فاغنر تواجه وضعا معقدا في مالي

جرائم المرتزقة الروس في مالي أوجدت بيئة حاضنة للجهاديين.
السبت 2022/08/13
دعم روسي لم يؤد إلى كسب الحرب ضد الإرهاب إلى حد الآن

تواجه قوات فاغنر الكثير من التعقيدات لكسب الحرب على الإرهاب في مالي، وهو ما يفسر حدوث عمليات إرهابية تطال الجيش المالي بين الحين والآخر وسط مخاوف من تصاعدها.

باماكو – لم يتمكن النظام العسكري المالي إلى حد الآن، رغم اعتماده على الدعم الروسي ومرتزقة فاغنر، من وقف الهجمات التي تشنها الجماعات الجهادية بين الحين والآخر رغم العمليات العسكرية المستمرة التي يشنها الجيش المالي مدعوما بتلك الميليشيات في مناطق سيطرة الجهاديين شمال البلاد.

ولم تنجح الإستراتيجية التي يعتمدها هذا النظام إلى حد الآن، بالتخلي عن الدعم الفرنسي وتعويضه بالدعم العسكري الروسي، في وقف كل الهجمات الإرهابية. وهو ما يثير تساؤلات حول التعقيدات التي تواجه قوات فاغنر في الساحة المالية لكسب الحرب على الإرهاب.

وقالت حكومة مالي الأربعاء الماضي إن 42 جنديا ماليا قتلوا وأصيب 22 آخرون في هجوم قرب بلدة تيسيت الأحد، واتهمت جماعة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بالوقوف وراء الهجوم الدموي.

وكان هذا الهجوم إحدى أكثر الهجمات دموية التي يتعرض لها في السنوات الأخيرة جيش مالي الذي يواجه تمردا منذ عقد تشنه الجماعات المتشددة التي انتشرت في منطقة الساحل بغرب أفريقيا.

وقالت الحكومة في بيان “وحدات الجيش المالي في تيسيت… ردت بقوة على هجوم معقد ومنسق شنته الجماعات الإرهابية المسلحة، على الأرجح من تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، والذي تميز باستخدام الطائرات المسيرة والمتفجرات والسيارات الملغومة والمدفعية”.

العمليات التي تنفذها فاغنر في مالي تتعرض لانتقادات حقوقية حيث تتهم تلك الميليشيات بارتكاب انتهاكات

وأضافت أن الجنود قتلوا 37 مقاتلا خلال عدة ساعات من القتال العنيف. وكان الجيش قد ذكر في وقت سابق أن 17 جنديا قتلوا في الهجوم وفقد تسعة.

وأعلن فرع تابع للقاعدة مسؤوليته عن هجوم على القاعدة العسكرية الرئيسية في البلاد في أواخر يوليو الماضي، ما يشير إلى أن الإستراتيجية التي يعتمدها النظام العسكري في مالي للتعويل على فاغنر أو الدعم العسكري الروسي لم تحقق كل أهدافها.

ويحكم مالي مجلس عسكري بقيادة العقيد عاصيمي غويتا الذي أطاح بالحكومة الديمقراطية في عام 2020، ويرجع ذلك جزئيا إلى الإحباط من فشلها في كبح جماح العنف، لكن الهجمات ظلت شائعة وهو ما يجعل مبررات النظام العسكري المالي في التخلي عن الدعم الفرنسي والإطاحة بالحكومة غير مقنعة والتعويل على مرتزقة فاغنر غير مبرر.

ورغم أن عملية برخان التي أطلقتها فرنسا في مالي عام 2014 للقضاء على الجماعات الجهادية لم تحقق الكثير من النجاحات، فإن الدعم الفرنسي ساعد الماليين في حماية عدة مدن مالية كبرى -وخاصة العاصمة باماكو- من السقوط في أيدي الجهاديين.

