حرب شيشانية ثالثة على وشك الاندلاع في وجه بوتين

الشرق الأقصى وجمهوريات الأقليات العرقية مناطق شكّلت العمود الفقري لـ"تعبئة الظل" الروسية.
السبت 2022/10/15
المنطقة التي عززت قبضة بوتين على روسيا، قد تكون هي التي تقوّض حكمه

موسكو - يستحضر المحلل الأمني نيل هاور مقولة لفلاديمير لينين زعيم الثورة البلشفية الشيوعية الروسية قال فيها إن "هناك عقودا لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود من الزمن"، ويرى هاور أن ذلك هو الحال في روسيا اليوم، فمع فشل غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتعثر لأوكرانيا، شهد شهر سبتمبر عبور خط اللاعودة أكثر من مرة، بدءا من الهزيمة المذهلة للقوات الروسية في إقليم خاركيف الأوكراني ومرورا بإعلان بوتين أولا عن التعبئة العسكرية ثم ضم الأجزاء التي تحتلها روسيا من أوكرانيا.

إعلان التعبئة لم يسر وفقا للخطة المرسومة، كما هو الحال مع كل جانب آخر من جوانب حرب بوتين، وفي حين فر عشرات الآلاف من الرجال المؤهلين للتجنيد خارج البلاد، واندلعت احتجاجات حاشدة في بعض المناطق ضد التجنيد، على الرغم من التداعيات الخطيرة التي هددت بها الحكومة الروسية، وكان مركز تلك الاحتجاجات هو شمال القوقاز أو الجانب الجنوبي للإمبراطورية الروسية.

بدأت تظهر مقاطع فيديو تظهر رجالا ساخطين وهم محاصرين من قبل ضباط التجنيد. وكما هو الحال مع معظم القوى العاملة الروسية في أوكرانيا، فقد جاء هؤلاء المجندون الجدد بشكل كبير من المناطق النائية في البلاد مثل الشرق الأقصى وجمهوريات الأقليات العرقية في القوقاز وعلى طول الحدود المنغولية.

◙ تاريخ روسيا الحديث يظهر مدى خطورة اللحظة على بوتين حيث بدأ فترة ولايته بغزو الشيشان وإعادة حكم موسكو إلى المنطقة باستخدام تكتيكات عنيفة

تشكل تلك المناطق العمود الفقري لـ"تعبئة الظل" الروسية على مدى الأشهر الستة الماضية من الحرب، وكان العسكريون الروس والمتعاقدون الخاصون مثل مجموعة "فاغنر" قد قاموا بمسح تلك المناطق بشكل مكثف، وعرضوا رواتب عالية مقابل التعاقد، مع ارتفاع عدد القتلى في الحرب. ومنذ التعبئة الرسمية، تضاعفت تلك الجهود لتصل إلى مستويات كبيرة، ويشهد على ذلك مقاطع فيديو لشاحنات التجنيد وهي تسير عبر ديربنت وهي ثالث مدن داغستان، وتدعو جميع الرجال الأصحاء إلى الحضور فورا إلى مكتب التجنيد.

شمال القوقاز لم يستقر، ففي غضون أيام من أمر التعبئة، اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء داغستان، داعية السكان المحليين إلى مقاومة الحملة، وأظهرت مقاطع فيديو نساء يصرخن في وجه ضباط التجنيد للإفراج عن أزواجهن وأبنائهن، وذهبت بعض النساء إلى حد القول إن هذه “حرب بوتين، وليست حربنا" و"أننا نهاجم أوكرانيا، وليس العكس"، ويعد ذلك عملا علنيا شجاعا بشكل لا يصدق في روسيا وفي هذا العام 2022.

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك أيضا احتجاجات أخرى أكثر عنفا، وقد تعيّن تفريق المتظاهرين الذين أغلقوا الطريق السريع في خاسافيورت وهي ثاني أكبر مدينة في داغستان، بإطلاق النار في الهواء.

