خيول عربية أصيلة في سوريا تنفض عن نفسها غبار الحرب

المربون يهتمون بخيولهم كاهتمامهم بأولادهم رغم الحرب والجفاف.
السبت 2022/09/24
هروب من شظايا الحرب

تعتبر سوريا إحدى الدول العربية الرئيسية التي تهتم بتربية الخيول العربية الأصيلة، ولعبت دورا أساسيا في تطور الجواد العربي عبر التاريخ، وتنتشر فيها مزارع لتربية الخيول العربية الأصيلة، ويبذل مربو الخيول جهودا مضاعفة في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد من أجل المحافظة على سلالة الخيول.

دمشق - حافظ مربو الخيول العربية الأصيلة في سوريا على خيولهم رغم سنوات الحرب التي تجاوزت عامها الحادي عشر، حيث تعرضت الكثير من مزارع الخيول في بعض المناطق إلى السرقة والتدمير المقصود والقتل، وفقدت الآلاف من الخيول العربية الأصيلة التي تنحدر من خمسة أرسان أساسية.

وقال مدير مكتب الخيول السابق في وزارة الزراعة السورية المهندس غياث الشايب لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) “خلال سنوات إدارتي لمكتب الخيول من 2014 إلى 2020 أرسلت بين عامي 2015 و2016 لجاناً إلى مناطق ساخنة خارج سيطرة الدولة السورية في محافظات الحسكة ودير الزور ودرعا لوشم وتسجيل الخيول، وتم وشم أكثر من 500 جواد وأخذ عينات شعر أرسلت إلى المخبر في ألمانيا”.

وأضاف أن “عدد الخيول في سوريا حالياً تجاوز 13 ألف جواد، وخلال سنوات عملي تم تسجيل أكثر من 5 آلاف جواد نظراً لصعوبة الوصول إلى كل المناطق والتسجيل السنوي، وحتى عام 2020 كان عدد الخيول الموجودة في سوريا حوالي 10 آلاف رأس، وقد سرق وخرج من البلد بشكل غير مشروع حوالي ثلاثة آلاف رأس، واستعدنا منها 200 جواد بالتعاون مع الجيش السوري”.

وتعرضت جميع مزارع الخيول في محافظة حلب للسرقة والنهب. ويقول محمد الجابري (أحد مالكي مزرعة الجابري) “سرقت جميع مزارع الخيول في محافظة حلب وعددها تسع مزارع، وفي صيف عام 2014 دخل مسلحون من تنظيم داعش إلى مزرعتنا شرق مدينة حلب وأخذوا جميع الخيول التي كان عددها أكثر من 100 جواد ومنها أفراس على وشك الولادة، ونقلت إلى نادي الفروسية في الرقة التي تعرضت لقصف من قبل طائرات التحالف الدولي، حيث قتلت وجرحت العشرات من الخيول، كما نقلت خيولنا إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية – العراقية، وبيع بعضها في مزادات والباقي نقل إلى العراق من قبل عناصر تنظيم داعش”.

وتعاني الخيول المنتشرة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في شمال سوريا من عدم وجود وثائق وسجلات لها باعتبار أن تلك المناطق خارج سيطرة الحكومة السورية.

خيول بلا سجلّات

لا نبيع مهما غلا الثمن
لا نبيع مهما غلا الثمن

يقول رئيس الرابطة السورية للخيول العربية الأصيلة في الشمال السوري محمد صبحي الأفندي “في مناطق ريف حلب الشمالي وإدلب يوجد أكثر من 650 رأس خيل غير مسجل، ما يهدد هذه الخيول بضياع نسبها في حالة وفاة الأم التي أصبح لها العديد من الولادات”.

ويضيف الأفندي “طلبنا من مكتب منظمة الخيول العربية الأصيلة (واهو) في دمشق إرسال لجان لتسجيل الخيول، ولكنه يتحجّج دائماً بأن المنطقة خارج سيطرة الدولة السورية، ونحن كجمعية أهلية تضم مربي الخيول تعهدنا بضمان أمن أي أحد يقوم بتسجيل خيولنا، كما وافقنا على نقل الخيول إلى المعابر مع مناطق الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ولكن لم نصل إلى جواب. هي خيول عربية سورية بغض النظر عن مناطق السيطرة، ولكن يبدو أن هناك تعمداً لعدم تسجيل هذه الخيول وتركها في عالم المجهول، نطالب منظمة “واهو” -باعتبارها منظمة دولية- بالتدخل لإرسال لجان لتسجيل الخيول في الشمال السوري”.