وأسهمت فرنسا، بحكم خبرتها العسكرية وقدراتها الاستخباراتية وتواصلها اللغوي في منطقة الساحل التي كانت ضمن مستعمراتها، في تحجيم خطر الجهاديين بشكل كبير رغم عدم تمكنها من القضاء عليهم بسبب العديد من العوامل منها النفوذ الذي تتمتع به الجماعات المسلحة في عدد من المناطق الفقيرة.

ومن المصاعب التي واجهتها القوات الفرنسية في مالي، والتي باتت تواجهها قوات فاغنر الروسية، تعدد الجماعات الإرهابية وتوزعها الجغرافي، حيث ينشط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ضمن تنبكتو وما جاورها بينما تتمركز حركة أنصار الدين في منطقة كيدال، إضافة إلى امتدادها في جنوب مالي بالقرب من الحدود الإيفوارية.

وتنشط جبهة تحرير ماسينا في وسط وشرق مالي، في حين تنشط حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وتشن غاراتها عبر حدود النيجر، بينما لا يزال يشكل تنظيم بوكو حرام تهديدا لعدد من الدول الأفريقية كنيجيريا والكامرون.

ويرى مراقبون أن التواجد الفرنسي في عدد من دول منطقة الساحل، خاصة النيجر وتشاد وبدرجة أقل بوركينا فاسو وموريتانيا، يساهم في مكافحة الإرهاب بطريقة أشمل وبالتالي فإن قرار النظام العسكري في مالي التخلي عن هذا الدعم والتعويل على فاغنر والدعم الروسي لن يؤدي إلى القضاء على ظاهرة متغلغلة في المنطقة، وهو ما يفسر عودة الظاهرة الإرهابية بقوة.

رغم أن مجموعة فاغنر استُدعيت أساسا لتدريب الجنود الماليين، فإن تقارير حقوقية تحدثت عن مذابح وعمليات تعذيب تورط فيها جنود روس

وقررت فرنسا في يونيو 2021 إنهاء عملية برخان العسكرية في الساحل وتقليص عدد أفراد قواتها العاملة في المنطقة من 5100 عنصر إلى ما بين 2500 و3000 عنصر.

وسعى النظام العسكري في مالي بعد ذلك للتعويل على الاتفاقيات العسكرية مع روسيا لمواجهة الجهاديين، حيث استلم الجيش المالي الثلاثاء الماضي من حليفه الروسي معدات عسكرية جديدة، من ضمنها خمس طائرات ومروحية عسكرية.

كما تتعرض العمليات التي تنفذها مجموعة فاغنر في مالي لانتقادات حقوقية شديدة، حيث تتهم تلك المجموعة بارتكاب انتهاكات بذريعة مكافحة الإرهاب، وهو ما سيوفر بيئة للتعاطف مع المسلحين والجهاديين.

وفي يوليو الماضي كشفت صحيفة تلغراف البريطانية عن تفاصيل مذبحة ارتكبتها قوات فاغنر وأدت إلى مقتل ما بين 200 و600 رجل وطفل في عملية إعدام استمرت ثلاثة أيام في قرية مسلمة.

ورغم أن مجموعة فاغنر استُدعيت أساسا لتدريب الجنود الماليين، فإن تقارير حقوقية تحدثت عن مذابح وعمليات تعذيب تورط فيها جنود روس سواء في ديابالي أو في قرية هومبوري.

ورغم السمعة السيئة التي توسم بها مجموعة فاغنر فإنها لم تحقق الكثير من النجاحات في عدد من الساحات التي نشطت فيها على غرار الساحة الليبية.

وبالتالي من غير المتوقع أن يحقق الجيش المالي انتصارات ضد الجهاديين رغم كل الدعم الذي تحصل عليه من الروس ودور قوات فاغنر لأن الحرب في مالي تخاض على أكثر من جبهة ولا يمكن أن يحقق الانتصار العسكري السريع نجاحا على المدى الطويل.

6