اغتيال الظواهري لا يسهم في إنهاء الحرب بأفغانستان

باكستان تحاول تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة عبر مدها بمعلومات استخباراتية دقيقة.
الثلاثاء 2022/09/13
التهديدات الجهادية لم تنته

واشنطن - جاء مقتل أيمن الظواهري لينهي الشائعات التي لاحقته لسنوات وادعت مقتله، في حين كان يتجول في جبال أفغانستان الوعرة، ثم انتقل بوصول طالبان للحكم إلى أحياء كابول الراقية ليتحرك بأريحية، لكن مقتله لن ينهي الحرب في أفغانستان أو يكون مقدمة لإنهائها، وفق ما يراه محللون.

ويرى الباحث جيمس بيغ، زميل في كلية الحكم والشؤون الدولية التابعة لجامعة دورهام البريطانية، أن إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن بعد مقتل أيمن الظواهري أن “العدالة قد تحققت” وأن هذا الزعيم الإرهابي لم يعد موجودا، يؤدي إلى التركيز الدقيق على العلاقة بين التخلص من الزعامات، والمفاهيم الأوسع نطاقا للعدالة.

ويقول بيغ في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إن مقتل أيمن الظواهري، رغم أنه أمر رمزي بدرجة كبيرة، ليس شيئا عظيما كما يُزعم في الغالب. فالظواهري فشل في منع حدوث الانشقاقات في تنظيم القاعدة، ما أسفر عن تشكيل داعش؛ ولم يكن قائدا قويا أو مؤثرا بصورة خاصة.

التهديدات الصادرة من أفغانستان تزداد حدة، ولم تشهد خيارات الولايات المتحدة للمواجهة زيادة أو تحسنا

وعلاوة على ذلك، فقد طورت القاعدة بصورة متزايدة القيادات الإقليمية، منذ مقتل أسامة بن لادن في باكستان عام 2011، وتقوم كادرات تلك القيادات بتنفيذ الكثير من أنشطتها. وبالتالي، فإنه من المحتمل أن يتصدر الواجهة أي قائد لإحدى هذه القيادات مما يحمله ذلك من تداعيات أكثر إثارة للقلق: فهناك الرغبة في الانتقام لإثبات قدرتها وتعزيز جهودها.

أما بالنسبة إلى أفغانستان فإنها مازالت تعاني مما يعتبره الكثيرون أسوأ أزمة إنسانية في العالم، والتي ترجع في جانب منها إلى الانسحاب المتسرع لقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وحكم نظام طالبان.

ويقول بيغ، الذي عمل مسؤولا للأمم المتحدة للشؤون السياسية في أفغانستان في الفترة من 2009 إلى 2015، إنه “بعد اغتيال الظواهري في أفغانستان زادت التهديدات ولم تنخفض، ولن تتوقف جهود تنظيم القاعدة وحلفائه وغيرهم ضد الولايات المتحدة. كما أنه من الواضح تماما أن طالبان توفر الدعم للقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية. وهذا من نفسها شأنه أن يزيد الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في ما يتعلق بما ينبغي عمله بالنسبة إلى نظام طالبان ومؤيديه في أفغانستان وخارجها، وبالنسبة إلى أفغانستان”.

ويضيف أن أفغانستان تظل قضية “لن تنتهي” بالنسبة إلى السياسة الخارجية الأميركية رغم آمال البعض في أن تكون لها نهاية. ويرتبط بذلك تماما باكستان، التي تعاني من ضائقة اقتصادية شديدة والتي ناشدت الولايات المتحدة مؤخرا تزويدها بالمساعدات المالية. وذلك رغم أن باكستان تساعد طالبان منذ سنوات كثيرة.

وبالإضافة إلى أن قتل الظواهري أدى إلى استمرار العلاقات بين طالبان والقاعدة، تظل قضية داعش - خراسان تتفاقم بصورة متزايدة حيث أنها تزداد قوة وتستعد لمهاجمة الغرب. فبعد الهجوم على الظواهري، ربما زادت تمكنا في ظل تنافسها مع طالبان والقاعدة. من ناحية أخرى، تزداد التهديدات والتحديات الصادرة من أفغانستان حدة، ولم تشهد خيارات الولايات المتحدة وحلفائها لمواجهة هذا الأمر أي زيادة أو تحسّن ملموس.

