الأزمة السياسية في العراق تجعل الحديث عن البيئة ترفا

استعصاء يعيق التفاوض حول المياه مع تركيا وإيران.
الاثنين 2022/09/19
العراق يعد خامس دولة معرضة لتأثيرات تغير المناخ في العالم

الجمود السياسي الذي طال أمده في العراق، وبقاء البلاد بلا حكومة مؤثرة قادرة على إدارة شؤون الدولة واستحقاقاتها تركا العراقيين بلا أمل في أن يجري الالتفات إلى ما يتوجب فعله إزاء المناخ. ولم تُجد نفعا عشرات المليارات من الدولارات من عائدات النفط لإنقاذ الأراضي الخصبة الواقعة بين نهري دجلة والفرات من التغير المناخي، مما جعل العراق بلدا غير مثالي للعيش حسبما يقول مواطنوه.

بغداد - يذكر تقرير المرصد الاقتصادي الذي أصدره البنك الدولي هذا الصيف أنه بعد الانكماش بنسبة تزيد على 11 في المئة عام 2020، فقد حقق الاقتصاد العراقي نمواً بنسبة 2.8 في المئة في العام 2021 مستفيداً من تخفيف القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا.

نمو عزّزه توسع قوي في الإنتاج غير النفطي، ولاسيما في قطاع الخدمات. ومع الإلغاء التدريجي في تخفيضات إنتاج أوبك+، فقد بدأ إجمالي الناتج المحلي النفطي أيضًا في النمو، كما دفع ارتفاع عائدات النفط إلى تحقيق فائض في الأرصدة المالية العامة والأرصدة الخارجية الكلية في العراق، ومع ذلك، يقول التقرير إن أوجه الجمود في المالية العامة مستمرة.

ذلك يعني أن الوضع الصعب الذي يعيشه العراقيون اليوم ليس ناجماً عن تراجع اقتصادي، بل إن المتسبب الأكبر فيه هو الاستعصاء السياسي القائم. فالمستنقع السياسي الذي غرق فيه العراق يعدّ أسوأ مأزق يمر به البلد منذ العام 2003، بعد فشل البرلمان في الاتفاق على رئيس للجمهورية أو رئيس وزراء جديد منذ انتخابات أكتوبر الماضي مع تواصل الصراع على السلطة بين الفصائل المتناحرة امتد إلى اشتباكات دامية في الشوارع خلال الشهر الماضي.

علاء الياسري: عائدات النفط العراقي خلال الشهور الأخيرة نحو 82 مليار دولار

وتقول زينب شكر الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة سام هيوستن في ولاية تكساس الأميركية إن “الأزمة السياسية تضيف طبقة من التعقيد إلى أزمة المناخ في البلاد”، مضيفة أن “السيناريو الأسوأ هو ما يحدث الآن”.

تأثيرات المناخ

وتقول منظمة “بيركلي إيرث” الأميركية لعلوم البيانات البيئية إن العراقيين يواجهون قسوة تأثيرات ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، مثلما يواجهون الأزمة السياسية التي طال أمدها.

وقد ارتفعت الحرارة في العاصمة العراقية بغداد بمقدار 1.7 درجة مئوية بين 1960 و2021 وتصل خلال فصل الصيف إلى 50 درجة مئوية.

ويعدّ العراق خامس دولة معرضة لتأثيرات تغير المناخ في العالم وفقا لتقرير صدر هذا العام عن المنظمة الدولية للهجرة. وتتفاقم ندرة الموارد المائية مع تضاؤل ​​الإمدادات واستمرار زيادة الطلب. وتقلل السدود التي بنتها تركيا وإيران من كمية المياه التي تشق طريقها نحو العراق.

شلل مشاريع البنية التحتية

ووفقاً لتقرير المنظمة، فقد نزح 20 ألف شخص في العراق في نهاية العام الماضي بسبب ندرة المياه، منتقلين من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية.

وجاء الاقتتال السياسي في وقت يستفيد فيه العراق الغني بالنفط من الزيادة العالمية في أسعار الطاقة بعد غزو روسيا لأوكرانيا. وقال المسؤول الحكومي السابق يسار المالكي محلل الخليج في إصدار الشرق الأوسط للمسح الاقتصادي، وهي نشرة إخبارية عن صناعة الطاقة، إن تسخير بعض هذه الإيرادات ممكن لمبادرات المناخ.

ووفقا لبيان أدلى به علاء الياسري رئيس شركة تسويق النفط الوطنية الحكومية العراقية “سومو”، فقد جمع العراق خلال الأشهر الثمانية الماضية نحو 82 مليار دولار من عائدات النفط.

