بوتين يعبث في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة

النفوذ الروسي في أميركا اللاتينية يتسع وعسكريون وخبراء يحذرون.
الثلاثاء 2022/10/04
عمليات توسيع نطاق النفوذين الصيني والروسي في أميركا اللاتينية ترقى لتكون تهديداً هائلا لمصالح واشنطن في المنطقة

يثير النفوذ المتزايد لروسيا في أميركا اللاتينية قلقَ القادة العسكريين والمحللين السياسيين الأميركيين، بالتزامن مع النفوذ الهائل للصين في المنطقة التي تعد بالفعل الشريك التجاري الأكبر والمستثمر الأكبر أيضا بالنسبة إلى دول المنطقة عدا المكسيك. وبينما وقعت 21 دولة في أميركا اللاتينية والكاريبي على مبادرة الحزام والطريق الصينية، لم تتزحزح مبادرة الرئيس جو بايدن للتصدي للصين منذ إعلانها.

واشنطن - على الرغم من وجود تحذيرات عديدة سابقة من خطر اتساع النفوذ الروسي في أميركا اللاتينية، كشهادة الجنرال جون كيلي قائد سلاح مشاة البحرية الأميركي الذي قال أمام مجلس الشيوخ في مارس عام 2015 “إنه رغم أن تواجد روسيا في أميركا اللاتينية لا يقارن في الحجم بتواجد الصين، فإن روسيا قامت في السنوات الأخيرة بتوسيع نطاق نفوذها في أميركا اللاتينية”، إلا أن واشنطن لم تول تلك التحذيرات الاهتمام الكافي، كما لم تتخذ إجراءات للحد من توسع النفوذ الروسي الذي يحدث على مقربة من حدودها وفي نطاقها الحيوي الأول.

وترى الخبيرة الأميركية جوديث بيرغمان أن روسيا تسعى جاهدة لتوسيع نطاق نفوذها في القارة اللاتينية، وبصفة خاصة منذ قرر الرئيس فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا وما أعقبه من عزلة روسيا على الصعيد العالمي. وتضيف بيرغمان وهي كاتبة صحافية ومحامية في تحليل نشره معهد جيتستون الأميركي، أن وسيلة روسيا لتوسيع نطاق نفوذها في أميركا اللاتينية مماثلة لأساليبها في أفريقيا، حيث سعت في المقام الأول لممارسة النفوذ من خلال صفقات الأسلحة، واستخدام مرتزقتها، والتدخل في الانتخابات، إضافة إلى نشر المعلومات المضللة.

دعم الأنظمة غير الليبرالية

في غياب الإدارة الأميركية
في غياب الإدارة الأميركية

وكانت شهادة الجنرال كيلي تعبيراً من الجيش الأميركي عن القلق البالغ من أن روسيا لا تعزز علاقاتها مع شركائها القدامى في أميركا اللاتينية مثل كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا وحسب، ولكنها تقيم الآن علاقات جديدة وأقوى مع دول كانت تميل تقليديا تجاه الولايات المتحدة مثل البرازيل والأرجنتين.

بوتين، وقبل وقت قصير من غزو أوكرانيا، عقد اجتماعاً مع الرئيسين البرازيلي جايير بولسونارو والأرجنتيني ألبرتو فرنانديز، بينما وقع على اتفاق للتعاون الأمني مع فنزويلا. وقال ريان سي بيرغ مدير برنامج الأميركتين في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إنه رغم هذا “أخرجت الولايات المتحدة نصف الكرة الغربي من قائمة أولوياتها وقلصت حجم استثماراتها هناك طوال عقود”.

وأضاف بيرغ قوله “إن الصين وروسيا تدعمان الأنظمة غير الليبرالية في نصف الكرة الأرضية مثل فنزويلا، مما يضاعف من التحديات الأمنية الإقليمية ويكبح التحولات السياسية نحو الديمقراطية”.

