تونسية تعيد ألق الوشم الأمازيغي كذاكرة للجسد

بعد أن كان الوشم الأمازيغي في تونس هوية وتراثا منذ الآلاف من السنين خف بريقه حتى أصبح وصمة تخلف، إلا أن التونسية منال مهدواني أعادت إليه ألقه ليس فقط كرسم على الأجساد بل كثقافة وخطوط تحفظ ذاكرة الأمازيغ في تونس.
تونس - تعيد فنانة الوشم التونسية منال مهدواني إحياء التصاميم الأمازيغية التقليدية التي طالما اعتُبرت غير عصرية لكنها تزداد شعبية بين الجيل الجديد.
ولا يتحدث سوى قلة من التونسيين الآن اللغة الأمازيغية الأكثر شيوعا في الجزائر والمغرب، وكثيرا ما تُحوّل العلامات الظاهرة للهوية الثقافية الأمازيغية إلى زخارف في الحرف اليدوية وخاصة في المنسوجات والأزياء التي تُنتج بكميات كبيرة للسياح.
ومن بين التونسيين هناك من ينظر إلى هذه العلامات على أنها رموز لماض سحيق خالية من المعنى، لكن بعض الشباب أصبحوا مهتمين الآن بجذورهم الأمازيغية، ويذهبون إلى مهدواني (35 عاما) لربطهم بجذورهم القديمة من خلال الوشم ورموزه الجميلة والمعقدة.
قالت لولا (طلبت عدم ذكر اسم عائلتها) وعلى الجزء الأعلى من صدرها وشوم في شكل مجموعات من النقاط الزرقاء الغامقة “الرموز الموجودة في وجه المرأة أو يديها كانت أيضا رموز القبيلة التي تنتمي إليها؛ منزلة أبيها -أو زوجها- الاجتماعية، هل هي متزوجة أم لا؟ وإن كانت متزوجة هل لها أولاد؟ يمكن قراءة هذه المعلومات من خلال النقوش على جسدها”.
وأضافت “أنا أرى أن كل هذه الأشياء مثل بطاقة التعريف؛ أي أن تاريخها مكتوب عليها، وهذا ما أقوم به. أنا مثل صفحة الفيسبوك.. هذه صفحتي؛ أي أن كل رمز -أو كل وشم- على جسدي له معنى”.
ومع انتشار الوشم في جميع أنحاء العالم نحا بعض التونسيين الشباب هذا المنحى، لكن دون النظر إلى تقاليدهم الخاصة فيما يتعلق بفنون الجسد.
وقالت مهدواني إن “الكثير من التونسيين نشأوا وهم ينظرون إلى الوشم الأمازيغي على أنه تخلف”. وأضافت “كانت هناك فكرة سيئة عن هذا النوع من الوشم؛ كان الناس يقولون بأنه تخلف، بالنسبة إلي هذه الكلمة خالية من المعنى لأنهم يطلقونها على شيء لا يفهمونه ولا يعرفونه، بل بالعكس تلك الرموز كانت ومازالت لها قيمة كبيرة في الحضارة الأمازيغية”.
ومضت قائلة “أنا أردت أن أغير هذه الفكرة المغلوطة المنتشرة بين الناس. هناك الوشم الماوري المعروف في العالم، وكل الوشم القبائلي معروف في العالم، والناس فخورون بتقاليدهم. نحن أيضا يجب أن نفتخر بعادة الوشم التي كانت موجودة منذ آلاف السنين في تونس وليست جديدة، ولكن هناك عوامل عديدة كانت وراء تراجع الوشم، رغم أنه ذاكرة جسد الأمازيغيات”.
وأجرت مهدواني أبحاثا في وشم “التكاز” الأمازيغي التقليدي الذي تعتبره موضوعا واسعا لما يحمله من معان، وجمعت التصاميم وتعرفت على عادات استخدام فنون الجسد لدرء المرض أو سوء الحظ من خلال رموز معينة ودائمة على أجزاء مختلفة من الجسم.
وتتذكر بدايتها مع هذا الفن قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه والتحديات التي كانت تواجهها بداية من نظرة المجتمع إلى رموز هذا الفن المعقدة.
وقالت “لم أكن أتخيل أنني سأصل إلى هذا المستوى في عملي منذ أن بدأت، لأنني عندما بدأت كنت أول امرأة تُعنى برسم الوشم في تونس… لم يكن العمل سهلا… لأن رسّامة الوشم -أو حتى رسام الوشم- كانت تتعلق بها فكرة نمطية، هي أن هذا الفن مرتبط بالسجون أو المجرمين”.
وفي قرية خارج مدينة القيروان بوسط البلاد سألت مهدواني سيدة مسنة تدعى سعيدة عيساوي، وتحمل علامات الوشم على جبهتها وخديها وأنفها وذقنها، عن مدى انتشار الوشم بين الناس في صغرها.
فقالت عيساوي “كانوا جميعا موشومين في أرجلهم وأيديهم وصدورهم أيضا. كان الوشم مظهرا من مظاهر زينتنا ولكل منطقة من البلاد لها وشومها ورسوماتها”.
بعد ذلك قامت مهدواني بنسخ تصميمات سعيدة عيساوي بعناية. وقالت “هدفي من البحث الذي أقوم به منذ سنوات هو أن أعيد قيمة الوشم الأمازيغي، وأعرّف الشباب بأن هذا الموروث هو جزء من حضارتهم وجزء من تاريخ بلادهم”.
وأضافت “لا أسعى لأن يرسم الشباب الوشوم على أجسادهم بقدر ما أريد أن يعرفوا ما تعنيه هذه الوشوم والثقافة الأمازيغية بصفة عامة، فعندما يشاهدون في الشارع امرأة موشومة يستطيعون تقدير ذلك الوشم ويحترمون قيمته التاريخية”.