محافظة الحسكة شمال سوريا هي مربط الخيول العربية الأصيلة، ويتجاوز عدد الخيول الموجودة فيها حاليا 6 آلاف رأس

يذكر أن الجواد العربي الأصيل يعتبر من أقدم سلالات الخيول في العالم؛ إذ يعود تاريخ نشأته إلى 3000 سنة قبل الميلاد ويتميز بجماله وقوته وشجاعته ووفائه، ما جعله محط أنظار العالم قديما وحديثا، حيث يرغب معظم مربي الخيول في اقتنائه وتحسين السلالات الأخرى.

ويتفق مدرب الخيول محمد العواد أبوالزعيم والمربي محمد الملحم على أن محافظة الحسكة شمال سوريا هي مربط الخيول العربية الأصيلة، ويتجاوز عدد الخيول الموجودة فيه حالياً 6 آلاف رأس.

ويقول المربيان أبوالزعيم والملحم “سنوات الحرب وقطع الطرقات والجفاف أثرت بشكل كبير على الخيول كما باقي الثروة الحيوانية الأخرى، حيث أصبح الكثير من المربين يبيعون حصاناً أو فرساً لتأمين الغذاء والدواء لباقي خيولهم، وسط الارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف، وارتفاع تكاليف نقل الخيول بين المحافظات، الأمر الذي أدى إلى مقاطعة السباقات السورية والتحول إلى سباقات محلية تعتمد على تبرعات من أصحاب الخيول وبعض الداعمين، وهذه الجوائز لا تغطي تكاليف تدريب الجواد على السباق”.

وسط المشهد القاسي لواقع الخيول العربية الأصيلة في سوريا خلال سنوات الحرب تبرز تجارب نقاط مضيئة على الساحة السورية، حيث تعود الخيول إلى محافظة دير الزور بأعداد مضاعفة مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2011.

ويقول الشيخ ذاكر الهفل (أحد أبرز مربي الخيول في محافظة دير الزور) “خلال سنوات الحرب والحصار تأثرت الكثير من مرابط الخيول بالقصف، وقُتلت الكثير من الخيول. المربون اهتموا بخيولهم كاهتمامهم بأولادهم”.

نقاط مضيئة

حياة جديدة
حياة جديدة

ويضيف الهفل “بعد عام 2017 بدأت تعود تربية الخيول إلى دير الزور، وعدد الخيول حالياً ربما أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل 2011، بسبب دخول عدد كبير من المربين الجدد المحبين للخيل رغم صعوبة تأمين الغذاء والدواء”.

وغير بعيد عن محافظة دير الزور تبرز مزرعة الهنوف واحدة من أهم مزارع تربية الخيول في سوريا. ويقول مديرها الشيخ حسين الباشا العاصي الجربا “مزرعة الهنوف في قرية رميلان الباشا بمحافظة الحسكة تعتبر مزرعة نموذجية في سوريا لتربية الخيول العربية الأصيلة. وهي تنفرد بأنها تضم حوالي 250 جواداً من رسن واحد وهو كحيلة الواطي المتوارثة عن أجدادنا منذ مئات السنين، ويرفض مالك المزرعة الشيخ عبدالله الباشا العاصي الجربا دخول أي رسن آخر من الخيول إلى المزرعة، والتي أصبحت تعرف اليوم برسن كحيلة
الهنوف”.

ويضيف مدير مزرعة الهنوف “السنوات الماضية كانت قاسية علينا، وسقطت عدة قذائف من قبل المسلحين داخل المزرعة وأصيبت بعض الخيول بشظايا ولكنها صمدت وبقيت في مزرعتها كصمود أهلها، إضافة إلى قطع الطرق وصعوبة وصول الأعلاف والأدوية؛ حيث يرسل الشيخ عبدالله الذي يقيم في العاصمة السعودية الرياض الأدوية والبذور عبر مطار أربيل وصولاً إلى منطقة القامشلي للمعالج وزراعة النباتات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من العلف. ويملك الشيخ أكثر من 500 هكتار مخصصة فقط للخيل، ويعمل في المزرعة حوالي 300 شخص (فنيون وإداريون وعمال لخدمة الخيل)”.

ويختم الشيخ الجربا كلامه قائلا “هذه المزرعة وجدت لخدمة الخيول”، ويرفض الشيخ عبدالله بيع أي جواد منها مهما غلا ثمنه، مؤكدا “يحدونا أمل أن تصبح المزرعة بوابة انطلاق لسباقات من أجل مساعدة أصحاب الخيول”.

مزرعة نموذجية
مزرعة نموذجية

18