حضور متزايد لشركات الطاقة الصينية في الشرق الأوسط

بكين تستعمل ترسانتها السياسية لتأمين نموها الاقتصادي.
الجمعة 2022/10/07
هدف الصين من توسيع نفوذها في الشرق الأوسط تأمين أكبر تجمعات محتملة من النفط والغاز لنفسها

تمكّنت الصين من تعزيز نفوذها أكثر خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة، مع العديد من اللاعبين الروّاد في قطاع النفط والغاز في العالم، متجاوزة غيرها من أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون الأقوياء كروسيا وكازاخستان والهند التي ستتولى رئاسة المنظمة للعام المقبل، بالإضافة إلى إيران التي أعلِن عن انضمامها إلى المجموعة في نهاية القمة.

بكين - مذكرات تفاهم عديدة تم التوقيع عليها، في تحرك حاسم لخطط الصين طويلة الأجل لمنظمة شنغهاي للتعاون ومشروع الهيمنة على الطاقة متعدد الأجيال “حزام واحد، طريق واحد”، حصلت بموجبها المملكة العربية السعودية وقطر ومصر على صفة شريك في المنظمة. كما تم التوصل إلى اتفاق بشأن البحرين والكويت والإمارات ودول أخرى التي ستحصل على صفة “شركاء الحوار”.

ويقول سيمون واتكينز في موقع ”أويل برايس“ إن وزراء خارجية السعودية والكويت وعمان والبحرين والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي توجهوا خلال شهر يناير إلى بكين لحضور اجتماع زيارة تستغرق خمسة أيام لدفع المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.

الهدف الإستراتيجي هو تأسيس اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي و”تعاون إستراتيجي أعمق في منطقة تظهر فيها الهيمنة الأميركية علامات على التراجع”، حسب تقارير إخبارية محلية.

قوى الصين المتعددة

لالا

منظمة شنغهاي للتعاون كشفت عن استخدام الصين القوة الناعمة، إلى جانب العديد من آليات القوة الصلبة لاستمالة الدول نحو مجال نفوذها، مع أن وسائل الإعلام الغربية غالبا ما تتجاهل منظمة شنغهاي للتعاون. هذا النقص في التغطية يغض الطرف عن النطاق الهائل لمنظمة شنغهاي للتعاون الذي يعد مكافئا لاتفاقية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمكسيك وكندا ومنظمة حلف شمال الأطلسي مندمجة.

المنظمة التي تأسست في العام 2001 لتحلّ محلّ مجموعة شنغهاي الخماسية التي تأسست في 1996 وكانت تضم الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، تعد أكبر منظمة إقليمية في العالم من حيث النطاق الجغرافي وعدد السكان. فهي تغطي 60 في المئة من القارة الأوروآسيوية، وتجمع 40 في المئة من سكان العالم وأكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويتراوح نطاق المنظمة التشغيلي من الأمن الجماعي والتعاون العسكري، على غرار حلف الناتو، إلى الاقتصادي والنقابي، كحال الاتحاد الأوروبي واتفاقية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

الدولة التي تسعى الصين وراءها حقا هي المملكة العربية السعودية، بتوقيع مذكرة تفاهم معها عبر منظمة شنغهاي

ويبقى الشرق الأوسط على رأس جدول أعمال الصين من حيث الطاقة، حيث يتمثل هدفها المباشر في تأمين أكبر تجمعات محتملة من النفط والغاز لنفسها بما يخوّل لها دعم نموها الاقتصادي. ويكمن هدف الصين اقتصاديا في تجاوز الولايات المتحدة من حيث الناتج المحلي الإجمالي في غضون السنوات العشر القادمة لتصبح القوة الاقتصادية الرائدة في العالم. لذلك، لا يكفي فقط أن تؤمن الصين أكبر تجمعات ممكنة من النفط والغاز في الشرق الأوسط، والذي لا يزال أكبر خزان جماعي في العالم لمثل هذه المنتجات، ولكن أيضا لتأمينها على حساب الولايات المتحدة، مما يجعلها لعبة محصلتها صفر لكلا البلدين. وهذا هو النموذج الذي اعتمدته الولايات المتحدة لعقود، ومن المنطقي أن تفعل الصين الشيء نفسه مستفيدة أيضا من التردد السابق في الغرب بشأن تأثير انبعاثات الكربون.

وسمح إحجام الغرب عن المضي قدما في الاستثمار في النفط والغاز وعدم بناء جسر البنية التحتية المطلوب للانتقال إلى الطاقة الخضراء كبديل لهذه المنتجات عالية الانبعاثات الكربونية، لاسيما الفشل في الاستثمار في الطاقة النووية، لمجال نفوذ الصين باستغلال ميزتين كبيرتين؛ أولهما استمرار الصين نفسها في استخدام أي وقود تريده لتعزيز نموها، وعادة بتكلفة أرخص بكثير من بدائل الغرب الخضراء. وثانيهما الافتقار إلى بناء جسر البنية التحتية الانتقالية للطاقة الخضراء في الغرب الذي أدى إلى جعل الأجزاء الإستراتيجية الأساسية منها، ولاسيما الاتحاد الأوروبي، مدينة بالفضل لروسيا شريكة الصين في هذا المخطط.

