علاقة سببية بين نسبة الكورتيزول في الشعر ودرجة التوتر لدى البشر

اكتشف الباحثون وسيلة جديدة لقياس التوتر عن طريق نسبة هرمون الكورتيزول في الشعر، مشيرين إلى أنه كلما زادت درجة التوتر، ارتفعت نسبة الهرمون في الشعر. ويأمل الباحثون أن تساعد هذه النتيجة في تطوير أدوية معينة أو اكتشاف بعض أنواع الأمراض الحميدة. كما يؤكدون أن ارتفاع مستويات هرمون التوتر يثبط نمو بصيلات الشعر الجذعية، ويبقيها في حالة راحة بدلا من النمو.
سان فرانسيسكو - توصل فريق مشترك من الباحثين من أيسلندا والمكسيك إلى دلائل تثبت أنه من الممكن قياس مدى شعور الإنسان بالتوتر خلال الماضي القريب عن طريق قياس نسبة هرمون الكورتيزول في الشعر.
ومن المعروف أن هرمون الكورتيزول تفرزه الغدة الكظرية وله العديد من الوظائف، ولكنه عادة ما يفرز بوفرة في حالة إصابة الإنسان بالتوتر، لدرجة أنه في بعض الأحيان يشار إليه بوصفه هرمون التوتر.
وفي إطار الدراسة التي أجراها عدد مشترك من الباحثين من جامعة أيسلندا والمعهد الوطني للصحة العامة في مكسيكو سيتي، ونشرتها الدورية العلمية “بلوس جلوبال بابليك هيلث”، حاول الفريق العلمي تحديد ما إذا كان هرمون الكورتيزول يصل إلى شعر الإنسان، ومدى ارتباطه بشعور الشخص بالتوتر.
وتضمنت الدراسة جمع عينات شعر من 881 امرأة يعشن في أماكن مختلفة في المكسيك و398 امرأة من أيسلندا، وكان يتم انتزاع شعر المتطوعات في التجربة وليس قصه من أجل إتاحة الفرصة لاختبار جذور الشعر أيضا. وحرص الباحثون على ألا يقل طول كل شعرة عن ثلاثة سنتيمترات، علما بأن المعدل الطبيعي لنمو الشعر يبلغ سنتيمترا واحدا شهريا، وبالتالي كان بمقدور الباحثين دراسة معدل التوتر على مدار ثلاثة أشهر سابقة.
وجود صلة بين نسبة الكورتيزول ودرجة التوتر، يعني أنه كلما زادت درجة التوتر، ارتفعت نسبة الهرمون في الشعر
وخلال الدراسة، كان يطلب من كل امرأة الرد على استبيان قصير لتحديد مدى شعورها بالتوتر خلال الشهور الثلاثة الماضية، وبعد ذلك تم تقسيم المتطوعات إلى خمس مجموعات حسب درجة التوتر التي كانت تشعر بها كل متطوعة خلال الفترة السابقة.
وتوصل الفريق البحثي إلى وجود صلة بين نسبة الكورتيزول في الشعر ودرجة التوتر، بمعنى أنه كلما زادت درجة التوتر، ارتفعت نسبة الهرمون في الشعر، حسبما أفاد الموقع الإلكتروني “ميديكال إكسبريس” المتخصص في الأبحاث الطبية.
ويرى الباحثون أن هذه التجربة تثبت إمكانية استخدام هرمون الكورتيزول كمؤشر حيوي لقياس التوتر في الماضي القريب، مع إمكانية توظيف هذه النتائج في تطوير أدوية معينة أو اكتشاف بعض أنواع الأمراض الحميدة.
ويشير الخبراء إلى أن ارتفاع مستويات “هرمون التوتر” قد يثبط نمو بصيلات الشعر الجذعية، ويؤدي إلى بقائها في حالة راحة بدلا من النمو.
ويؤكدون أن خصلات الشعر التي لا يزيد طولها في أغلب الأحيان عن بضعة سنتيمترات قليلة، باتت كاشفة لحجم الضغوط النفسية التي تعرض لها الشخص في غضون الشهور الماضية، وقد تكون تلك الخصلات شاهدا على ما يعتري الأشخاص من تقلبات مزاجية وعاطفية.
فعلى مدى العقود الماضية ذهب العلماء إلى أن عوامل الإجهاد والتوتر والقلق تؤثر سلبا على نمو أنسجة الشعر، لكن آلية هذا التأثير السلبي ظلت خافية إلى حدٍّ كبير، ما دفع فريقا بحثيّا من جامعة هارفارد الأميركية إلى محاولة التعرف على الآلية البيولوجية التي تكشف ارتباط التوتر المزمن بتساقط الشعر.
كما كشفت دراسة، نشرتها دورية “نيتشر”، على مجموعة من فئران التجارب، أن “هرمون الكورتيكوستيرون، المعروف بهرمون التوتر، والذي تنتجه الغدة الكظرية ويعادل هرمون الكورتيزول لدى الإنسان، يتسبب في بقاء خلايا بصيلات الشعر الجذعية في مرحلة سكون وراحة طويلة دون تجديد الأنسجة؛ إذ تؤدي زيادة التعرض للإجهاد إلى ارتفاع مستوياته، وبالتالي إطالة مدة سكون نمو بصيلات الشعر الجذعية وبقاء بصيلات الشعر في حالة راحة”.