وصانعو السياسة العراقيون غير ممكّنين من الوصول إلى الجزء الأكبر من تلك الأموال إلى أن يتم تمرير تشريع لوضع ميزانية حكومية رغم المكاسب غير المتوقعة، ويتعين على الهيئات الحكومية أثناء ذلك الاعتماد على آليات تمويل الطوارئ.

ويُذكر أن الجمود السياسي حال دون تشكيل فرع تنفيذي تشمل مهامه صياغة الميزانية والتفاوض بشأن الوصول إلى المياه مع الحكومات المجاورة مثل تركيا.

1.7

درجة مئوية معدل ارتفاع درجات الحرارة في بغداد بين العامين 1960 و2021

ويقول المالكي ومحللون سياسيون آخرون إنه من غير المرجح أن تتوصل النخبة السياسية إلى اتفاق في الوقت المناسب لتشريع ميزانية للعام 2023. كما أن غياب الحكومة والإنفاق العام المستقر يمنع أي إستراتيجية طويلة الأجل للتعامل مع أزمة المناخ ومجموعة من القضايا الأخرى. ويقول الخبراء لرويترز إنه إذا ما تشكّلت حكومة جديدة فإنهم يخشون أن تقع فريسة لمكائد سياسية يقودها الفساد والمحسوبية.

وأكّد مسؤول اقتصادي سابق في العراق، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن السياسيين سيكونون أكثر اهتماما بـ”تقسيم الكعكة” عوضا عن معالجة مشاكل المناخ في البلاد.

يذكر أن منظمة الشفافية الدولية كانت قد صنّفت العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد، ولهذا يؤكد المالكي أن البلد “يخسر الآن على جبهات عديدة”.

شلل مشاريع البنية التحتية الكبرى يعرّض البلد للخطر، بينما يؤكد مؤيدو تلك المخططات أنها يمكن أن تدعم إمدادات المياه وتطلق مشاريع الطاقة الخضراء. وقد وقّع العراق صفقة لتطوير البنية التحتية مع شركة “توتال” العملاقة للطاقة في سبتمبر 2021 بقيمة 27 مليار دولار شملت الطاقة الشمسية، وتضمنت أيضاً تمويل مشاريع في المنطقة الجنوبية من البصرة حيث يقع الجزء الأكبر من نفط العراق.

يسار المالكي: التنافس على المياه يدور بين صناعة النفط والمزارعين والمواطنين

ويرى المالكي أن الملوحة والسدود والجفاف دمرت إمدادات المياه في المنطقة مما أدى إلى التنافس على المورد بين صناعة النفط والمزارعين والمواطنين.

صفقة “توتال” تهدف إلى استثمار المجموعة الفرنسية في مخطط لحقن مياه البحر بدلا من المياه العذبة في الحقول لتعزيز استخراج النفط الخام. وقالت “توتال” في بيان إن من المتوقع أن يقلّل مشروع النفط من الضغوط على المياه في المنطقة عبر تقليص كمية المياه العذبة التي تستهلكها عملية استخراج النفط.

لكن مصادر قالت لرويترز في وقت سابق من هذا العام إن الاتفاق تعثر بعد أشهر ويهدده شبح الإلغاء. ويتطلب وضع اللمسات الأخيرة موافقة الوزارات الحكومية المختلفة والتوقيع من وزيري النفط والمالية القادمين، وهي مناصب لا تزال شاغرة بسبب التوترات السياسية.

كما قد يؤدي الوضع السياسي المستعصي إلى تقليص الثروة النفطية التي تم اكتسابها في العام الماضي، حيث تآكلت قيمتها بسبب التضخم مع تراجعه في الحسابات المصرفية، حسب المسؤول السابق الذي ذكر احتمال خسارة المليارات، مضيفاً قوله “نحن سيارة عالقة في الوحل. نحن ندير إطاراتنا، لكننا لن نذهب إلى أي مكان”.

ويعيد هذا الوصف للمسؤول العراقي إلى الأذهان ما ورد في تقرير البنك الدولي من تحذيرات تقول إن المزيد من التأخير في تشكيل الحكومة وإقرار موازنة عام 2022 سيؤدي إلى الحد من استخدام إيرادات البلاد المفاجئة من النفط، حيث تم بلوغ السقوف الفعلية لموازنة عام 2021، وتعليق تنفيذ مشاريع استثمارية جديدة، ما قد يخفض النمو الاقتصادي مجدداً، ويقود إلى المزيد من تأثر البلاد والمواطنين بتدهور المناخ.

6