الرئيس المصري "وزير إعلام" يوجه الإعلام لتفنيد آراء معارضيه

سلطت توجيهات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للإعلام المصري الحكومي الضوء على انزعاجه من أدائه الضعيف بعد فقدان الإعلام القدرة على التحكم في الرأي العام وتحوله إلى موقف دفاعي “ضعيف”، ما يقود حتم القاهرة - احتار الإعلام المؤيد للنظام المصري في التعامل مع معارضيه الذين ازدادوا نشاطا مؤخرا بعد أن وجدوا في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد فرصة لرفع مستوى التصعيد والعزف على أوتارها المتشابكة. ووسط هذه الحالة اتسع نطاق خلط الحقيقة بالخيال بما ضاعف من وطأة الإعلام في الرد على ذلك أو تجاهله.
واعتمدت وسائل إعلام عديدة في القاهرة على الرد وتكذيب كل ما يردده الإعلام التابع لجماعة الإخوان جملة وتفصيلا، والتقليل من شأن ما يبثه إعلاميون أمثال محمد ناصر ومعتز مطر وأسامة جاويش، ومعهم كتيبة طويلة لا تتوقف عن استهداف النظام المصري.
ومنحت الطريقة التي اتبعها الإعلام المؤيد للرئيس السيسي خصومَه فرصة للمزيد من التغول والانتشار، لأن الفريق الأول لم يستند في ردوده على معلومات محددة تجهض ألاعيب الطرف المقابل، وهو ما جعل السيسي يطالب علنا بأن يكون الرد بذكر المعلومة الكاذبة والشائعة التي يرددها إعلام الإخوان ووضع الحقيقة أمامها.
وطالب الرئيس المصري بذلك صراحة قبل أيام خلال افتتاحه القرية الأولمبية التابعة لهيئة قناة السويس، ما أثار انقساما في صفوف خبراء الإعلام، فالبعض يرى أنها طريقة جيدة لدحض المعلومات الكاذبة وفقا لسردية متقنة لا تقبل التشكيك فيها وتقود إلى تراجع متابعي قنوات الإخوان على يوتيوب بعد أن راجت الفترة الماضية.
وخشي خبراء آخرون أن تساعد الإشارة الصريحة إلى ما ذكره إعلام الإخوان على ترويج ما يتم ترديده، فمهما كان عدد متابعي القنوات الخاصة والعامة على يوتيوب يظلون قلة مقارنة بعدد متابعي القنوات المصرية التي يمكن أن تعيد ذكر ما قيل من شائعات إخوانية ثم تكذيبها فتحقق انتشارا جديدا.
تصحيح مسار الإعلام ومنحه درجة عالية من الحرية يعد نقطة البداية لمواجهة النشاط الظاهر في إعلام الإخوان
ويستند هؤلاء الخبراء إلى قاعدة إعلامية تعرفها جيدا جماعة الإخوان، مفادها أن تذكر سلبا في الإعلام خيرا من ألا تذكر أبدا، فالتجاهل التام له عواقب وخيمة بينما الحديث عن الجماعة ولو من قبيل التكذيب وتوجيه الانتقادات والتقليل من شأن ما يتم نشره وبثه يجعلها حاضرة في ذهن المصريين وغيرهم.
وتفسر هذه القاعدة أسباب حرص الإخوان على الصياح الدائم وافتعال معارك داخل الجماعة من حين إلى آخر، كي توحي بأنها ديمقراطية وعفوية وقادرة على مواصلة معركتها مع النظام المصري، وربما ينزعج قادتها كثيرا من إهمال ما يجري داخلها، ولذلك يتعمد إعلام الجماعة المبالغة في لوم النظام المصري وتحميله مسؤولة جميع الأزمات الراهنة دون ذكر أي منجز يحققه.
وما حرّك الرئيس المصري لحض إعلامه على المجازفة واللجوء إلى ذكر أكاذيب الإخوان ووضع الحقائق أمامها هو تيقّنه من أن صوتهم بدأ يصل إلى شريحة كبيرة من المواطنين، وأن الآلية التي يعمل بها إعلامه المؤيد على طول الخط غير منتجة، ورأى أن اقتراحه يمكن أن يحقق المعادلة الصعبة.
ويعد هذا الاتجاه من دلائل القوة والثقة واليقين في نظر السيسي، وإن كان لا يستقيم مع الأدبيات الصحيحة للإعلام في هذه الحالات، لأنه لن يحقق الغرض المطلوب لتوجيه ضربة قاصمة لظهر إعلام الإخوان ويعتمد على تكتيكات فنية محكمة تتفوق على الإعلام الرسمي الذي يصر على الدوران في حلقة مفرغة تتمركز حول تقديم صوت واحد يتعلق بإنجازات النظام المصري بلا حديث عن إخفاقات أو عثرات.
