنه يمكن تفهم أن بعض الدول ذات الدخل المنخفض ترغب بشدة في تجاهل العقوبات والقيام بشراء الغذاء والسلع مباشرة من روسيا.
وأضاف المحلل أن العقوبات لا تُفرض في فراغ سياسي أو اقتصادي وحتى الدبلوماسية القسرية لها حدود. وتضع الحكومات في اعتبارها أوضاعها الداخلية، وغالبا ما تقرر أنه ليس أمامها خيار سوى التعايش مع العقوبات.
روسيا تحملت الضغوط بفضل الدعم الذي حظيت به من الصين والهند ودول أخرى لم تنضم إلى الدول التي فرضت عقوبات على موسكو
وربما يقرر النظام الإيراني أنه لا يستطيع المخاطرة بتعرضه للتصفية أو تحمل الإطاحة به من السلطة، مما يدفعه إلى تطوير أسلحة نووية لدرء التدخل الأجنبي أو تغيير النظام، حتى على حساب اقتصاده. وإذا قرر ذلك، تستطيع إيران اللجوء إلى الصين للحصول على الدعم.
وفي عام 1999، اختارت باكستان تجاهل “تعديل بريسلر” الذي منع باكستان من الحصول على معظم المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأميركية وانتهجت سياسة رأت أنها لا غنى عنها لبقائها. وربما يتوصل النظام الإيراني إلى نفس القرار.
واعتبر المحلل السياسي أن هناك أوقاتا تكون فيها الأفعال ضرورية أكثر من العقوبات التي لا يمكن ببساطة أن تغير الحسابات الإستراتيجية لقادة أي دولة وتثبت فعالية القوة العسكرية والعمليات السرية. وبالتالي، فإن نجاح أو فشل الهجوم المضاد الأوكراني سيقرر في نهاية الأمر نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
واختتم شيما تحليله بالقول إن الحقيقة القاسية للعالم تجبر الدول على السعي لتحقيق أهداف وطنية من خلال التطبيق المنسق لأدوات القوة الناعمة والقوة الصلبة، بما في ذلك الدبلوماسية والتدخل السياسي والسبل الاقتصادية لتحقيق السياسات الخارجية والقوة العسكرية. وربما تكون العقوبات الاقتصادية شائعة للغاية لأنه لا شيء آخر بين الحوار والقوة يمكن استخدامه لإجبار دولة على القيام بشيء ما. وقد أصبح التدخل العسكري الغربي غير مقبول بشكل متزايد وسيكون مكلفا للغاية خاصة ضد روسيا أو إيران.
ومع ذلك، يظهر التاريخ أنه نادرا ما يتحقق الاستقرار والتغيير عبر الحوار وحده. ولذلك فإن تقليد استغلال العقوبات الاقتصادية سوف يستمر على الأرجح على الرغم من أنه سيظل يواجه صعوبة في إجبار الدول على تغيير سلوكها.