رغم أن الطائرات المسيرة يمكنها أن تنفذ هجمات بدقة ملحوظة، فإنها تعتمد على نوعية المعلومات الاستخباراتية
رغم أن الطائرات المسيرة يمكنها أن تنفذ هجمات بدقة ملحوظة، فإنها تعتمد على نوعية المعلومات الاستخباراتية

ويقول بيغ، الذي يستكمل حاليا رسالته العلمية عن الطائرات المسيرة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة سانت أندروز البريطانية، إنه رغم أن الطائرات المسيرة يمكنها أن تنفذ هجمات بدقة ملحوظة، فإنها تعتمد على نوعية المعلومات الاستخباراتية. ورغم أن الولايات المتحدة أجرت تحليلا دقيقا صعبا لهذا الهجوم، اتضح أنها تلقت المعلومات الاستخباراتية الرئيسية من مصادر على الأرض بالإضافة إلى عمليات اعتراض الإشارات.

وهذا الأمر يخضع الآن لمزيد من التدقيق، حيث ترى عدة تحليلات أن الولايات المتحدة تلقت مساعدة من باكستان نظير مقابل (وهذه ليست المرة الأولى). ومن الصعب تجاهل ارتباط المصالح وتوقيت الهجوم. إذ أن باكستان تحاول تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة (ما بعد عمران خان) حيث أنها تواجه متاعب اقتصادية، وحيث أن دعم طالبان لحركة طالبان باكستان، التي تهاجم باكستان، أصبح يمثل مشكلة متزايدة بالنسبة إلى باكستان. وفي الوقت نفسه، يعنى اقتراب موعد الانتخابات النصفية الأميركية أن هذه التطورات الإيجابية مرحب بها بوجه خاص في البيت الأبيض.

وإذا كانت الولايات المتحدة وباكستان تعاونتا بالنسبة إلى الهجوم بالطائرة المسيّرة الذي أدى لمقتل أيمن الظواهري، فإن هذا يمثل المزيد من التطور في سياسة الولايات المتحدة الخاصة بالطائرات المسيرة واستخدامها، والتي بمقتضاها تقوم باكستان بتقديم المعلومات الاستخباراتية لتمكين الهجمات بالطائرات المسيرة، بدلا من السماح لها بالعمل من باكستان كما كان في السابق.

أفغانستان تعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم تعود بالأساس إلى الانسحاب المتسرع لقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)

ومن الملاحظ أيضا أنه منذ قتل الظواهري بهجوم الطائرة المسيرة، تردّد أنه كانت هناك هجمات أخرى بالطائرات المسيرة ضد أهداف للمسلحين، من بينها تنظيم القاعدة في ولاية هلمند وفي ولاية كونار ضد قادة حركة طالبان في باكستان. ووصفت طالبان الهجمات بالطائرات المسيرة بأنها “عدوان” أميركي، ونددت بدخول الطائرات المسيرة عن طريق المجال الجوي الباكستاني.

والأمر الذي مازال غير مؤكد هو ليس فقط إلى أي مدى تعتبر الولايات المتحدة مستعدة لمواصلة قدراتها “فوق الأفق”، ولكن أيضا تفاصيل الظروف التي تخضع لها، مثل الوصول للمجال الجوي، والتموضع، والمعلومات الاستخباراتية على الأرض، وغيرها، وردود الفعل والتداعيات التي سوف تسفر عنها. ومع ذلك فإن الأمر الواضح تماما هو أنه ليس من المحتمل إلى حد كبير أن توقف الهجمات بالطائرات المسيرة وحدها نمو الجماعات الإرهابية مثل القاعدة أو داعش – خراسان في أفغانستان أو إرغام طالبان على قطع علاقاتها بالقاعدة.

ومن ثم، فإن مقتل الظواهري لا يمثل تقدما في تجريد هذه الجماعات من أسلحتها بقدر ما هو تحفيز لعلاقات مع طالبان أكثر تعقيدا وقائمة على أساس رد الفعل، في ظل تهديد إرهابي يزداد قوة صادر من أفغانستان.

وبالتالي، من الضروري أن تكون هناك إعادة نظر ثاقبة في السياسة الاستراتيجية تجاه أفغانستان، بما في ذلك كيفية استخدام الطائرات المسيرة وكيفية استخدام أسلوب “فوق الأفق” لمواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية.

7