ازدواجية تراس: تأنيب روسيا وإعادة النظر في نقل السفارة إلى القدس

اندفاعة سياسية خارجية غير محسوبة العواقب.
الثلاثاء 2022/10/04
تراس لا ترى الخلل الذي تقع فيه بالكيل بمكيالين

الموقف الأخير لرئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس بدا مختلفاً في التأسيس لحقبة جديدة من السياسة الخارجية للندن، عبر إبلاغها لنظيرها الإسرائيلي أنها تراجع قرار نقل السفارة إلى القدس الذي يتعارض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ما من شأنه أن يقلب عقودا من السياسة البريطانية، في حين تواصل تصعيدها المستمر ضد الحرب التي شنّها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا.

لندن - يتساءل المراقبون عن سر الاندفاعة التي قد تكون غير محسوبة، والتي بدت عليها مواقف ليز تراس المستجدة بعد تولّيها رئاسة الوزراء، بدءا من إبلاغها لرئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد على هامش الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة، من أنها كانت “تفكر” في نقل سفارة المملكة المتحدة إلى القدس.

 ويذكر أن ثلاث دول فقط قرّرت السير خلف قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي أعلنه في مايو 2018. وهذه الدول هي غواتيمالا وكوسوفو وهندوراس.

وينظر البعض إلى دعم لندن المحتمل، وهي عضو دائم في مجلس الأمن لقرار ترامب الذي أيدته ثلاث دول صغيرة فقط، على أنه أمر غير عادي سيقلب عقودا من سياسة المملكة المتحدة التي اتسمت بالتوازن والدقة.

ولو فعلت تراس ذلك فإنه من شأنه أن يعطي زخما هائلا للحكومة الإسرائيلية لمواصلة جهودها لـ”تطهير” القدس الشرقية من العرب، حسب تقرير ”عرب دايجست“، من خلال احتلال المنازل ومصادرة الممتلكات، متجاوزاً آمال الفلسطينيين في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة في المستقبل.

حكومة المحافظين بقيادة تراس تردد باستمرار أن احتلال وضم الأراضي الأوكرانية بالقوة أمر غير قانوني

معركة شرسة

لابيد استغل تعليق تراس في تغريدة قال فيها “أشكر صديقتي العزيزة، رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، التي أعلنت أنها تفكر بإيجابية في نقل السفارة البريطانية إلى القدس، عاصمة إسرائيل، سنواصل تعزيز الشراكة بين البلدين“، وكان قد أعرب في وقت سابق عن سعادته بانتخابها زعيمة لحزب المحافظين ورئيسة للوزراء في تغريدة وصفها فيها بأنها “صديقة عظيمة لإسرائيل”.

تراس التي فازت برئاسة الوزراء بأغلبية 81 ألف صوت فقط من أعضاء حزب المحافظين بهامش أقل مما توقعه الكثيرون، بعدما فضّل غالبية أعضاء البرلمان الحاليين منافستها مثل ريشي سوناك، لهذا، ربما كانت تفكر في أنها في حاجة إلى تعزيز موقعها داخليا بمنظمات مثل أصدقاء إسرائيل المحافظين.

وكانت قد بذلت قصارى جهدها لدعم سياسة الحكومة الإسرائيلية في معركتها الشرسة على القيادة مع سوناك. وبعثت تراس وسوناك رسائل إلى أصدقاء إسرائيل المحافظين بينما كان سباق القيادة في مرحلته الأخيرة مع تصويت أعضاء الحزب.

 وبينما كان دعم سوناك لإسرائيل محسوبا، ألقت تراس الحذر في مهب الريح، ووعدت في رسالتها “بضمان تقديم مشروع القانون المقترح لإنهاء المجالس المحلية التي تفرض سياسات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تستهدف إسرائيل”. ووصفت هذه السياسة بأنها “تمييزية” ووعدت بأنها “ستضع لها حدا”.

ودعمت تراس لابيد بمهاجمة الأمم المتحدة ولجنتها الخاصة التي تحقق في إسرائيل واصفة إياها بأنها “منحازة مؤسسيا ومضيعة للمال“، وقالت إنه “يجب ألاّ يكون لممثلي الأمم المتحدة الذين لديهم تاريخ من الملاحظات المعادية للسامية دور في مراجعة أنشطة إسرائيل”.

انقلاب على نهج سياسي

ju

وتقول صحيفة “جيويش كرونيكل” عن موقف تراس إنها “لم تصل إلى حد الالتزام بالخطوة“، غير أن إعلانها عن المراجعة كان أبعد مما وصل إليه أي سياسي بارز يشغل بالفعل منصبا رفيعا في هذا الشأن“.

المملكة المتحدة كانت قد صوّتت لصالح القرارات 242 و252 و478 بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية، وكان القرار رقم 242 صريحا في “عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب“، والقرار 252 ينص على أنه ”كقوة احتلال، يُحظر على إسرائيل تأكيد أيّ شكل من أشكال المطالبة السيادية على أيّ جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية“.

إسرائيل ضمّت القدس الشرقية وأجزاء من الضفة الغربية من جانب واحد وبصورة غير قانونية، مباشرة بعد احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967. وحينها أعلن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الفور من خلال القرار 252 أن “جميع الإجراءات التشريعية التي تتخذها إسرائيل والتي تميل إلى تغيير الوضع القانوني للقدس باطلة ولا يمكنها تغيير هذا الوضع“، فيما تناول القرار 478 ضم الكنيست رسميا للقدس الشرقية عام 1980، ووجه اللوم إلى إسرائيل بأشد العبارات، واصفا إياها بأنها “انتهاك للقانون الدولي”.

حزب المحافظين يؤكد على أن احتلال الأراضي الأوكرانية ذات السيادة وضمها بالقوة أمر غير قانوني

كان الموقف الرسمي البريطاني طويل الأمد هو دعم القانون الدولي ومجموعة قرارات الأمم المتحدة حول الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وعندما نقل ترامب السفارة الأميركية، سارعت المملكة المتحدة للانضمام إلى المجتمع الدولي في إدانة هذه الخطوة.

المفارقة المحرجة التي تقع فيها تراس تشير إليها رسالة وجهها أكاديميان كنديان إلى مجلس العموم البريطاني. وتقول الرسالة إن الحكومة البريطانية أدانت احتلال بوتين وضم شبه جزيرة القرم في مارس 2021، ونقلت عن نيل بوش سفير المملكة المتحدة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا قوله “انتهكت تصرفات روسيا بشكل صارخ التزاماتها الدولية بما في ذلك المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، ووثيقة هلسنكي النهائية ومذكرة بودابست. قوضت أفعالهم وتستمرّ في تقويض أمننا جميعا. ولن يجعلها مرور الوقت مقبولة أبدا”.

ومنذ الغزو الذي وقع في فبراير الماضي، أعلنت حكومة المحافظين في عهد بوريس جونسون في البداية والآن تحت قيادة تراس مرارا وتكرارا أن احتلال الأراضي الأوكرانية ذات السيادة وضمها بالقوة أمر غير قانوني مستشهدة بالقانون الدولي. ويبدو أن تراس لا ترى الخلل الذي تقع فيه بالكيل بمكيالين أمام حالتين متطابقتين لخرق القانون الدولي.

6