تاريخ روسيا الحديث يظهر مدى خطورة هذه اللحظة على بوتين، حيث بدأ الرئيس الروسي فترة ولايته بغزو الشيشان، وإعادة حكم موسكو إلى المنطقة باستخدام تكتيكات عنيفة تكرر نفسها الآن في أوكرانيا، ثم انخرط بوتين في صراع مع تمرد مترامي الأطراف في جميع أنحاء شمال القوقاز، وهو الصراع الذي شهد شن المتشددين المحليين لهجمات منتظمة في موسكو والتي كان لها تأثير مدمر. استغرق الأمر أكثر من 15 عاما من الجهود المتضافرة والمركزة من قبل أجهزة الأمن الروسية لسحق التمرد في النهاية.

تحالف لا يخفي هشاشة
تحالف لا يخفي هشاشة 

حملة التجنيد الحالية تهدّد بقلب الموازين رأسا على عقب، ففي حين أن داغستان والشيشان ومناطق أخرى من شمال القوقاز ربما تعرضت للقمع العنيف، فإن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي خلقت شعبية للتمرد لم تعالج أبدا. وتعاني جميع الجمهوريات العرقية السبع التي تشكل شمال القوقاز الروسي من كساد اقتصادي حاد، فالتنمية مبعثرة وغير متسقة، والعثور على وظيفة لائقة يكاد يكون مستحيلا، والأموال الفيدرالية التي تدعم المنطقة مستنزفة إلى حد كبير من قبل المسؤولين الفاسدين.

أما الجانب الاجتماعي فيفعل فعله في هذه الدائرة المقلقة لبوتين، حيث كان سكان شمال القوقاز هدفا للعنصرية العميقة الجذور داخل المجتمع الروسي، وخاصة الحكومة الروسية وأجهزة الأمن، كما وجدوا أنفسهم معزولين ومغربين إذا انتقلوا إلى موسكو أو كراسنودار أو أي مكان آخر بحثا عن فرص عمل، أضف إلى ذلك الواقع الجديد أن الدولة تشكل خطورة كبيرة عليهم، وهنا تجمعت جميع العناصر التي جعلت من التمرد الأصلي فكرة واردة للسكان الساخطين من البداية.

حملة التجنيد الحالية تهدّد بقلب الموازين رأسا على عقب، ففي حين أن داغستان والشيشان ومناطق أخرى من شمال القوقاز ربما تعرضت للقمع العنيف، فإن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي خلقت شعبية للتمرد لم تعالج أبدا

وفي حين أن تلك التحديات تعصف بالمنطقة ككل، لكنها متفاقمة في الشيشان تحديدا، حيث تلقت الجمهورية الصفقة الأكثر فاوستية على الإطلاق، حيث عقد بوتين اتفاقا بسيطا مع رئيسها الذي نصبه الكرملين، ونص الاتفاق على التالي "خذ أموال الحكومة وحافظ على الهدوء بأي وسيلة ممكنة"، ورمضان قديروف الذي حكم الشيشان بموجب ذلك الاتفاق منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، هو رجل قوي لا تعرف قسوته أي حد، وقد عذّب وأعدم ليرغم الشعب على الطاعة.

ولكن حتى مع ذلك، بدأت نقاط الضعف في الظهور؛ فقد تظاهرت حوالي 100 امرأة شيشانية في وسط غروزني ضد حملة التعبئة، وهو أول احتجاج مفتوح على مدى فترة ولاية قديروف بأكملها، وسرعان ما ألقي القبض عليهن جميعا، وتم إرغام أزواجهن وأبنائهن على الخدمة في أوكرانيا، ولكن قديروف نفسه اضطر أيضا إلى إنكار أن حكومته تقوم بالتعبئة، حتى مع استمرارها بالحملة. وفي الوقت نفسه، أعلنت التشكيلات الشيشانية الموالية لأوكرانيا في أوكرانيا أنها تعتزم نقل المعركة إلى قديروف بعد طرد روسيا من الأراضي الأوكرانية.

كل ذلك ينذر بكارثة بطيئة الاحتراق لبوتين، فبالكاد يلتقي المرء بفرد في هذه المنطقة لا يعتقد أن حربا شيشانية ثالثة، عندما يكون بوتين وقديروف ضعيفين بما فيه الكفاية، على وشك الاندلاع، فالمكان الذي بدأ فيه بوتين وعزز قبضته على الحكم في روسيا، قد يكون المكان المناسب لتقويض كل شيء في النهاية.

قديروف اضطر أيضا إلى إنكار أن حكومته تقوم بالتعبئة
قديروف اضطر أيضا إلى إنكار أن حكومته تقوم بالتعبئة

6