بوتين يشتري أردوغان ليشق العصا على حلفائه

العلاقة المتينة التي صارت بين الرئيس الروسي ونظيره التركي بالرغم من الخلافات التي بينهما تظهر بالدرجة الأولى قدرة بوتين على جذب الحلفاء ومنحهم مزايا تساعدهم على تثبيت أنفسهم في الداخل وفي نفس الوقت خدمة أجندة روسيا، ولو كانوا في الخندق المقابل.
أنقرة- نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحويل تركيا، الدولة العضو في الحلف الأطلسي، إلى حليف إستراتيجي، يشق طريقا مختلفا عن الطريق الذي تتخذه بقية دول الحلف في العلاقة مع روسيا.
مرة أخرى، أثبت بوتين أنه لاعب سياسي ماهر ويستطيع أن يجتذب حلفاء جددا، حتى ولو كانوا في الخندق الآخر.
فعلى مقربة من الانتخابات الرئاسية التركية في يونيو المقبل، وفي ضوء الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه تركيا من جراء التضخم وعودة سعر الليرة التركية إلى الانهيار من جديد أمام الدولار، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبدو في أضعف أحواله. ولكنه عاد من لقائه ببوتين في سوتشي، بوضع مختلف تماما.
فقبل أسابيع من انعقاد اللقاء في سوتشي بين الزعيمين، أوقفت الشركة الروسية روساتوم أعمال البناء في مفاعل “أكويو” في ولاية مرسين في جنوب تركيا، لكي تمنح بوتين أداة ضغط رئيسية تدفع أردوغان إلى القبول بمساومات فعالة في عدد من المسائل، الاقتصادية والأمنية.
الرئيسان اتفقا على “فتح صفحة جديدة” في العلاقات بينهما. وفي أحد أبرز جوانبها، فقد توافق الطرفان على القبول بتصعيد العمليات العسكرية التركية ضد الأكراد في شمال سوريا، من دون احتلال أراض سورية جديدة. وذلك في إطار ما اعتبراه “شراكة” بينهما لمكافحة الإرهاب.
وتشكل الحماية التي توفرها الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية، أحد أبرز العوائق أمام أردوغان لشن عملية عسكرية واسعة ضد الأكراد، بينما ترفض دمشق وطهران وموسكو أن تقوم تركيا بفرض منطقة أمنية بين منبج وتل رفعت على الحدود.
ولكن تم الاتفاق على التعاون لتوجيه ضربات انتقائية تستهدف إضعاف قوات سوريا الديمقراطية، بما يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إقناع الولايات المتحدة بأنها لم تعد قوات تصلح للدفاع عنها أو الاستمرار في حمايتها، ولدفعها إلى طلب الحماية من دمشق، وبالتالي خلق الظروف التي تؤدي إلى خروج القوات الأميركية من منطقة شمال شرق سوريا الغنية بالنفط.
ويسابق أردوغان الوقت من أجل إتمام صفقة طائرات أف – 16 مع واشنطن كتعويض عن صفقة شراء طائرات أف – 35 التي تم إبعاد أنقرة عنها بسبب شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي أس – 400. وكان هذا النظام بمثابة رأس جسر لموسكو في داخل الحلف الأطلسي. وذلك بعد أن أدى إلى قيام واشنطن بفرض عقوبات على تركيا، وحرمانها من حصة الشراكة في إنتاج طائرات الشبح المتطورة أف – 35.
وتريد أنقرة الآن أن تحصل على طائرات أف – 16 لقاء ما دفعته من أموال لتلك الحصة. ويخشى أردوغان أن يحقق الجمهوريون تقدما في الكونغرس في الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل لئلا يعرقلوا الصفقة.
ويتطلع بوتين إلى عرقلة هذه الصفقة، ما يعزز إستراتيجيته الرامية إلى تحول تركيا إلى حجر عثرة بالنسبة إلى الأطلسي. وهو ما يمكن أن يؤثر في النهاية حتى على عضوية السويد وفنلندا في الحلف، إذا واصلت تركيا رفضها انضمامها إلى الحلف، أو حولته إلى أداة مساومة للفوز بصفقة الطائرات.
