ترشيد الطاقة لا يُقنع المصريين بجدية الحكومة

جدل الأولويات يضع القاهرة في أزمة بين خططها وقناعات المواطنين.
السبت 2022/08/13
المصريون منزعجون من بعض المشاريع الكبرى

لا تقنع الإجراءات التقشفية الجديدة المصريين بجدية الحكومة، وإنما تدفعهم لمقارنة التقشف بالكهرباء بمشروعات كبرى يرون أنها لا تدرّ أرباحا اقتصادية على البلاد، بل يذهب بعضهم حد اعتبار السلطة تهتم بمشاغل ثانوية في حين تتغاضى عن التخطيط والاستثمار في المشاريع المهمة التي من شأنها تنمية الاقتصاد والحد من الفقر المتنامي في البلاد.

القاهرة - مهّدت الحكومة المصرية لاتخاذ إجراءات تقشفية جديدة عبر ترشيد استهلاك الكهرباء في الشوارع والميادين العامة والمولات التجارية لتوفير كميات إضافية من الغاز الطبيعي وتصديره للخارج والاستفادة من عوائد العملة الأجنبية، لكن خطواتها لم تتضمن ترشيد نفقات بعض المشروعات الإنشائية التي تواجه اعتراضات شعبية.

ووافق مجلس الوزراء المصري رسميا الخميس على خطة لترشيد استهلاك الكهرباء بهدف تحقيق وفرة من الغاز الطبيعي للتصدير والاستفادة من العملة الصعبة.

ونصّ مشروع القرار على أن تلتزم كافة وحدات الجهاز الإداري للدولة بترشيد الاستهلاك الكهربائي بكافة المباني والمرافق التابعة لها طوال ساعات العمل، والالتزام بالغلق التام للإنارة الداخلية والخارجية لها عقب انتهاء ساعات العمل، عدا ما تفرضه مقتضيات العمل في بعض الأماكن التي تتطلب استمرار توصيل التيار الكهربائي لها.

ويصطدم هذا التوجه بقناعات قطاعات عديدة في المجتمع ترى أن الحكومة لا تسير وفق استراتيجية متكاملة تضمن ترشيد الإنفاق بوجه عام لتخفيف الأزمة الاقتصادية الراهنة والتراجع الحاصل في قيمة الجنيه أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع الرئيسية والخدمات، ما يجعلها بحاجة إلى إحداث إجماع شعبي يساعدها على تطبيق خططها.

جمال أسعد: المواطنون يدفعون ثمن ترشيد الكهرباء في الشوارع العامة

وأثارت توجهات الحكومة تساؤلات عديدة من المواطنين الذين يرون أن الخطط التقشفية لا تتماشى مع التوسع في إنشاء الجسور والطرق الجديدة واستمرار الكثير من المشروعات الإنشائية التي أضحت تواجه انتقادات لأنها لا تراعي الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، كما أن الحكومة ذاتها لم تتخذ إجراءات تقشفية على الوزراء وكبار المسؤولين ويبقى المتضرر هم المواطنون الذين سيعانون جراء تطبيق الخطة.

واعتبر محمد سالم، وهو موظف حكومي في الخمسين من عمره، أن “حكومة مدبولي تُصر على أن يتحمل المواطن الجزء الأكبر من فاتورة الأزمة الاقتصادية، وكان ذلك مقبولا حينما ذهبت باتجاه تطبيق سياسة قالت إنها تقشفية منذ نحو ست سنوات، ووقتها قامت بتعويم الجنيه وتحمل الناس الآثار السلبية المترتبة على انخفاض العملة، لكن الواقع يشير إلى استمرار الصعوبات”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، على مدار السنوات الماضية جاءت أرقام الاقتصاد مشجعة وأضحى هناك شعور إيجابي بإمكانية انعكاس ذلك على الأوضاع المعيشية لكن ذلك لم يتحقق سواء أكان ذلك بسبب تداعيات فايروس كورونا أو الأزمة الأوكرانية أو عدم قدرة خطة الحكومة الاقتصادية على تحقيق أهدافها، بالتالي لم تعد فرص تحمل المواطنين لمزيد من القرارات الضاغطة كما كانت من قبل.

وتساءل المواطن الذي لديه أربعة أبناء جميعهم في مراحل التعليم المختلفة: لماذا لا تتوسع الحكومة في فرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة؟ ولماذا لا تخاطب المواطنين بجدوى التوسعات الإنشائية الهائلة في مناطق أغلبهم لا يذهبون إليها مثلما الحال بالنسبة إلى المدن الجديدة؟، مضيفا “قد تكون لتلك القرارات آثار إيجابية في المستقبل، لكن الناس بحاجة إلى حوار جاد تعرف منه أبعاد خطط الحكومة والنتائج المترتبة عليها وانعكاسها على حياة المواطنين بشكل مباشر”.