هرمون الكورتيكوستيرون يتسبب في بقاء خلايا بصيلات الشعر الجذعية في مرحلة سكون وراحة طويلة دون تجديد الأنسجة
وفي المقابل، فإن غياب الكورتيكوستيرون يؤدي إلى دخول خلايا بصيلات الشعر الجذعية العديد من دورات التجدُّد التي يزيد عددها على عدد دورات التجدُّد التي تمر بها البصيلات في حالة عدم وجود هذا الهرمون.
وأهم ما توصل إليه الباحثون في هذه الأطروحة الجديدة هو الكشف عما يحدث على المستوى الجزيئي للأنسجة، إذ يؤثر هرمون “الكورتيكوستيرون” على “الحليمات الأدمية”، وهي عبارة عن بروز مخروطي الشكل يوجد في قاعدة بصيلة الشعر، وتقوم بتغذية البصيلة بالدم والمواد الغذائية.
وعندما تستقبل الخلايا الجلدية المحيطة ببصيلات الشعر إشارات التوتر، تمتنع عن إطلاق الجين المعروف باسم جي أي اس 6، وهو جين ينشط الخلايا الجذعية ويساعدها على الدخول في طور النمو من جديد، بينما تحفز عودة التعبير عن هذا الجين خلايا بصيلات الشعر الجذعية على تجديد الشعر ونموه، ما قد يفتح آفاقا جديدة في مسارات العلاج الخاصة بسقوط الشعر لدى البشر.
ويحتوي رأس كل شخص على حوالي 100 ألف بصيلة شعر، وقد تحتوي رؤوس بعض الأشخاص على 150 ألف بصيلة أو أكثر، وقد تعطي كل بصيلة نحو 20 شعرة جديدة في الحياة، وتنمو كل شعرة جديدة لعدة سنوات.
ويحدث التوتر عندما يواجه الشخص تهديدا محتملا، كنباح كلب ضخم يسير في اتجاهه مثلا، حينها تحفز منطقة ما تحت المهاد، وهي منطقة صغيرة في قاعدة الدماغ، نظام الإنذار في الجسم، ومن خلال الجمع بين الإشارات العصبية والهرمونية، فإن هذا النظام ينبه الغدد الكظرية، الموجودة فوق الكليتين، لإطلاق موجة من الهرمونات، تتضمن الأدرينالين والكورتيزول، وهي هرمونات قد تكون لها تأثيرات على أعضاء الجسم ومن ضمنها الشعر، وفق الدراسة.
ومن أجل اختبار كيفية تأثير هرمون التوتر على دورة حياة الشعر، قسم الباحثون جرذان التجربة إلى مجموعتين؛ إذ جرى استئصال الغدة الكظرية التي تقوم بإفراز هرمون الكورتيكوستيرون من أفراد المجموعة الأولى، وذلك بعد أن بلغ عمر الفئران 35 يوما، وهي فترة سابقة قبل أن تدخل فيها الخلايا الجذعية لبصيلات الشعر طور راحة ثانيا ممتدّا، في حين لم يتم إخضاع فئران المجموعة الثانية لأي تدخلات جراحية.
ارتفاع مستويات "هرمون التوتر" قد يثبط نمو بصيلات الشعر الجذعية، ويؤدي إلى بقائها في حالة راحة بدلا من النمو
ووجد الباحثون أن فئران المجموعة الضابطة بدأت طور الراحة وهي الفترة الانتقالية بين اكتمال تراجُع الشعر وبداية مرحلة نمو جديدة، في الفترة ما بين اليوم الـ43 وحتى اليوم الـ45 من عمر الفئران، واستمرت تلك المرحلة نحو 13 يوما، أي حتى بلوغ عمر الفئران 58 يوما (بزيادة أو نقصان يبلغ يومين)، في حين لاحظ الباحثون أن الجرذان التي خضعت لاستئصال الغدة الكظرية كانت لديها فترة راحة أقل (في حدود 11 يوما) مع نشاط مبكر لنمو الشعر.
وبمراقبة دورة نمو الشعر، وجد الباحثون أن طور نمو الشعر للجرذان التي لم تتعرض لاستئصال الغدة الكظرية أصبح متقطعا وغير متزامن في فترتي الراحة الثالثة والرابعة، وعلى النقيض، بقيت بصيلات الشعر في فئران المجموعة التي تعرضت لاستئصال الغدة الكظرية في طور الراحة لمدة أسبوعين تقريبا، ودخلت مرارا وتكرارا في طور التنامي بطريقة متزامنة.
وتقول تشيه هسو الأستاذة المشاركة في قسم الخلايا الجذعية والبيولوجيا العصبية التجديدية، والمشاركة في الدراسة “أدت إزالة مصدر هرمونات التوتر (الغدة الكظرية) جراحيّا إلى استمرار تجدُّد بصيلات الشعر في الفئران مع فترة توقف قصيرة جدّا للراحة، حتى مع تقدُّم الحيوانات في السن، بالرغم من أنه مع تقدم الثدييات، تصبح بصيلات الشعر ،عادة، أقل نشاطا، وهذا يؤكد دور الهرمونات التي تفرزها الغدة الكظرية في تنظيم نشاط بصيلات الشعر الجذعية خلال فترة الراحة”.
وعندما أراد الباحثون اختبار تأثير هذه الهرمونات على بصيلات الشعر الجذعية لدى فئران المجموعة التي خضعت للتدخُّل الجراحي، وجدوا أن مستوى هرمون الكورتيكوستيرون أظهر انخفاضا بشكل جوهري، بحيث أصبح بالكاد يمكن اكتشافه في الفئران التي تم استئصال الغدة الكظرية، وذلك مقارنة بفئران المجموعة الضابطة.