ولم يكشف الطرفان صراحة عمّا إذا كانا قد توصلا إلى اتفاق بشأن قيام تركيا بتزويد روسيا بطائرات مسيرة تركية. إلا أن هذا الموضوع كان بكل تأكيد موجودا على جدول أعمال اللقاء بين الزعيمين. ويعود مصدر الخطورة الرئيسي في هذا الموضوع إلى أن روسيا تريد استخدام الطائرات التركية المسيرة لاستهداف الأسلحة الغربية التي يجري تزويد أوكرانيا بها. وهو أمر لو ثبت أن اتفاقا بشأنه قد تم بالفعل، فإنه سيكون أكبر تهديد داخلي يشكله بلد عضو في الأطلسي ضد أسلحة الأعضاء الآخري. وسياساتهم.
وكان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أكد أن موضوع شراء روسيا لطائرات تركية مسيّرة مطروح على جدول أعمال اللقاء بين الرئيسين. كما كان أردوغان أكد بنفسه بعد عودته من اللقاء الثلاثي في طهران، قبل نحو ثلاثة أسابيع، أنه تلقى طلبا من بوتين بهذا الصدد.
وكان من اللافت أيضا أن رئيس الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل ديمير كان جزءا من الوفد الذي رافق أردوغان إلى سوتشي، إلى جانب وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد والطاقة.
وكانت تركيا قد زوّدت أوكرانيا بطائراتها القتالية من طراز “بيرقدار تي بي 2” التي أثبتت فاعليتها ضد الدبابات الروسية. ويريد الرئيس بوتين أن يقلب الآية باستخدام هذه الطائرات ضد الأسلحة الأميركية والأوروبية التي حصلت عليها أوكرانيا.
وبسبب من حساسية الموضوع فإن الطرفين لم يقدما معلومات حول نتائج المحادثات في هذا الشأن. لكن ما هو ثابت الآن هو أن العلاقات الاقتصادية والأمنية بينهما أصبحت على درجة عالية من التنسيق والتعاون، وترقى إلى مستوى التحالف الإستراتيجي. فمن ناحية أكدت روسيا عزمها على استئناف العمل في المفاعل النووي “أكويو”، حيث يساور الرئيس أردوغان الأمل بأن يتم إنجازه قبل انتخابات الرئاسة، وهو ما يمكن أن يزود تركيا بنحو 10 في المئة من احتياجاتها للطاقة الكهربائية.
كما أصبح بوسع تركيا أن تكون هي المركز الإقليمي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، بدلا من أوكرانيا، عبر خط “ساوث – ستريم”، أو “ترك ستريم”. كما اتفق الطرفان على أن تسدد تركيا ثمن الغاز بالروبل الروسي، جزئيا على الأقل، وذلك في إطار صفقة تشمل التجارة بالعملة المحلية للبلدين.
وشكل الغاز الطبيعي الروسي 45 في المئة من مشتريات الغاز التركية المعتمدة على الاستيراد خلال العام الماضي، والتي سجلت مستوى قياسيا نتيجة الجفاف والزيادة المرتبطة بإنتاج الطاقة الكهربائية المعتمد على الغاز.
كما تشيد شركة روساتوم الروسية العملاقة المتخصصة في الطاقة النووية محطة نووية في أكويو بجنوب تركيا، والتي قال بوتين إنها ستبدأ العمل في العام المقبل.
ومن المتوقع أن توفر المحطة ما يصل إلى 10 في المئة من احتياجات تركيا إلى الطاقة وستستمر شركة روساتوم في تشغيلها وإدارتها لعدة عقود.
تركيا أصبحت لاعبا جيو-استراتيجيا في المنطقة، وبوتين منح أردوغان سلسلة جوائز يمكنها أن تضمن تجديد رئاسته
وعاد أردوغان من لقاء سوتشي بمشاعر أن تركيا أصبحت لاعبا دوليا، مؤثرا. وهو انطباع حرص الرئيس بوتين على تأكيده عندما أشاد بالدور الذي تلعبه تركيا في اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، وفي نقل الغاز الروسي، حيث قال “يجب أن يكون الشركاء الأوروبيون ممتنين لتركيا لتأمينها نقل الغاز الروسي دون توقف”.
ومن غير المستبعد أيضا أن تحصل تركيا على مكانة إضافية بأن تكون مركزا للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا إذا ما تم التوافق على استئنافها.
والانطباع السائد لدى المراقبين الآن، هو أن تركيا أصبحت بفضل التعاون مع روسيا لاعبا جيو-استراتيجيا كبيرا في المنطقة، وأن بوتين منح أردوغان سلسلة جوائز يمكنها أن تضمن تجديد رئاسته. ولكن في مقابل ثمن باهظ هو أن تتحول تركيا إلى حصان طروادة داخل حلف الأطلسي.