ودافع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن رؤية حكومته نحو استمرار العمل بالمشروعات القومية الكبرى رغم الأزمة الاقتصادية، مؤكدا الإصرار على أن استكمالها ينبع من الحرص على زيادة الموارد، والذي يحدث من خلال استخراج المعادن والنفط بكميات الضخمة، وهو أمر لا ينطق على الحالة المصرية.

والحل الأمثل من وجهة نظر الحكومة يتمثل في المشروعات التنموية الكبيرة والتنوع فيها لتحقيق الخدمات وتطوير البنية الأساسية، فقد أحدثت هذه المشروعات على مدار خمس سنوات طفرة في دخل شريحة من العاملين بها ما يتطلب ضرورة استمرارها.

وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أن الاتجاه نحو مبدأ الترشيد بوجه عام أمر إيجابي وتشجعه المعارضة، ومطلوب ذلك بشدة في دولة يعاني اقتصادها من مشكلات جمة، في حين أن الحكومة مازالت أسيرة لتوجهات صندوق النقد الدولي الذي يضع شروطًا متعسفة تضاعف من أزمات المواطنين غير القادرين، ما يقود إلى حتمية ترشيد الاستهلاك بوجه عام لتوفير النفقات.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الترشيد مسألة موضوعية في أماكن ومؤسسات وتوجهات اقتصادية حقيقية توفر عوائد يمكن استغلالها لحصار الأزمات، وقد يكون ترشيد الكهرباء له جدوى لكن لا يكفي بمفرده، وإذا أرادت الحكومة كسب المواطنين ودعمهم سيكون أيضا مواجهة الفساد بحزم ورؤوس الأموال غير المشروعة التي تمثل عامل استفزاز للفقراء، وهؤلاء يشكلون أغلبية توصف بـ”المقهورة”.

توجهات الحكومة أثارت تساؤلات عديدة من المواطنين الذين يرون أن الخطط التقشفية لا تتماشى مع التوسع في إنشاء الجسور والطرق الجديدة
توجهات الحكومة أثارت تساؤلات عديدة من المواطنين الذين يرون أن الخطط التقشفية لا تتماشى مع التوسع في إنشاء الجسور والطرق الجديدة

وشدد على أن المواطنين العاديين يدفعون ثمن ترشيد الكهرباء في الشوارع العامة غير القابلة للسير في الكثير من المناطق، وقد يؤدي ذلك إلى متاعب لكبار السن، لكن الأمر مقبول من أجل سلامة الوطن واستقراره، وعلى الحكومة مراجعة توجهات الاستمرار في الاقتراض من صندوق النقد أو غيره من المؤسسات الدولية التي تفرض شروطا قاسية، تشكل خطورة حقيقية على الأمن القومي المصري.

وتركزت الانتقادات العامة الموجهة للحكومة على أنها لم تسر وفق رؤية تضمن تحسين عوائد العملة الصعبة، تحديدا في مجال الجذب السياحي أسوة بدول استطاعت تحقيق طفرات مهمة في الفترة الماضية مع إنهاء قيود السفر بسبب إجراءات مواجهة كورونا.

وطالت الانتقادات قناة السويس، فعلى الرغم من تحقيقها عوائد مرتفعة هذا العام، إلا أن مشروعات المنطقة الاقتصادية والاستفادة القصوى من موقعها الجغرافي مازالت أقل من المتوقع، بدءا بعدم إحداث طفرة إنتاجية تساعد على توفير العملة الصعبة عبر التصدير للخارج وليس انتهاء بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج
المحلي.

وحققت قناة السويس إيرادات بنحو 7 مليارات دولار، وبلغت عوائد السياحة 13 مليار دولار في العام الماضي، ووصلت تحويلات المصريين في الخارج إلى أكثر من 31 مليار دولار، فيما تخطت إيرادات تصدير الغاز الطبيعي 4 مليارات دولار خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري.

وتشير الحكومة المصرية إلى أنها تستطيع الحصول على 450 مليون دولار شهريا في حالة توفير 15 في المئة من استهلاك للغاز الطبيعي، وتسعى للاستفادة من ارتفاع أسعاره العالمية للتصدير.

وذهبت وكالة بلومبرغ للأنباء للتأكيد على أن أزمة الغاز في أوروبا منحت القاهرة فرصة لتعزيز دورها في خطط الطاقة في القارة، وزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي.

7