على رأس السلطة الصينية، يدرك شي جين بينغ تماما كيف حقّقت الولايات المتحدة نموها على مدى المئة عام الماضية، بشراء النفط بأسعار منخفضة من الشرق الأوسط هو عنصر رئيسي، كما يُدرك كيف نجحت المملكة المتحدة في المئة عام التي سبقتها.

مصدر كبير في أمن الطاقة من الاتحاد الأوروبي يقول لأويل برايس “إن شي معجب كبير بشركة الهند الشرقية (البريطانية)، ومعرفته بكيفية عملها تجاريا وفاعليتها لمصالح الدولة البريطانية واسعة النطاق”. وفي الواقع، يتضح أن أحد الدروس التي تعلمها شي هو قيمة عرض الاستثمار في البلدان في البداية ثم الاستفادة من ذلك في اكتساب سلطة سياسية واسعة النطاق، كما فعلت شركة الهند الشرقية بنجاح في جميع أنحاء الهند وجنوب شرق آسيا وشرقها، بما في ذلك في هونغ كونغ والصين.

كيف تنظر الصين إلى إيران

ىى

إيران ليست على رأس قائمة الصين، على الرغم من أنها دولة مفيدة لثرواتها الضخمة وغير المستغلة نسبيا من النفط والغاز، ومن قدرتها على التشويش على مصالح الولايات المتحدة هناك وفي أي مكان آخر. ذلك أن الدولة التي تسعى الصين وراءها حقا في الشرق الأوسط هي المملكة العربية السعودية، ومن خلال التوقيع على مذكرة تفاهم معها عبر منظمة شنغهاي للتعاون، تضيف الصين مصداقية تنظيمية رسمية إلى ما فعلته مع المملكة لسنوات.

 وكان لتدخل بكين في هذا الصدد أثر بالغ في مدّ يد العون لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على المستوى المحلي والدولي بالعرض العمومي الافتتاحي الذي قدّمته لأرامكو السعودية، ومن هذه النقطة فصاعدا، كان بن سلمان مدينا للصين، كما كان الحال مع قادة الدول التي استهدفتها شركة الهند الشرقية وساعدتها بالمثل، وتبع ذلك إيجابية السعودية تجاه الصين التي زادت من نفوذها هناك.

وتعتبر السعودية الآن محركا رئيسيا في دفع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، والهدف الرئيسي منها هو صياغة “تعاون إستراتيجي أعمق في منطقة تظهر فيها الهيمنة الأميركية علامات تراجع” وأصبحت الآن من كبار المدافعين عن الابتعاد عن هيمنة الدولار الأميركي في تسعير النفط والغاز العالمي.

الصين لعبت دورا رئيسيا وبارزا في هندسة الجولات الخمس من المحادثات السرية بين كل من السعودية وإيران

نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي محمد التويجري قال في مؤتمر سعودي صيني في جدة، بعد أن قدمت الصين عرضا لشراء حصة 5 في المئة بالكامل من أسهم أرامكو “سنكون على استعداد تام للنظر في التمويل بالرنمينبي والمنتجات الصينية الأخرى. فالصين تعدّ إلى حد بعيد واحدة من أكبر الأسواق لتنويع التمويل، وسنصل أيضا إلى الأسواق الفنية الأخرى من حيث فرص التمويل الفريدة والاكتتابات الخاصة وسندات الباندا وغيرها”.

تزامنت تلك التعليقات مع زيارة كبار السياسيين والممولين الصينيين إلى السعودية، حيث تضمنت لقاء بين الملك سلمان ونائب رئيس الوزراء الصيني تشانغ غولي في جدة. وتقرر في هذه الاجتماعات، وفقا لتعليقات في ذلك الوقت من وزير الطاقة السعودي آنذاك، خالد الفالح، أيضا أن تنشئ الرياض وبيكين صندوقا استثماريا بقيمة 20 مليار دولار في القطاعات مثل البنية التحتية والطاقة والتعدين والمواد، من بين مجالات أخرى. وجاءت اجتماعات جدة في أغسطس عام 2017 إثر زيارة تاريخية للملك سلمان إلى الصين في مارس من ذلك العام، جرى خلالها توقيع ما تصل قيمته إلى 65 مليار دولار من الصفقات التجارية في قطاعات تشمل تكرير النفط والبتروكيمياويات والصناعات الخفيفة والإلكترونيات.

منذ ذلك الحين، أبرم عدد كبير من الصفقات بين البلدين، كان آخرها التوقيع في أغسطس الماضي على مذكرة تفاهم متعددة الجوانب بين أرامكو السعودية وشركة النفط والكيمياويات الصينية ”سينوبك“.

وعن ذلك يقول رئيس شركة ”سينوبك“ يو باوكاي “يُدخل توقيع مذكرة التفاهم فصلا جديدا من شراكتنا في المملكة. ستتكاتف الشركتان في تجديد الحيوية وإحراز تقدم جديد في مبادرة الحزام والطريق، ورؤية 2030“. ولا يجب التغاضي عن الدور الكبير الذي يتردّد أن الصين قد لعبته في هندسة الجولات الخمس من المحادثات السرية بين السعودية وإيران.

6