القاهرة تستعد لإطلاق قنواتها الإخبارية بوجوه غير تقليدية

هل تقدر القنوات الإخبارية على التأثير عربيا ونقل الرؤية المصرية إلى العالم.
الثلاثاء 2022/10/11
خارطة إخبارية جديدة قد تتشكل

بدأت تحضيرات الشركة المتحدة لإطلاق سلسلة من القنوات المصرية الإخبارية تخطو خطوات جدية في تقديم صورة إعلامية جديدة من مصر. ويتساءل مراقبون: هل القنوات الإخبارية في مصر قادرة على المنافسة عربيا؟ وهل تتحلل برامجها من قيود السلطات المصرية؟ ولماذا يدخل التطوير التلفزيون ويهمل الصحافة؟

القاهرة – بدأ العد التنازلي لإطلاق قنوات الأخبار المصرية، وهي “القاهرة الإخبارية” و”إكسترا الحدث” إضافة إلى تطوير “إكسترا نيوز”، ومن المقرر دخولها الخدمة رسميا بداية من نوفمبر المقبل، ضمن خطة تستهدف امتلاك أحد أكبر القطاعات الإخبارية في الشرق الأوسط، ما يتواكب مع رؤية النظام المصري لتطوير الإعلام.

وكشفت مصادر إعلامية لـ”العرب”، وهي قريبة من ملف القنوات الإخبارية المزمع إطلاقها، أن هناك متابعة دقيقة من دوائر رسمية رفيعة المستوى داخل النظام المصري لخطوات الترتيب والإعداد الخاصة بالقنوات الإخبارية الثلاث، مؤكدة أن “الحكومة وفرت التمويل المادي اللازم لهذه الفضائيات، وهو ما ظهر في ضخامة التجهيزات والتحضيرات المرتبطة بالمحطات الإخبارية”.

محمد شومان: القاهرة الإخبارية، ستأخذ وقتا لتستطيع المنافسة

وقالت المصادر ذاتها، شريطة عدم الإفصاح عن هويتها، “إن آلية العمل والتجهيز داخل قناة القاهرة الإخبارية تعكس وجود إرادة سياسية كبيرة لتغيير الصورة الذهنية الراسخة عن الإعلام المصري، فكل شيء مُراقب بدقة، وثمة رغبة في التقليل من عدد القنوات الموجودة تدريجيا مقابل التركيز على منابر ذات ثقل ونفوذ وتأثير داخلي وخارجي”.

وأضافت المصادر الإعلامية أن “كل خطوة يتم الانتهاء منها داخل قطاع القنوات الإخبارية المصرية يتم عرضها على خبراء ومتخصصين في المجال، مع عدم الممانعة في التعديل وإضافة المزيد من وسائل نجاح المقترح عند التطبيق”، مؤكدة أن “هذه كانت ثقافة غائبة عن الإعلام، لكن الملاحظ الاعتماد بشكل أكبر على مخضرمين في المهنة، بعيدا عن أهل الثقة ومراكز القوى”.

ودشنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تمتلك وتدير غالبية وسائل الإعلام المصرية، في يوليو الماضي ما يسمى بـ”قطاع أخبار المتحدة” برئاسة الصحافي أحمد الطاهري، وأعلنت أنه سيشهد طفرة غير مسبوقة تعزز مكانة مصر الإعلامية تنفيذا لرؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي سبق أن أعلن عن نية الدولة أن تكون لديها منابر إقليمية ودولية تستطيع توصيل رسائل ورؤية القاهرة إلى العالم أجمع.

وبدأت قناة القاهرة الإخبارية نشر بروموهات ترويجية، في خطوة تعكس وجود إرادة لتحويل هذا المنبر إلى حقيقة قريبا، كما انتهت أعمال الإنشاء الخاصة بالقناة، وتم وضع اللوغو الخاص بها في واجهة مقرها الرئيسي بمدينة الإنتاج الإعلامي غرب القاهرة، مع إضاءتها بشكل مميز يعكس حجم المخطط لها.

ونشرت القناة في برومو ترويجي عدة شعارات تعهدت بأن تعمل على تطبيقها، وهي “السرعة، المصداقية، الصورة بكل أبعادها، الأخبار من كل العواصم، هنا القاهرة عاصمة الخبر”، وجاءت كإشارة مباشرة إلى أن الجهات المسؤولة عن قطاع القنوات الإخبارية ترغب في تقديم صورة مغايرة عن الإعلام المصري الذي لا يزال متهما بأنه يخاطب نفسه.

وأعلن المسؤولون عن القنوات الإخبارية قبل أيام بعضا من أسماء الإعلاميين الذين وقع عليهم الاختيار للعمل في محطة القاهرة الإخبارية، من بينهم الإعلامي خيري حسن وجمال عنايت والكاتب الصحافي عادل حمودة وأميمة تمام وجمانة هاشم وحساني بشير وكمال ماضي وهمام مجاهد وفيروز مكي ورغدة أبوليلة ومارينا المصري وإيمان الحويزي ومحمد جاد.

وأوضحت المصادر الإعلامية لـ”العرب” أن قطاع الأخبار في الشركة المتحدة انتهى من تدريب مئتي شاب من خريجي كليات الإعلام والعاملين في المهنة للاستعانة بهم كصف ثان وثالث للعمل في القنوات الإخبارية، وأغلبهم يذهبون إلى قناة القاهرة الإخبارية، مع استقطاب عناصر مميزة من المحطات التابعة للشركة في مراكز مختلفة ليكون لهذه المحطة فريق محترف خاص بها.

