أي خيارات أمام بوتين للتعامل مع الهجوم الأوكراني المضاد

اللجوء إلى التعبئة العامة والأسلحة النووية التكتيكية ينذر بدخول المواجهة نطاقا أوسع.
الخميس 2022/09/15
تقهقر القوات الروسية ينقل المعركة إلى مرحلة جديدة

مع تحقيق القوات الأوكرانية نجاحات متتالية على جبهات القتال، دخلت الحرب الروسية على أوكرانيا منعطفا حاسما قد يتسع فيه نطاق المواجهة ويكون أكثر خطورة، إذا أن خيارات موسكو في التدارك تبدو محدودة.

موسكو - أعلن الجيش الأوكراني استعادة السيطرة على الآلاف من الكيلومترات من قبضة القوات الروسية في شمال شرق البلاد، بعد أن تحولت دفة التقدم في ساحة القتال بين روسيا وأوكرانيا بصورة دراماتيكية مطلع الأسبوع الحالي، ما يثير العديد من التساؤلات بشأن السيناريوهات المحتملة للفترة المقبلة ورد الفعل المتوقع من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويحذر مراقبون من رد الفعل العنيف للرئيس الروسي الذي يتعرض لانتقادات داخلية حتى من المقربين إليه والداعمين لخططه، مرجحين لجوءه إلى التعبئة العامة وهو خيار ابتعد عنه طيلة الأشهر الماضية إلى جانب التعويل على الأسلحة النووية التكتيكية ما ينذر بدخول الحرب نطاقا أوسع.

ويقول المراقبون إن "بوتين الجريح" سيصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى، بعدما أجبر هجوم مضاد خاطف من قبل الجيش الأوكراني روسيا على التخلي عن بلدات رئيسية مثل إيزيوم وكوبيانسك في منطقة خاركيف، ويمكن القول إنها أكبر انتكاسة لموسكو في الحرب. كما استولت أوكرانيا على أعداد كبيرة من المركبات المدرعة والدبابات الروسية أثناء استعادتها للأراضي.

وأكد محللون أن أيّ محاولة من قبل الجيش الأوكراني لتوغل واسع النطاق في روسيا، في إشارة إلى مدينة بيلجورود الروسية التي تقع على بعد 25 ميلا فقط من منطقة خاركيف، ستشهد دخول الحرب مرحلة أكثر خطورة.

ويمكن أن تؤدي خسارتها (روسيا) مساحات كبيرة من منطقة خاركيف إلى تسريع التوترات الداخلية في موسكو. وهناك شائعات بأن سيرجي شويغو وزير الدفاع يمكن استبداله، في حين انتقد الزعيم الشيشاني رمضان قديروف الأداء العسكري لروسيا.

◙ بوتين لم يردّ بعد على خسائر روسيا، ليبقى التساؤل بشأن ما إذا كانت الهزائم ستجعله أكثر أو أقل تهديدا لأوكرانيا والغرب ما يجعل الأمر مفتوحا على كل الاحتمالات

وأثبت بوتين بالفعل أنه مستعد للتضحية بأعداد لا حصر لها من الأرواح للبقاء في السلطة. ولدى الدكتاتور الروسي القليل من الخيارات الجيدة الآن، ويجب أن يأمل العالم ألا يختار أسوأها. وتسبب تفوق الجيش الأوكراني على نظيره الروسي في خاركيف في صداع سياسي وعسكري لبوتين، إذ أن مشاكل بوتين ليست فقط في ساحة المعركة.

واعتبر المحلل لشؤون الدفاع لكون كوجلين أن "الغزو الروسي لا يسير وفق ما كان مخططا له، والشاهد على ذلك أن يقر المسؤولون الروس بأنهم عانوا من هزيمة كبرى خلال الهجوم الأوكراني الأخير".

ودلل على وجهة نظره بالقول إن "روسيا دأبت عند مواجهة أيّ انتكاسة كبيرة طوال هذا الصراع على الانغماس في التكتم، وحدث ذلك عند تدمير أوكرانيا للسفينة الحربية الروسية الرائدة في أسطول البحر الأسود (موسكفا)، وبدلا من الاعتراف بأن السفينة الحربية غرقت بسبب الضربات الصاروخية الأوكرانية، حاولت موسكو إقناع الشعب الروسي بأن انفجارا غامضا على متنها هو السبب".

ويعتبر الكاتب أن اعتراف المعلقين الروس بسهولة بأن الأوكرانيين حققوا نصرا مهما"، من خلال هجومهم الدراماتيكي على الجبهة الشمالية لروسيا،" يشير إلى أن "مغامرة بوتين العسكرية في أوكرانيا في ورطة حقيقية".