الرئيس المصري أرهق نفسه ومعاونيه من خلال اهتمامه الشديد بوسائل الإعلام، لأنه يعلم المخاطر التي ينطوي عليها إذا تمكن من التأثير
ويعد تصحيح مسار الإعلام ومنحه درجة عالية من الحرية نقطة البداية لمواجهة النشاط الظاهر في إعلام الإخوان، ليتمكن من عرض مضامين تتناول الإيجابيات والسلبيات معا، فالتركيز على الأولى يجعل إعلام الجماعة يركز على الإخفاقات فقط، ومعروف أن الجمهور ينجذب إلى الطريق الأول أكثر من الثاني.
وأرهق الرئيس المصري نفسه ومعاونيه من خلال اهتمامه الشديد بوسائل الإعلام، لأنه يعلم المخاطر التي ينطوي عليها إذا تمكن من التأثير، وهو مقتنع اقتناعا راسخا بأن من أسهم بالدور الكبير في سقوط نظامي الرئيسين السابقين، حسني مبارك ومحمد مرسي، هو الإعلام أو “سحرة فرعون” كما أطلق مرسي على مقدمي البرامج والصحافيين المؤثرين في مصر.
كما أن عدم وجود وزير للإعلام يقوم بوضع خطة ورؤية واضحة يسير على دربها الإعلاميون أوجد نوعا من الفراغ والارتباك؛ فمنذ استقالة وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، قبل حوالي عام ونصف العام، لا يزال هذا المنصب شاغرا.
ولم تتمكن الهيئات الثلاث المنوط بها الإشراف على الإعلام -وهي: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام- من القيام بدور فاعل يضبط البوصلة ويمنح الإعلاميين هامشا واسعا من الحرية يمكنهم من الرد بأريحية على حيل وأكاذيب ومعلومات إعلام الإخوان.
ولا تتعلق المشكلة بغياب وزير أو وجوده، أو بعدم وجود هيئات مسؤولة عن تنظيم الإعلام، أو حتى توسيع هامش الحرية وإتاحة الفرصة لأصوات معارضة للحديث في وسائل الإعلام الرسمي، لأن الأزمة كامنة في عدم وجود دراسات علمية من شأنها أن تحدد ما يريده النظام المصري والآلية التي تساعده على ذلك، بدءا من الرسالة المطلوب توصيلها وصولا إلى مواصفات القائم بالاتصال وما يجب أن يتوافر فيه ليقوم بدوره على أكمل وجه.
ملاحظات السيسي المتكررة تشير إلى وجود فجوة بينه وبين القائمين على وسائل الإعلام، وأن هناك مسافة تحتاج إلى تجسير لتحاشي الوقوع في الأخطاء مرة أخرى
وتأتي المعضلة من هذه الزاوية، حيث يعتقد الرئيس السيسي أنه قادر بمفرده على قراءة دور الإعلام وتحديد أهدافه وهندسة الآلية المناسبة، اعتمادا على رصيد الثقة الذي يحتفظ به لدى قطاع من الجمهور المصري، والذي يجعله يبدو كأنه هو وزير الإعلام الحقيقي من كثرة تركيزه على ما يقوم به إعلامه.
وأبدى السيسي امتعاضه الشديد من أداء الإعلام على مدار السنوات الماضية ووجه له انتقادات قاسية، وقال عبارته الشهيرة “يا بخت عبدالناصر بإعلامه”، في إشارة إلى أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان يحظى بإعلام يؤيده ويدعمه بطريقة ذكية، بينما هو غير محظوظ حاليا، ولم تستفد وسائل الإعلام من إشاراته وقلّدت إعلام عبدالناصر دون مراعاة الفروق الزمنية.
وتشير ملاحظات السيسي المتكررة إلى وجود فجوة بينه وبين القائمين على وسائل الإعلام، وأن هناك مسافة تحتاج إلى تجسير لتحاشي الوقوع في الأخطاء مرة أخرى، لأن ما يطلبه الرئيس المصري ويعجز إعلامه عن القيام به يؤكد الفجوة بين المنشود والموجود وأن ثمة رأيا عجزا عن فهم واستيعاب الرسائل السياسية.
وتحتاج خطة الإعلام المؤيد للنظام المصري في مسألة تفنيد آراء المعارضين إلى تحديد المزايا بوضوح وتعظيمها ومعرفة الأضرار وتجنبها بدقة؛ فعمل الإعلام يسير وفقا لمنهجية تحتاج قدرا عاليا من الكياسة في التعامل ليتمكن من تحقيق أهدافه.ا إلى خسارة المعركة الإعلامية.