الجفاف في إسبانيا يؤجج التوتر حول إدارة المياه

احتياطات المياه في إسبانيا في مطلع أغسطس تراجعت إلى 14.4 في المئة من قدراتها، أي ما يقل بعشرين نقطة عن متوسط السنوات العشر الأخيرة في الفترة ذاتها.
الثلاثاء 2022/08/09
انتهى زمن هدر المياه

مدريد - هل تنتهي أزمة شحّ الأمطار في إسبانيا إلى حرب على المياه؟ في ظل موجة جفاف تاريخية، تتساءل إسبانيا حول مستقبل مواردها المائية التي يخصص قسم كبير منها لريّ الأراضي الزراعية في حين يهدد التصحّر 75 في المئة من أراضي من البلاد.

وفي مواجهة شحّ الأمطار، حذرت وزيرة الانتقال في مجال البيئة تيريسا ريبيرا مؤخرا بأنّ “علينا أن نكون في غاية الحذر والمسؤولية بدلا من أن نغمض عيوننا”، متوقعة “فترات من التوتر الشديد”.

وشهدت شبه الجزيرة الإيبيرية على غرار فرنسا وإيطاليا في الأشهر الأخيرة موجات حر شديد بعد فصل شتاء على قدر غير اعتيادي من الجفاف. وأدى ذلك إلى تراجع احتياطات المياه في إسبانيا في مطلع أغسطس إلى 14.4 في المئة من قدراتها، ما يقل بعشرين نقطة عن متوسط السنوات العشر الأخيرة في الفترة ذاتها.

ودفع هذا الوضع السلطات إلى اتخاذ تدابير عاجلة للحد من استهلاك المياه ولاسيما في كتالونيا والأندلس (جنوب) حيث لا يتعدى مستوى خزانات المياه 25 في المئة بدل 56.5 في المئة في حوض الوادي الكبير الذي يؤمن ريّ المنطقة بكاملها.

وقالت روساريو خيمينيث أستاذة الهيدرولوجيا في جامعة خاين في الأندلس إن “الوضع خطير سواء بالنسبة إلى المياه السطحية أو المياه الجوفية”، مشيرة إلى أن الوضع يزداد خطورة، إذ يندرج ضمن اتجاه عام تنسبه روساريو خيمينيث إلى الاحتباس الحراري.

شبه الجزيرة الإيبيرية شهدت في الأشهر الأخيرة موجات حر شديد بعد فصل شتاء على قدر غير اعتيادي من الجفاف

ويبقى أن شح المياه ليس أمرا جديدا في إسبانيا، بل أن البلد بات نموذجا للتكيّف مع أمطار غير منتظمة، بفضل عمليات نقل المياه بين أحواض الاحتجاز وإلى خزانات عديدة أقيمت لتأمين إمداد المدن والأراضي الزراعية.

وفي هذا السياق أقامت إسبانيا خلال القرن العشرين 1200 سدا كبيرا، ما يمثل رقما قياسيا في أوروبا نسبة إلى عدد السكان. وتوضح وزارة الانتقال البيئي على موقعها الإلكتروني أن هذا “سمح لإسبانيا بزيادة مساحة الأراضي المرويّة من 900 ألف هكتار إلى ثلاثة ملايين و400 ألف هكتار”، معتبرة أن “نظام إدارة المياه في إسبانيا مثال للنجاح”.

لكن العديد من الخبراء يرون أن هذا النظام يكشف اليوم عن حدوده. وأوضح خوليو باريا مسؤول حملة الفرع الإسباني لمنظمة غرينبيس أن هذه السدود “كانت لها فائدتها” لكنها في المقابل “شجعت على الاستغلال المفرط للمياه وتراجع نوعيتها، فضلا عن عرقلة المجرى الطبيعي للأنهار وتجددها”.

واعتبر المجلس العلمي لحوض رون – المتوسط، وهي هيئة فرنسية تضم خبراء في الهيدرولوجيا، أن “النموذج الإسباني” يكون مجديا “فقط حين تكون الموارد المائية متوافرة بشكل كاف لملء أحواض احتجاز المياه”.

لكن “يبدو أننا شارفنا على بلوغ هذه الحدود المادية”، على ما أوضح المجلس في تقرير، مضيفا أن “التطورات المناخية الجارية والتي ستستمر في العقود المقبلة، ستزيد من خطر التعثر الذي قد يتوقف مدى حدّته أيضا على ضعف إمكانات التكيف” للنموذج الحالي.

ويعتبر الخبراء أن المشكلة تكمن في استخدام الموارد في بلد غالبا ما يتم ري الحدائق فيه في وسط النهار خلال فترات القيظ، كما هي الحال حاليا في مدريد. وعلق خوليو باريا مبديا استياءه “لم يتوقف الاستهلاك عن التزايد في حين أن المياه التي في متناولنا تزداد ندرة، هذا غير منطقي”.

Thumbnail

والسبب خلف ذلك هو ازدهار السياحة مع إقامة بنى تحتية مستهلكة للمياه مثل ملاعب الغولف وأحواض السباحة، وكذلك الزراعة المكثفة التي تمتص أكثر من 80 في المئة من الموارد المائية لريّ مزروعات غير ملائمة إطلاقا في بعض الأحيان للطقس الجاف، مثل الفراولة والأفوكادو، وهي موجهة إلى السوق الأوروبية.

وقالت خوليا مارتينيث المديرة الفنية لمجموعة “نويفا كولتورا بور إيل أغوا” الناشطة من أجل إدارة أفضل للمياه، إن “استخدام الري في إسبانيا غير عقلاني. لا يجوز أن نكون بستان أوروبا” في حين أن “هناك حالات انقطاع للمياه عن السكان”.

وسعيا لمعالجة مشكلة شح المياه أقرت الحكومة في منتصف يوليو خطة إستراتيجية يفترض أن “تكيّف نظام إدارة المياه المعتمد مع مفاعيل الاحترار المناخي” من خلال تدابير تشجع على “إعادة التدوير” وعلى استخدام “فعّال وعقلانيّ” للموارد.

لكن الخبراء يرون أن التقدم الذي يتحقق لا يزال محدودا في حين لا تزال العديد من المناطق تراهن على زيادة الأراضي المروية. وأكد خوليو باريا “نحن بحاجة إلى تدابير أكثر شدّة” تمر عبر “إعادة هيكلة النظام الزراعي” الإسباني.

وتشاطره الرأي خوليا مارتينيث التي تذكر بأن “إسبانيا هي البلد الأوروبي الذي يمارس أكبر قدر من الضغوط على موارده المائية”، محذرة من أن هناك “قرارات لا يريد أحد اتخاذها، لكن لا يمكننا مواصلة هذا الهروب إلى الأمام”.

18