وتشير الكثير من الشواهد إلى وجود نية لدى القائمين على إدارة ملف الإعلام لاستبعاد الكثير من الأسماء والوجوه المستهلكة إعلاميا، ممن يطلون على الجمهور منذ سنوات ويتم تدويرهم بين القنوات، ويقع الآن إعداد جيل من الإعلاميين ليتم الاعتماد عليهم في إقناع المشاهد بأن هناك تغييرا يحدث في مجال الإعلام.

سامي عبدالعزيز: هناك رغبة في أن تكون لمصر قناة حقيقية لها ثقل

ومن المقرر تصعيد عدد من الوجوه الشابة في قناتيْ إكسترا نيوز وإكسترا الحدث، مع إطلاقهما خلال أيام، من بينهم هاجر سليمان شتا ورامي الحلواني ومحمد الرميحي وكريم حاتم ومحمد المهدي، وهي أسماء غير معروفة وخضعت لتقييم وتدريب من جانب عناصر مخضرمة في المهنة، وتم انتقاء هؤلاء للاعتماد عليهم في المحطتين.

وأكد سامي عبدالعزيز، العميد السابق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن ما يحدث على الأرض يشير إلى أن قناة القاهرة الإخبارية لن تكون نسخة من الإعلام المحلي الذي يعاني من تراجع المهنية والاحترافية، مبررا وجهة نظره بأن هناك خبراء في المهنة يرغبون في أن تكون لمصر قناة إخبارية حقيقية لها ثقل وتأثير.

وذكر لـ”العرب” أن “القائمين على إدارة ملف القنوات الإخبارية يدركون طبيعة الجمهور المستهدف، وعلى دراية بأن المنافسة التقليدية غير ذات جدوى، ويصرون على أن تكون الصورة مختلفة وعصرية”، لافتا إلى أن “مصر مليئة بالكوادر الإعلامية التي تحتاج فقط إلى فرصة واكتشاف، وقدرات مالية لاستمرار القنوات”.

وكانت المشكلة الأبرز بشأن إطلاق قناة، أو قنوات إخبارية بالنسبة إلى مصر، أن العديد من المسؤولين عن إدارة المشهد تعاملوا لفترة طويلة مع الإعلام بمنطق تجاري بحت، واهتموا بالمكسب المادي على حساب المردود السياسي من وراء الخطوة، حتى استفاقت الحكومة مؤخرا وأدركت خطورة السير في نفس الطريق مع حتمية الحضور على الساحة مهما كانت التكلفة المالية.

ويعتقد مراقبون للمشهد أن الدول التي لديها قنوات إخبارية، مثل الإمارات والسعودية وقطر، تدرك جيدا أن وجود منبر إعلامي قوي ومؤثر لا يقدّر بالمال، وهناك الكثير من الدول الأوروبية التي لديها قنوات تنطق بالعربية -مثل “فرانس 24″ و”بي.بي.سي عربي” و”روسيا اليوم”- لا تهتم بالنواحي المالية بقدر ما تبحث عن التأثير.

وعلى القنوات المصرية الجديدة أن تدرك أن المنافسة مع هذه النوعية من القنوات لا تنحصر في الشق المالي فقط، فارتفاع المهنية التي ترفع شعارها مكنها من الانتشار.

ويخشى محمد شومان، عميد كلية الإعلام في الجامعة البريطانية بالقاهرة، ألا يستمر الدعم المادي لقناة القاهرة الإخبارية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة، لأن إطلاق محطة دولية لها حضور وتأثير مسألة مكلفة للغاية، لكن الأهم من الانطلاقة أن يكون التصور الخاص بها غير تقليدي وسياستها مستقلة ومحتواها مهنيّا.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “هناك قنوات عربية لها تأثير إقليمي ودولي قوي، لذلك مهما بلغت ضخامة التجهيزات الخاصة بفضائية القاهرة الإخبارية، فإنها ستأخذ وقتا لتحقق الغرض وتستطيع المنافسة، وبالتالي لا بديل عن إطلاق منصات إلكترونية عملاقة تخاطب الخارج بالتوازي مع القنوات الإخبارية المصرية لمواكبة تطورات العصر وتلبية احتياجات الجمهور”.

Thumbnail

وشدد على أن الحضور الإعلامي لمصر في الخارج يتطلب تصورات جديدة للمنابر المطلوب التعويل عليها، فهناك حاجة ملحة لمنصة ضخمة تخاطب جمهور شبكات التواصل ومتصفحي الإنترنت، بمحتوى في جميع التخصصات والمجالات، وبطريقة عصرية، كالبث المباشر والتقارير المصورة والتغطيات الحية، بشكل يضيف إلى القناة بعد ذلك، لأن المنافسة محتدمة.

ويتوقف نجاح القاهرة الإخبارية وأخواتها على مدى استقلاليتها المهنية وعدم المبالغة في التركيز على التصرفات المصرية، لأن الجمهور المتلقي، سواء أكان عربيا أم أجنبيا أم محليا، لن يقبل رسائل موجهة خالية من الحرية والموضوعية، فلا مانع من دعم رؤية الدولة وسياساتها والترويج لها ومساندة مصالحها، لكن بطريقة غير مباشرة وإلا ستصبح نسخة من القنوات المصرية المحلية الراهنة.

16