ويرى الكاتب الصحافي أن الهجوم الأوكراني المفاجئ "يمكن أن تكون له تداعيات كارثية محتملة على القوات الروسية، حيث يعني الاختراق أن الأوكرانيين باتوا في وضع يسمح لهم بتهديد خطوط الإمداد الحيوية لروسيا".

ووصف انتزاع السيطرة على بلدة كوبيانسك ذات الأهمية الإستراتيجية بأنه بمثابة نكسة كبيرة للقوات الروسية، “لأن هذه البلدة مستودع الإمداد الرئيسي لعشرات الآلاف من القوات الروسية العاملة في منطقة خاركيف، ويعني الاستيلاء عليها أن ما يصل إلى 15 ألف جندي روسي محاصرون بالكامل الآن، دون الوصول إلى الإمدادات العسكرية”.

وعلّقت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية على التقدم الذي أحرزته القوات الأوكرانية مؤخرا بأنه “الأكثر إثارة للدهشة منذ انسحاب روسيا من حول كييف في مارس”، إلا أن الصحيفة لفتت إلى أن ذلك "لا يعني أن ثمة نهاية سريعة للصراع في الأفق.. على الأرجح ستظل المواجهة بين الجانبين قائمة حتى الربيع في أوروبا".

واعتبرت الصحيفة أن الأسلحة الغربية عالية الدقة أحدثت الفارق وقلبت موازين المعادلة العسكرية لصالح كييف، “وهذا يعزز الحجج الداعية إلى تسريع تسليم لما تم التعهد به، إذ لم يتم تسليم سوى نصف الأسلحة التي تم التعهد بها بقيمة 16 مليار دولار، وإرسال المزيد".

وأشارت إلى أن موسكو "أبدت استعدادا للانتقام في ضربات نهاية الأسبوع حول خاركيف بهدف حرمان السكان المدنيين من الماء والتدفئة، ولا يزال الوضع حول محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها روسيا ينذر بالخطر".

◙ الهجوم الأوكراني المفاجئ يمكن أن تكون له تداعيات كارثية على القوات الروسية، حيث يعني الاختراق أن الأوكرانيين باتوا في وضع يسمح لهم بتهديد خطوط الإمداد الحيوية لروسيا

وقالت إن "بوتين يتعرض لضغوط.. فالخطر الذي قد يسعى إلى تفجيره أو تصعيده هو خطر يجب على العواصم الغربية أن تكون متيقظة ومستعدة له، ولكن لا ينبغي لهذا الخطر أن يثنيهم عن مواصلة إستراتيجية الدعم لأوكرانيا التي تظهر مؤشرات أنها تؤتي ثمارها".

وركزت صحيفة "موسكو تايمز" الروسية على ما وصفته بـ"الانتقاد النادر عندما دعا العشرات من المسؤولين، ومن  بينهم نواب من موسكو وسان بطرسبرغ، الرئيس بوتين إلى الاستقالة في رسالة مفتوحة نشرت الاثنين".

وأوضحت أن "دعوة الرئيس الروسي للتنحي تأتي وسط مزاعم بالتلاعب في الأصوات في الانتخابات المحلية والإقليمية التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي، فضلا عن التقدم الهائل للقوات الأوكرانية في الأيام الأخيرة الذي يمثل أكبر انتكاسة حتى الآن لحرب موسكو ضد كييف".

ونقلت الصحيفة عن كسينيا تورستريم، النائبة عن منطقة سيميونوفسكي في سانت بطرسبرغ، والتي وقّعت على الرسالة إلى جانب العشرات من المسؤولين الآخرين، قولها "تصرفات الرئيس بوتين ضارة بمستقبل روسيا ومواطنيها نطالبه بالاستقالة من منصب رئيس الاتحاد الروسي". وأضافت الصحيفة أن "العديد من الشخصيات المؤيدة للكرملين أعربت عن قلقها وإحباطها من الهجوم المضاد الذي شنته كييف".

وصرح الخبير السياسي فيكتور أوليفيتش خلال برنامج حواري سياسي على إحدى القنوات التلفزيونية الحكومية بأنه "قيل لنا إن كل شيء يسير وفقا للخطة. هل يعتقد أيّ شخص حقا أنه قبل ستة أشهر كانت الخطة هي مغادرة مدينة بالاكليا، وصد هجوم مضاد في منطقة خاركيف والفشل في السيطرة على خاركيف".

ويرى مراقبون أن بوتين لم يردّ بعد على خسائر روسيا، ليبقى التساؤل بشأن ما إذا كانت الهزائم ستجعله أكثر أو أقل تهديدا لأوكرانيا والغرب ما يجعل الأمر مفتوحا على كل الاحتمالات.

5