إن كل هذا يُذكر، حسب بيرغ، بزيارة مفاجئة قام بها الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف إلى المنطقة خلال الأزمة في جورجيا عام 2008، وكان كل هدفها إظهار أن روسيا ليست معزولة دوليا. وعادة ما يعقب أي عدوان روسي في أوروبا تصعيد عسكري في أميركا اللاتينية، كما حين أرسلت روسيا قاذفات عسكرية من طراز تي.يو 160 القادرة على حمل قنابل نووية إلى فنزويلا لإجراء تدريبات في السابق.

وسبق أن قدّم إيفان إليس أستاذ أبحاث الدراسات الخاصة بأميركا اللاتينية في معهد الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأميركي إفادة أمام اللجنة الفرعية لشؤون السياسة الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي لقسم الكرة الغربي في يوليو الماضي، قال فيها “بينما كان احتضان الأنشطة العسكرية الروسية قاصرا على الأنظمة الاستبدادية المناهضة للولايات المتحدة، فإن استعداد بعض الدول الأخرى لدعم روسيا والتواصل معها مثير للقلق”.

والأمثلة الرئيسية تشمل الدعم الرمزي والخطابي الذي أعطته حكومتا الرئيسين الأرجنتيني ألبرتو فيرنانديز، والبرازيلي جايير بولسونارو لبوتين خلال زيارة قام بها كل منهما إلى موسكو فيما كان جيشه يستعد لغزو أوكرانيا. وذهب الرئيس الأرجنتيني إلى أبعد من ذلك وعرض أن تكون حكومته البوابة لدخول روسيا إلى أميركا اللاتينية، ووصف الرئيس المكسيكي أندرياس مانيول لوبيز الدعم العسكري من جانب حلف الناتو لمساعدة أوكرانيا على التصدي للعدوان الروسي بأنه “غير أخلاقي”، بينما أكد بوتين والرئيس البرازيلي اعتزامهما تعزيز شراكتهما الإستراتيجية.

بايدن الذي لا يتحر ك

غغ

الجنرال لورا جي ريتشاردسون قائدة القيادة الأميركية الجنوبية قالت بدورها في شهادة أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، إن الإجراءات الروسية في أميركا اللاتينية تقوض بشكل كبير الوضع الأمني هناك، إضافة إلى تمكين الصين من كسب النفوذ. وأضافت ريتشاردسون أن “سلامة الولايات المتحدة مرتبطة على نحو مباشر باستقرار وأمن شركائنا في أميركا اللاتينية والكاريبي”.

وتشير بيرغمان إلى أنه يجب النظر إلى نفوذ روسيا المتزايد في أميركا اللاتينية بالتزامن مع نفوذ الصين الهائل في المنطقة حيث تعد بالفعل الشريك التجاري الأكبر والمستثمر الأكبر أيضا بالنسبة إلى دول المنطقة عدا المكسيك.

وبينما وقعت 21 دولة في أميركا اللاتينية والكاريبي على مبادرة الحزام والطريق الصينية، لم تتزحزح مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن التي يطلق عليها “إعادة بناء عالم أفضل” التي أعلنها في يونيو عام 2021 كوسيلة للتصدي للصين.

إن عمليات توسيع نطاق النفوذ الصيني والروسي في أميركا اللاتينية معا ترقى إلى حد تهديد هائل لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، حسب المحللين السياسيين، فيما لا يبدر عن إدارة بايدن أي تحرّك يذكر.

 وكان بايدن وعد خلال حملته الرئاسية في شهر مارس عام 2020 باستعادة القيادة الأميركية إلى المنطقة، وذلك ردا على سؤال عما إذا كان نفوذ الصين المستفحل في أميركا اللاتينية يشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي، لكنه وكما تحذر بيرغمان، لم يتخذ أي إجراء لترجمة أقواله إلى أفعال، بينما تواصل روسيا والصين تعزيز مكاسبهما في المنطقة.

6